أول ما يفتتح به المؤرخ اللبناني الدكتور وجيه كوثراني كتابه "بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه: الدولة والمواطن" هو دعوة لإعادة النظر في "ظاهرة ثقافية - سياسية" سائدة في الاجتماع السياسي اللبناني، ناتجة في الأصل عن واقع اجتماعي -قانوني وسياسي طائفي، تحتاج عناصر تكوّنها باعتقاده لعملية تفكيك بعد أن أضحت جزءًا من بنية ثقافية ولغوية في الخطاب اللبناني المتداول، وهي ظاهرة استخدام مصطلح كاتب أو باحث ونسبه إلى طائفته (المثقف الشيعي مثلًا)، باعتبار ذلك شكلًا من أشكال التعسف، وخصوصًا إذا كان ذلك الكاتب أو المثقف ينطلق من اعتبار مقصده المعرفي واختياره بحرية أدواته المنهجية، وانطلاقه كذلك من قناعة تقوم على الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية، وبين موقفه السياسي والمدني وقناعاته الإيمانية الدينية أو المذهبية (ص 10-11).
يسلط وجيه كوثراني الضوء على مسألة حساسة أخرى ومحزنة في آن معًا، هي محنة الكاتب أو الباحث الناقد الخارج من الجسد السياسي للطائفة
يسلط كوثراني الضوء على مسألة حساسة أخرى ومحزنة في آن معًا، هي محنة الكاتب أو الباحث الناقد الخارج من الجسد السياسي للطائفة، فهو برغم كونه أو اعتباره استثناءً "وهامشًا للمتن، أو تعليقًا عليه" (1)، حسب تعبيره، إلا أنه يظل معرّضًا مع ذلك للتوظيف في البروباغندا السياسية -في بلد مثل لبنان- مرتين ومن طرفين اثنين، مرة من طرف أكثرية طائفة أخرى منافسة، تستخدمه بهدف التحريض ضد خصومها باعتباره المثقف الناقد من داخل الطائفة الخصم (كما فعلت كتلة "الحركة الوطنية" والإسلامية في الحرب الأهلية مع "المثقفين المسيحيين")، ومرة أخرى من طرف أكثرية طائفة المثقف الناقد، باعتباره برهانًا على خصوم الطائفة بالحالة اللاطائفية والتعددية القائمة في الطائفة (كما فعل السيد حسن نصر الله حين استخدم "المثقف الشيعي" كدليل على لا طائفية الحزب والبيئة التعددية في الطائفة). وبذلك يفقد المثقف الناقد "لطائفته" حين تغيب عنها التعددية الأيديولوجية والثقافية والسياسية دوره السياسي كمواطن باحث وكاتب ومنتج للمعرفة أو الفن أو الإبداع، فيعيش إما معتزلًا الحياة السياسية أو مستقيلًا عنها استقالة قسرية، أو يُسمح له حتى إشعار آخر بالتعبير والكتابة طالما أنه بعيد عن التأثير بالحشود والجماهير والرأي العام (ص 13).
اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة لبنان.. والطريق نحو التأسيس لتاريخ "لبناني" نظيف
في هذه القراءة نحاول عرض أبرز الأفكار التي تناولها الكاتب في مقدّمة كتابه والقسم الأول منه فقط "لبنان والدولة وحزب الله"، فالكتاب وعلى الرغم من عدد صفحاته التي لم تتجاوز المئتين، إلا أن الكاتب يعتمد كعادته نمطًا من الكتابة الدسمة، والتي يقدّم من خلالها أفكارًا ومعالجات عديدة ومكثّفة وغير مكررة في آن معًا، من الصعب اختزالها والتفاعل معها بإنصاف عبر قراءة عامة، فكل فصل من الكتاب يحتاج مراجعة منفردة تعطي الأفكار المتضمنة حقها في التقديم لها ومناقشتها بأمانة ومسؤولية.
المسار التاريخي المتعرّج للمفردات
يبحث كوثراني في ثلاثية مفردات "مواطن وجماعة ودولة"، من حيث الاختلاف في دلالاتها اللغوية-الثقافية بين حضارة وأخرى، وخصوصًا في الإرثين اليوناني - الأثيني والعربي - الإسلامي، ثم يستدرك القول بأن القضية ليست قضية اختلاف في الدلالات بين سياق حضاري وآخر، فالتفارق اللغوي - الثقافي يمكن تجاوزه لإنتاج معاني جديدة تتشابه أو حتى تتوحد في دلالاتها لتدلّ على الشيء نفسه في أكثر من حضارة، إذا ما كان هنالك حاجة فعلية إلى التماهي عبر التناصّ والتلاقح الثقافي والاستخدام الاصطلاحي والممارسة التاريخية، لكنه في نفس الوقت يرى بأن ذلك التقارب أو التوحد في دلالات المصطلحات له مسار تاريخي متعرّج حدّ الالتباس، يكمن في طريقة تلقي واقتباس واستيعاب تلك المصطلحات الوافدة والتعبير عنها في الثقافات المحلية (ص 23-26).
