بعد مضي أشهر على دعوة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتساءل الكاتبة، داليا شيندلين، في تقرير لها نُشر في صحيفة "هآرتس" العبرية، حول الخطوات التي يمكن أن يتخذها الرئيس الديمقراطي في مرحلة "البطة العرجاء" المتبقية له في البيت الأبيض للحد من قدرة إسرائيل على توسيع حربها المتواصلة في القطاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ومصطلح "البطة العرجاء" يطلق عادة على الرؤساء المنتهية ولايتهم في البيت الأبيض، أو لم يتم التصويت لهم لولاية ثانية، وتُعرف الفترة الممتدة من الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر إلى 20 كانون الثاني/يناير، وهي الفترة اللازمة لتنصيب الرئيس الجديد، بمرحلة "البطة العرجاء"، إذ غالبًا ما يُنظر إلى الرئيس في هذه الفترة على أنه أقل تأثيرًا، نظرًا لمعرفة المسؤولين أنه سيغادر البيت الأبيض خلال فترة قصيرة.
مساران يمكن اتباعهما
بحسب شيندلين، هناك مساران يمكن لبايدن وترامب اتباعهما، الأول يتلخص بالحد من قدرة إسرائيل على مواصلة حربها في غزة، بينما يتمثل الثاني بالرضوخ إلى أهداف إسرائيل الأكثر تطرفًا في حربها التوسعية، مرجحة اختيار ترامب للمسار الثاني، إذ إنها تتوقع أن يكون للسفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي لديه خطة لمنع الفلسطينيين من تقرير مصيرهم، دور في إدارة ترامب المقبلة.
هناك مساران يمكن لبايدن اتباع أحدهما، إما الحد من قدرة إسرائيل على مواصلة حربها في غزة، أو الرضوخ إلى أهداف إسرائيل الأكثر تطرفًا في حربها التوسعية
أما بالنسبة لبايدن، ترى شيندلين أن على الرئيس الديمقراطي الاعتراف أن السياسات الناعمة والضغوط الاقتصادية التي مارسها على إسرئيل لم تنجح، لذا عليه أن يلجأ إلى الحد من قدرة إسرائيل على مواصلة الحرب، جنبًا إلى جنب مع ربط ذلك بوقف لإطلاق النار طويل الأمد في غزة، مشيرة إلى أن هذه السياسات يجب أن تكون جزءًا من أجندة بايدن خلال الشهرين الأخيرين له في البيت الأبيض، وهي من الأفكار التي جرى تتداولها في الأوساط الديمقراطية التقدمية.
تدور جميع نقاشات الديمقراطيين التقدميين حول مسألة أن يفرض بايدن حظرًا للأسلحة على إسرائيل، وهو ما تراه شيندلين "فكرة بعيدة عن الواقع"، كما أنه من الصعب تنفيذها في مرحلة "البطة العرجاء"، حتى أن بايدن نفسه لن يقبل بها. لكنها تشير أيضًا إلى فكرة أكثر واقعية تتمثل تتمثل بتفعيل القوانين الأميركية التي تمنع تصدير الأسلحة للدول المتهمة بارتكاب انتهاكات حقوق إنسان.
وأعادت شيندلين التذكير بالرسالة الأميركية التي طالبت إسرائيل بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، محذرة من انتهاكها "قانون ليهي" الصادر عام 1997، قبل أن تؤكد وزارة الخارجية الأميركية أن إسرائيل لم تنتهك القوانين الأميركية، وتعليقًا على ذلك، تقول الكاتبة إن تأكيد الخارجية الأميركية "يثير الشكوك حول ما إذا كانت الإدارة الأميركية تعتزم فعلًا اتخاذ أي إجراء ضد إسرائيل بسبب الكارثة الإنسانية في شمال غزة".
وكانت الأمم المتحدة قد قالت في وقت سابق من هذا الأسبوع إن السلطات الإسرائيلية رفضت أو علقت 85 بالمئة من محاولاتها لتنسيق قوافل المساعدات والزيارات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال حملة التهجير القسري الممنهج تحت تهديد السلاح في شمالي قطاع غزة.