شهدت الثقافة العربية حسب كوثراني استقبالًا وممارسة لمفاهيم كالدولة الحديثة و"المواطنة"، وبدأ ذلك نظريًا في إطار مسار التثاقف الذي حصل في القرن التاسع عشر، على يد النخب العربية النهضوية والمفكرين الإصلاحيين أمثال رفاعة الطهطاوي وبطرس البستاني. أما على مستوى الممارسة، فكانت البداية مع تجربة التنظيمات العثمانية ثم تجربة الدستور العثماني (1876 - 1908)، ثم دساتير العشرينيات من القرن العشرين في دول مثل العراق وسوريا ولبنان ومصر، إلا أن محاولات تطبيق الدستور كانت تعكس دومًا التباسًا شديدًا في فهم الصيغ القانونية الجديدة، بفعل الثقافة السياسية السائدة في المجتمعات العربية -الإسلامية، التي كانت ولا تزال تقوم على بنى الدولة السلطانية ومجتمعاتها وآليات حكمها (ص 26-27)، فآلية العمل السياسي الجديد وإن كانت حاولت اختراق تلك البنى الاجتماعية والثقافية القديمة للمؤسسات الجديدة للدولة والمجتمع (عبر الأحزاب والجمعيات والإدارة والجيش) إلا أنها شكّلت أنماطًا من العصبيات أو التكتلات الأهلية التي أعادت إنتاج صيغة الدولة السلطانية أو العصبية أو الحادثة بالتعبير الخلدوني، والتي ترتكز "إلى علاقات الولاء والاستتباع واللجوء وتوزيع الخدمات والمنافع" (2)، أو ما يعبَّر عنه اليوم بالدولة الريعية (ص 28-29). الأمر ذاته ينطبق على تكوّن علاقات السلطة في المشروع اللبناني الجديد، حيث يخبر كوثراني بناء على قراءة ميشال شيحا للحالة السياسية اللبنانية في الأربعينيات والستينيات، أن المسكليات العصبوية والولاءات والاستتباعات الضيقة لدى الأفراد والجماعات والتداخل بين البرلمانية والزعامة المحلية كانت -ولا تزال اليوم حسب كوثراني- واقعًا ثقافياً - اجتماعيًا يتناقض مع ما كان يفترضه الدستور اللبناني من وعي لدى المواطن. لكن كوثراني يرى بأن تجاوز هذا النظام عبر الإصلاح السياسي والثقافي والتربوي بات أمرًا ملحًا ومصيريًا وإنقاذيًا (ص 30 - 31).
المأزق ووجهة الخروج منه
يتمثل المأزق اللبناني حسب كوثراني بتقليص عناصر التطيّف السياسي الدائرة المدنية والعلمانية في العمل السياسي، فالعمل السياسي في لبنان يكاد ينحصر في الأكثريات الطائفية وأحزابها وتياراتها الشعبوية التي تهيمن على كل شيء، على الشوارع وعلى مؤتمرات الحوار وعلى المؤسسات حتى التربوية منها والتعليمية.
شهدت الثقافة العربية استقبالًا وممارسة لمفاهيم كالدولة الحديثة و"المواطنة"، وبدأ ذلك نظريًا في إطار مسار التثاقف الذي حصل في القرن التاسع عشر
كما يتحدث كوثراني بنبرة يتجاذبها الأمل (واليأس) عن الدائرة المدنية الوطنية التي برز إشعاعها عبر انتفاضة الاستقلال، والمشاركة الواسعة للشباب والتي حصلت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي كان يظنّ أيضًا بأنها تقلّصت، لكنه يبشّرنا ويبشر نفسه بعد برهة بأن تلك الدائرة الوطنية ستظل موجودة بالقوة أو كاحتمال وإمكان، لكن ليس من مصلحة أي طرف من أطراف الطائفيات السياسية بشقيها (14 آذار و 8 آذار) أن تعمل من أجل بلورة ذلك الاحتمال أو الإمكان وتحقيقه على الرغم من إعلان بعضها عن "علمانية ما" في برامجها وخطابتها (ص 33). لكن البشرى أن إشعاع تلك الانتفاضة يعود اليوم مجددًا بكل ألق وصفاء وبعد عن التسييس أيضًا، عبر انتفاضة تشرين الشبابية، ليدلل على أن تلك الدائرة الوطنية بالفعل تظل موجودة بالقوة كما أخبر كوثراني من قبل، بل آخذة بالاتساع تدريجيًا، غير آبهة بكل الأطراف السياسية التي عملت - ولا تزال - على عرقلتها والحؤول دون تحقيق أهدافها في بناء الدولة اللبنانية المدنية.
اقرأ/ي أيضًا: فخاخ حزب الله للدبلوماسية اللبنانية
عندما يستقوي أهل السياسة بالدين
يعتقد كوثراني بأن وظيفة الطائفية السياسية تصير أعمق وأخطر في "الجمهور" التابع عندما يستقوي أهل الدين بالسياسة، أو حين "تتأسس السياسة على منطلقات إيمانية دينية مطلقة وثقافة طقسية تحشد حول ما يعتقد أنه مقدّس في القيادات والأشخاص والمواقف"(3)، مشيرًا في ذلك إلى خطاب حزب الله والأحزاب السلفية السنية (ص 33 - 34)، ثم يوجه سؤاله لقيادات تلك الأحزاب الإسلامية الشيعية منها والسنية حول مسألة وعيها وإدراكها مأساة ماضيها المثقل بمآسي الفتن وحروب التكفير، ويتساءل حول نتيجة استمرار الخطاب الحزبي الإسلامي في تعبئة الطائفة من أجل إحياء الذاكرة الجماعية والإبقاء على جاهزيتها لمواجهة مستجدات الحاضر واستغلال ما ينتج عن تلك التعبئة من طاقات اجتماعية وسياسية وقتالية في السياسات والاستراتيجيات والتكتيكات، والأنشطة والمسيرات والمهرجانات (ص 39 - 40). ويشير لمسألة مهمة من الضروري باستمرار تسليط الضوء عليها والتذكير بأهميتها باعتبارها عاملًا مساعدًا في توسيع الدائرة المدنية في العمل السياسي ومشروع بناء الدولة في لبنان، خصوصًا في أوقات التحولات الكبرى كالتي يشهدها لبنان اليوم وهي "أن تتحدث المراجع الدينية عن أفق مدني للمواطنة اللبنانية وللعمل السياسي اللبناني" (4) عوضًا عن تلك المرجعيات التي تدافع اليوم عن النظام الطائفي، وتحول دون سقوطه عبر أساليب التهديد اللفظي غير المباشر على شاشات التلفزة، والاعتداءات المباشرة التي يقوم بها المرتزقة والشبيحة والجمهور الأعمى -وبإشارة من تلك المرجعيات- على المتظاهرين اللبنانيين من كل الطوائف بمن فيهم أبناء الطائفة الشيعية.
حزب الله: الدولة المدنية وولاية الفقيه والطائفية السياسية
حزب الله وولاية الفقيه
لماذا الحديث عن حزب الله؟ لأنه اليوم حسب كوثراني هو "بطل الساحة" ولأن خلفيته الفقهية والفكرية والثقافية تثير إشكالات من الضروري طرحها تتعلق بمدى التلاؤم بين الاعتقاد بولاية الفقيه العامة ومشروع الدولة الوطنية الحديثة المأمولة. فالحزب بفعل خطابه ذي النبرة الحادة، وصوته العالي وتشديده على التفوّق والتخوين وقدسية الموقف واللجوء إلى معيار الأخلاق (أخلاقي/غير أخلاقي) وإلى معيار الدين (مقدّس/غير مقدّس) وإطلاقه التعابير غير السياسية (كغبار الحذاء والكعب.. إلخ) كل ذلك لا يبعث لتوقع امتلاك الحزب رؤية لمشروع دولة لبنانية حديثة، دولة مدنية، دولة مواطنين متساوين في مواطنتهم من غير تمييز ديني أو عرقي أو مذهبي (ص 44 - 45).
وبحسب محمد حسين شمس الدين، فالتطابق البنيوي بين الحزب والمقاومة والذي شكل ميزة تفاضلية للحزب في تزخيم عمله المقاوم أثناء الاحتلال، كان هو معوّق التكيّف المطلوب بعد زوال الاحتلال أو الدخول الفعلي معترك الحياة السياسية. وبالتالي فاستحقاق اللبننة أخذ الحزب على حين غرّة من قبل أن تكون لديه عدّة وأدوات ذلك الاستحقاق، إن كان على مستوى المحتوى الثقافي التعبوي، أو النسق التنظيمي، أو حتى البرنامج السياسي، وبالتالي فإشكالية اللبننة كانت في صلب الحرج الاستراتيجي للحزب بعد التحرير، هذا بغض النظر عن جديّته في التعامل معها أو مدى إقراره بوجودها أصلًا (5).