تؤكد مسؤولة الشؤون الخارجية السابقة في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بوزارة الخارجية، أنيل شيلين، وهي من الموظفين الذين استقالوا من منصبهم احتجاجًا على الدعم الأميركي للحرب الإسرائيلية على غزة، أن القوانين الأميركية تنص ليس فقط على حظر الأسلحة في مثل هذه الحالات، فهي تشمل أيضًا "المساعدات الأمنية"، بما في ذلك التدريب العسكري والشراكات الأخرى، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إظهار التزام أكبر بالقانون الدولي والمؤسسات الدولية بشكل عام.
يمكن اتخاذ خطوات أكثر فعالية تدعم الفلسطينيين
تعد الولايات المتحدة من أكثر الدول الداعمة لإسرائيل على مختلف المستويات، بما في ذلك العسكري والسياسي والاقتصادي، فضلًا عن منحها حصانة دولية باستخدامها حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن ضد القرارات التي تصدر ضد تل أبيب. ووفقًا لشيندلين، بمكن لواشنطن أن تغير سياستها بتطبيقها قرارًا لوقف إطلاق النار على إسرائيل وحركة حماس، مشيرةً إلى امتناع إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، في مرحلة "البطة العرجاء" عن على القرار 2334 في مجلس الأمن الدولي عام 2016، الذي أكد أن المستوطنات غير قانونية.
وتبيّن شيندلين أن الإدارة الأميركية الحالية فشلت على مدى السنوات الأربع الماضي بتحويلها موقفها من تصنيف المستوطنات بأنها غير قانونية إلى سياسة فعلية على أرض الواقع، كما أنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة للعودة إلى القوانين التي تلزم بالإشارة إلى المنتجات المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية، بعد أن غير تسميتها ترامب إلى "صنع في إسرائيل"، ومن المتوقّع أن يقدم الكونغرس مقترح قانون لإقرار التسمية التي اعتمدها ترامب.
تتساءل شيندلين بخصوص الأسباب التي منعت الإدارة الأميركية من فرض عقوبات على الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، نظرًا لمسؤليتهما المباشرة عن السياسات الاستيطانية في الضفة الغربية. لكنها بدلًا من ذلك هاجمت مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، وهدد الكونغرس بسن تشريعات ضدهم، بعد مذكرة الاعتقال التي أصدرتها ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، على عكس دعمها لتحقيق المحكمة سابقًا في جرائم الرئيس السوداني عمر البشير.
🎥 بمساعدة ترامب.. مساعٍ إسرائيلية لضم الضفة الغربية pic.twitter.com/upShkmqGpv
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 14, 2024
تنقل شيندلين عن مركز "سيتري إنترناشيونال"، ثاناسيس كامبانيس، قوله إنه يمكن للولايات المتحدة أن تتخذ خطوات أكثر فعالية تدعم الفلسطينيين على المدى، مثل ربط التزام إسرائيل بحل الدولتين في مقابل حصولها على المساعدات الأميركية. كما أنه يقترح من بين مجموعة المقترحات التي توقف الحرب الإسرائيلية على غزة، أن تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطين، أو تدعو إلى حصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لكن فيما يبدو أن المقترحين خياليين في ظل الوضع السياسي القائم.
يقترح كامبانيس، بحسب ما تنقل شيندلين، أن تقدم الإدارة الأميركية خطة ختامية في نهاية ولاية بايدن، من الممكن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، والتي يرى أنها الأداة الوحيدة التي نجحت في التعامل معها، مشيرًا إلى أنه عليها استغلال ذلك قبل وصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، لافتًا إلى الشرق الأوسط يعيش لحظة حرجة في الوقت الراهن، ملخصها: "إما الدبلوماسية أو الحرب الشاملة".
تختم شيندلين تقريرها بالإشارة إلى أنه إذا كان الرئيس بايدن ملتزمًا حقًا بإنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة، لكان قد اتخذ هذه الخطوة منذ أشهر، لكن قرار وزارة الخارجية الذي صدر، أول أمس الثلاثاء، ونص على عدم فرض الولايات المتحدة حظرًا على صادرات الأسلحة لإسرائيل يبدو أنه إشارة مؤكدة على أن الإدارة الأميركية ليس لديها توجه حاليًا لإنهاء الحرب على غزة.