ماذا تقول نظرية ولاية الفقيه العامة التي يقول بها حزب الله، وما هي مبادئ حزب الله؟ تقول النظرية حسب الشيخ نعيم قاسم بأن المسلم المكلف يحتاج إلى جانب مرجع التقليد الذي يعرّفه بالأحكام الشرعية وضوابطها (جانب العبادات والمعلاملات) إلى قائد هو الولي الفقيه، من أجل تحديد السياسات العامة المرتبطة بالأمة وتوجهاتها العامة ومصالحها وحربها وسلمها، وقد تجتمع المرجعية والولاية في شخص واحد، كما هو الحال مع الإمام الخميني، وبعده مع الإمام الخامنئي. أما الحزب، فيلتزم بثلاثة مبادئ، 1) الإسلام، بما هو المنهج الكامل الشامل الصالح لحياة أفضل، وبالدعوة لإقامة الدولة الإسلامية في "الرؤية الفكرية"، لكن إذا كانت الظروف المحلية -وإن مرحليًا- لا تسمح بذلك الخيار فالحزب معذور حسب الشيخ نعيم قاسم في أنه قام بواجبه في التبليغ وإعلان موقفه، والناس هم من يتحملون مسؤولياتهم في نظام الحكم الذي يختاورنه، 2) مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكونه خطرًا على الحاضر والمستقبل، 3) القيادة الشرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي وللأئمة، باعتباره من يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة، كما أن أمره ونهيه نافذان، حيث لا علاقة لموطن الولي الفقيه بسلطته، كما لا علاقة أيضًا لموطن المرجع بمرجعيته. أما الولاية فهي حسب الإمام الخميني "مطلقة وعامة"، وتشكل جميع صلاحيات النبي والأئمة المعصومين (ص 46 - 47).
يكاد العمل السياسي في لبنان ينحصر في الأكثريات الطائفية وأحزابها وتياراتها الشعبوية التي تهيمن على كل شيء
لكن ومع هذا الحجم الكبير من الصلاحيات المنوطة بالولي الفقيه والمترجمة عمليًا بالسياسات العامة للأمة الإسلامية، فالتفاصيل متروكة للأحزاب القطرية المرتبطة بالولي الفقيه. وفي حالة لبنان، فالتفاصيل (الإدارة/ المتابعة/ مواكبة الجزئيات/ العمل السياسي اليومي/ الحركة الاجتماعية/ الجهاد ضد المحتل الإسرائيلي بتفاصيله) متروكة لحزب الله (بقيادته المنتخبة حسب النظام الداخلي والمتثملة بالشوري والتي تحصل على شرعيتها من الفقيه)، مع الأخذ بعين الاعتبار مسألتين أساسيين حسب الشيخ نعيم قاسم، 1) إنفاذ الأحكام الشرعية وعدم فعل ما يخالفها، 2) الظروف الموضوعية وخصوصيات كل جماعة أو بلد والتي لها تأثير على دائرة التكليف وساحة الاهتمام (ص 47 - 48).
اقرأ/ي أيضًا: "جماهير التوتاليتارية" بين غوستاف لوبون وحنة آرندت
لكن السؤال المهم حسب كوثراني هو عن حجم "الهامش" المتروك للحزب مقابل "الإستراتيجية" التي هي من صلاحيات الولي الفقيه، أو بالأحرى حجم الهامش المتروك للمواطن اللبناني الذي يؤمن بولاية الفقيه، والجواب يأتي من الشيخ نعيم قاسم بصيغة قطعية هي "المواءمة بين إسلامية المنهج ولبنانية المواطنة"، ليطرح كوثراني مجددًا سؤالين حول المسؤول عن رسم سياسة المنهج والمسؤول عن رسم سياسة المواطنة. خصوصًا لو وضعنا أمامنا تجربة المشاركة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية عام 1992 والتي استلزمت حسب الشيخ نعيم قاسم نقاشًا داخليًا موسعًا ولجنة من 12 عضوًا لنقاش العديد من الفرضيات والاقتراحات التي لم تأخذ حيز الاقتناع التام والتنفيذ -حتى مع حصول الاقتراحات على أكثرية الأصوات (10/12)- إلا بعد استفتاء الولي الفقيه نفسه، ليؤسس كوثراني على تلك الحادثة ويتساءل على لسان المواطن اللبناني: "كم من المرات أُستفتي الولي الفقيه بعد العام 1992؟ وما هي الاقتراحات والمناسبات والمواقف التي استفتي فيها الولي الفقيه حتى حرب تموز الأخيرة ؟" (6)، أو بالأحرى حتى انتفاضة لبنان مؤخرًا، ولنكمل التساؤلات نحن حول دلالات أن ينصح الولي الفقيه اللبنانيين المنتفضين اليوم بأن يلتزموا الأطر القانونية في تعبيرهم عن مطالبهم؟ وبأن انهيار الأطر القانونية في البلاد يعني عدم التمكن من القيام بأي عمل! ومن هم "الحريصون" الذين دعاهم الولي الفقيه كي يعالجوا انعدام الأمن في لبنان؟ وماذا يعني وصف الحراك الاجتماعي في لبنان بأعمال الشغب التي سببتها أمريكا وإسرائيل؟! جميعها "نصائح" الولي الفقيه في إيران للبنانيين بعد انتفاضة تشرين والتي تعبّر عن سياسته العامة للتعامل مع الانتفاضة الشعبية، والتي يترك تفاصيل التعامل معها لحزب الله!
يلخص كوثراني إشكالية علاقة حزب الله بولاية الفقيه بإشكالين رئيسيين: 1) صعوبة الانتظام في دولة/وطن يدفعها تركيبها التعددي والطوائفي وحركية الاجتماع السياسي المدني وضرورات الإصلاح لأن تتحول لدولة مدنية، دولة مواطنين لا دولة طوائف تنفصل فيها السلطة المدنية عن الدينية، 2) ان الإيمان بولاية الفقيه المطلقة (أيًا كان موطن الولاية) يمثّل قطيعة أو على أقل تقدير افتراقًا مع الإصلاحية الشيعية ومنهجها الذي شهده التاريخ الإسلامي - الشيعي، مع أنها باعتقاد كوثراني حملت المَخرج النظري والفقهي للانسجام مع الدولة المدنية الحديثة والاندماج في اجتماعها الوطني، حيث استطاعت المواءمة بين التدين وفقًا لقواعد المذهب، والعيش (على أساس المواطنة) في دولة مدنية وفقًا لقواعد القانون (ص 49 - 50).
حزب الله والطائفية السياسية اللبنانية
ما الحد الفاصل بين عقيدة مذهبية تستحضر من النصوص الدينية لفرقة معينة وبين طائفية سياسية تمثل طريق العمل السياسي المؤدي إلى السلطة في نظام مثل النظام السياسي اللبناني؟ يجيب كوثراني بأنه في الممارسة السياسية العملية، "يزول الحدّ بين العقيدة المذهبية والسياسية العملية" (7)، لا سيما أن السياسة نابعة من تلك العقيدة أو مؤسسة عليها، كما أن أعراف العمل السياسي في لبنان هي بحد ذاتها أعراف طائفية، بالإضافة إلى أن مواقع السلطة ومؤسساتها قائمة على توزيع مذهبي وتمثيل طائفي ومحاصصة مناطقية - طائفية، وبالتالي، فمن الطبيعي أن يتطابق الحزب العقائدي والحزب الطائفي، حتى أن الحزب العقائدي يتحول هو نفسه لحزب طائفي ومذهبي بامتياز. وهذا ما تدلل عليه التجربة السياسية لحزب الله في معتركه السياسي الذي دخله من بابين حسب كوثراني: باب الطائفية السياسية كمدخل لا بد منه لممارسة السياسة في لبنان، وباب العقائدية الدينية، والتي هي في الأصل منطلق مبادئ الحزب وثقافته وأساس نظريته (ص 51).
وفي هذا الشأن، يعتقد عبد الغني عماد بأنه في فترة الثمانينيات والتسعينيات بدأ التحول النوعي في مواقف حزب الله وأسلوب عمله، وصار أكثر ميلًا لانتهاج نمط من السلوك الواقعي في إطار تفاعله مع الداخل اللبناني، والأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع اللبناني التعددي على الصعيدين الطائفي والسياسي، وخصوصًا بعد توقيع اتفاق الطائف، وانهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء بعض النزاعات الإقليمية من بينها الحرب العراقية - الإيرانية، بالإضافة إلى تغيّر المناخ السياسي في إيران بعد وفاة آية الله الخميني ووصول هاشمي رفسنجاني إلى الرئاسة والذي كان يميل لاتباع سياسة براغماتية وتصالحية مع الدول في المنطقة، وبالتزامن مع أفول نجم الأجنحة الثورية والراديكالية (لمحتشمي وخروبي) والتي كانت لها دور في تصدير الثورة الإسلامية ودعم الحركات الأصولية في لبنان والعالم. وبالتالي، ومع كل تلك العوامل مضيفًا إليها الوجود السوري في لبنان وموقفه غير المتهاون مع الأطراف الإسلامية السنية والشيعية غير الملتزمة باتفاق الطائف، تحول حزب الله لاتباع ما يسميها عماد باستراتيجية المرونة العقائدية والسياسية المبررة بعدم توفر الشروط العملية لتأسيس نظام إسلامي في لبنان، وبالتالي تم التخفيف من الشحنة الأيديولوجية والراديكالية وصار عمل الحزب من داخل النظام السياسي اللبناني (8).
ما الحد الفاصل بين عقيدة مذهبية تستحضر من النصوص الدينية لفرقة معينة وبين طائفية سياسية تمثل طريق العمل السياسي المؤدي إلى السلطة في نظام مثل النظام السياسي اللبناني؟
يختم كوثراني حديثه عن حزب الله والطائفية السياسية بإشكال يعتقد بأنه بحاجة إلى توضيح، وهو البرنامج الذي خاض الحزب على أساسه انتخابات 1992، والذي ورد فيه مطلبين: 1) مطلب إلغاء الطائفية السياسية، و 2) مطلب اعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة. فماذا تعني تلك المطالب لحزب الله؟ يفترض كوثراني بأن الطائفية هي أداة عمل سياسي "مفروضة" يستخدمها حزب الله اضطرارًا بحكم طبيعة النظام السياسي اللبناني، لكن حين يطالب حزب الله بإلغاء الطائفية السياسية فما البديل يا ترى إذا كان البديل لدى العلمانيين وذوي الثقافة السياسية المدنية هو العلمانية وفصل السلطة الدينية عن المدنية أو توسيع دائرة المدني في حقوق المواطنة مقابل الانتساب السياسي للطائفة، هل "الإسلام هو البديل" عند حزب الله بما أنه يعتبر نفسه حزبًا عقائديًا دينيًا، ولأجل أن يبقى منسجمًا مع نظريته وعقيدته و"رؤيته الفكرية"؟ يجيب كوثراني بناءً على استدراك الحزب وتأكيده بأن لا شيء يحصل بالفرض أو القوة، وبأن الأسلوب المتّبع هو الدعوة والتبليغ بالتي هي أحسن، ويسلّم كوثراني بصدقية النوايا ورقي الخطاب، لكن يؤمن في نفس الوقت بأن التاريخ بما هو تاريخ الصراع على السلطة يقول بلا شك كلمة أخرى!
اقرأ/ي أيضًا: سياسة الهوية وأزمة الليبرالية: أطروحة فوكوياما ونقدها
حزب الله في لبنان: مشاهد ومسارات مرتقبة
إلى ماذا يسعى حزب الله في لبنان؟ يترك كوثراني في تحليله التاريخي معطيات الصراع الدولي والإقليمي جانبًا، ويحاول توقّع المسارات من خلال رصد تحولات طبيعة السلطة في التجربة التاريخية اللبنانية منذ عهد "الإمارات" في الدولة السلطانية العثمانية.
المسار الأول: أن يرتضي حزب الله بالتعايش جنبًا إلى جنب مع الطائفيات السياسية في لبنان، ويواصل ممارسة العمل السياسي وفقا لآليات التحالفات التي تتطلبها شروط استمراره كحزب سياسي لبناني (سلاح غير أبدي/المشاركة في بناء دولة - وطن وفقًا للدستور اللبناني ومحطتي الميثاق الوطني 1943 ووثيقة الوفاق الوطني 1989). وهذا مسار قد يُشكّل فيه حزب الله مع حركة أمل ثنائية شيعية متنافسة أو متحالفة، لكن سير حزب الله في مشروع إصلاحي للدولة اللبنانية على قاعدة الميثاق الوطني يجعل حركة أمل بخلفيتها الفكرية والفقهية، المتمثلة بشكل رئيسي في الفكر الإصلاحي للسيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين تصبح هي المرجعية الأصلح من زاوية منطلقها اللبناني، واستيعابها الخصوصية الكيانية الوطنية اللبنانية مقابل ولاية الفقيه العامة التي تترك لحزب الله هامش الجزئيات. ويؤكد كوثراني هنا بأن فكروية الصدر وشمس الدين كمرجعية إصلاحية لا يعني حصرية هذا الفكر في مجال الإصلاح، بالإضافة إلى أن الانخراط في الصيغة الميثاقية لا يعني تجميد وتأبيد طائفيتها (ص 52 - 53).
المسار الثاني: أن يتجه حزب الله للدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية إلى آخر مدى، ويصير بالتالي أمام اعتراضين يصدران من موقعين:
- موقع الطوائف الأخرى، حيث إن إلغاء الطائفية السياسية من غير علمنة للدولة والمجتمع يحيل عمليًا إلى سيطرة الأكثرية العددية على الدولة من منظور الطوائف الأخرى. وبالنسبة لحزب الله وخلفيته العقدية التي تقول بالدولة الإسلامية ومرجعية الولي الفقيه، فإن إلغاء الطائفية السياسية يعني التمهيد الفعلي لتفعيل عنصر العدد في الاجتماع السياسي اللبناني عبر الديمقراطية العددية، كبديل للتوافقية. لكن كوثراني يُرجّح بأن تبقى سياسة الحزب متراوحة بين القول بالديمقراطية التوافقية (على أساس الوفاق الوطني) وبين الديمقراطية العددية التي "يستبطنها" خلف مطلب إلغاء الطائفية السياسية على المدى البعيد، وخصوصًا مع الجهود التي يقوم بها وبدعم إيراني كبير من أجل تمكين وتعميق نفوذه في المناطق الشيعية الرئيسية، وعلى كل المستويات والميادين (ص 53 - 54).
- أو قد تأتي من موقع العلمانيين والقائلين بفصل السلطة الدينية عن المدنية حتى لا يستقوي السياسي بالديني أو العكس، ويكون حقل المواطنة مؤطرًا بالدولة الوطن، المدنية، إذا كان مطلب إلغاء الطائفية السياسية من غير علمنة (ص 55).
حيث يرى كوثراني بأن هؤلاء وعلى الرغم من أهمية ما يطرحونهم ومستقبليته إلا أنهم حتى تاريخه جماعة مهمّشة، لكنهم ليسوا قلة أبدًا، وهامشيتهم يسببها استئثار الطائفيات السياسية "بالرعية" و"بالجماهير"، أو ما يسمى اليوم في القاموس السياسي اللبناني بـ"الشارع المليوني" الذي يحدد من هو الأقلية ومن هو الأكثرية عوضًا عن المؤسسات الديمقراطية.
حزب الله نفسه الذي ينتقد الطائفية السياسية لا يتوانى عن استخدامها وإغراق مجتمعه بها عبر مخطط اقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي ذي طابع ريعي
وبذلك فإن حزب الله نفسه الذي ينتقد الطائفية السياسية من منطلق المعتقد الديني، لا يتوانى عن استخدامها وإغراق مجتمعه بها عبر مخطط اقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي ذي طابع ريعي، وعبر التحالفات البراغماتية المتبدلة والمتغيرة بينه وبين طائفيات سياسية أخرى. لكن تبقى "الطائفية السياسية" هي الحقل الممكن للعمل السياسي اليومي لحزب الله، إذا ما وضعنا أمامنا "العلمنة" التي يراها الحزب مستحيلة بحكم تناقضها مع معتقداته، و"الإسلامية الشيعية" التي يعترف الحزب بأنها صعبة التحقق في لبنان، وخصوصًا على المدى القريب، مع تأكيد التزامه بحكم الولي الفقيه الذي يُمهّد للدولة الإسلامية ولظهور المهدي المنتظر (ص 54 - 55). ولكن في قلب كل هذا، ثمة من يقول كالسيد هاني فحص -وهو محق حسب كوثراني- بأن ثمة "شيعة وطنية" تحمل من الخصوصيات بما لا يتعارض مع العام والمشترك، تسهم في بناء أوطانها، "وتشارك في الهدف من موقع الاندماج والتواصل الذي لا يلغي التمايز ولكن لا يدفع به إلى الانفصال والانقطاع، بل يوظفه في حركة الوطن والمواطن" (9). وهي نفسها التي تحاول اليوم أن تعبر عن سخطها على قيادات الثنائي الشيعي وتنتفض بوجه النظام الطائفي بجميع مكوناته.
اقرأ/ي أيضًا: كتاب "معضلات العدالة الانتقالية".. قصة التحول الديمقراطي التي لم تكتمل
حزب الله بين الأمس واليوم
بعد صدور كتاب كوثراني بقرابة ثلاثة أعوام، وبالتحديد بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن الوثيقة السياسية للحزب، والتي تحدث فيها عن الطائفية السياسية باعتبارها المشكلة الرئيسية في النظام السياسي اللبناني والعائق الأساس في إصلاحه وتطويره وتحديثه، وعائقًا أمام تحقيق الديمقراطية التي يمكن على أساسها أن تحكم الأكثرية المنتخبة وتعارض الأقلية المنتخبة. ركزت الوثيقة على الديمقراطية التوافقية باعتبارها القاعدة الأساسية للحكم في لبنان إلى حين يتمكن اللبنانيون عبر الحوار الوطني من إلغاء الطائفية السياسية. إلا أنها في نفس الوقت تؤكد على أن الديمقراطية التوافقية هي الصيغة السياسية الملائمة للمشاركة السياسية الحقيقية. تجنب حزب الله الحديث في الوثيقة عن إقامة الدولة الإسلامية أو حتى الدعوة إليها بعبارات مباشرة، لكنه في المقابل تحدث عن إقامة الدولة القادرة والعادلة، والقوية والمطمئنة، والحديثة، والتي يتطلع للمشاركة في بنائها مع بقية اللبنانيين (10).
كل ذلك يشير إلى تغيّر في خطاب حزب الله، لكنه لا يشير بالضرورة إلى تغيّر في عقيدته ومبادئه ورؤاه الاستراتيجية والفكرية وممارساته. كما يشير أيضًا إلى اختيار الحزب على ما يبدو مسارًا ثالثًا أقرب للمسار الأول الذي تحدث عنه كوثراني، حيث لم يختر حزب الله التعايش جنبًا إلى جنب مع الطائفيات السياسية وممارسة العمل السياسي تبعًا لآليات التحالف التي تتطلبها شروط استمراره كحزب سياسي فحسب، بل اختار التأقلم على ذلك المسار والتشبّث به والحؤول دون سقوط نظام المحاصصة الطائفية كما بدا للبنانيين في انتفاضة تشرين. حيث بقيت بالفعل سياسة الحزب متراوحة بين القول بالديمقراطية التوافقية وبين الديمقراطية العددية التي يخفيها خلف مطلب إلغاء الطائفية السياسية على المدى البعيد، وبذلك بقيت الطائفية السياسية هي الحقل المفضّل للعمل السياسي اليومي لحزب الله وضامن بقائه. فما تحدث عنه حزب الله حول خصائص الدولة الجديدة التي يتطلع للمشاركة في بنائها مع اللبنانيين في الوثيقة السياسية ومن بينها، صون تلك الدولة الحريات العامة وتوفير أجواء ممارستها، وحرصها على الوحدة الوطنية وتماسكها، وقيامها على قاعدة مؤسسية حديثة وفاعلة، والتزامها تطبيق القوانين على الجميع، وتوفيرها قانون انتخاب عصري يتيح للناخب اختيار ممثليه بعيدًا عن سيطرة المال والعصبيات وأساليب الضغط المختلفة، واعتمادها على أصحاب الكفاءات والمهارات والنزاهة، واجتهادها لوقف هجرة اللبناني من وطنه، كانت جميعها "تقية سياسية" وخداعًا استراتيجيًا لا أكثر.
ولو عدنا إلى الوثيقة السياسية، لوجدنا أنه على مستوى ولاية الفقيه والتزام حزب الله العقائدي والفقهي بها، فهي وإن لم تتعرض لها الوثيقة إلا أنها لا تزال باقية حسب قاسم قصير في مبادئ الحزب، ومعبر عنها من خلال مواقف الأمين العام للحزب في أكثر من احتفال وتصريح تلا صدور الوثيقة والإعلان عنها. أما على مستوى الدعوة لإقامة الحكم الإسلامي، فإن الحزب ومن خلال أدبياته السياسية والفكرية خلال الفترة الممتدة ما بين 1985 و2009، وما بعد 2009، لا يزال حريصًا على التأكيد بأن إقامة الحكم الإسلامي لم تعد من أولوياته، وإن كان العمل لذلك الحكم هو جزء رئيسي من الخيار الفكري الذي يتبناه، مع العلم بأن نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم أكد على الالتزام بالعمل لإقامة الحكم الإسلامي في مقابلة أجرتها معه قناة الميادين في كانون الثاني/يناير 2015 على إثر معارضة الحزب قانون الزواج المدني الاختياري. أما في الدولة المدنية، فلم يرد ذكرها أصلًا في الوثيقة السياسية، وتم استخدام مصطلح الدولة القوية العادلة، وبالتالي فالموقف من المصطلح لا يزال غير واضح وإن كانت بعض الشخصيات الفكرية والثقافية المقربة من الحزب تبدي تحفظًا عليه. وبالتالي، فالنتيجة التي يتوصل إليها قاسم قصير هي أن التغيّر في خطاب حزب الله في الفترة بين 1985 - 2009 كان تغييرًا تكتيكيًا وخارجيًا أو شكليًا، ولم يكن تغييرًا في المشروع الأساسي للحزب، فهو تغيير فرضته الظروف والمتغيرات السياسية والأمنية والعسكرية الداخلية، حيث لم يعد من الممكن الاستمرار وفقًا للخطاب المطروح عام 1985. كما أن المراقب لأداء الحزب وخطابه في فترة الممتدة بين 2011 – 2016، وخصوصًا بعد التطورات الحاصلة في العالم العربي ودور الحزب المتزايد خارج لبنان يشير حسب قصير بل يؤكد على أن حزب الله عاد مجددًا إلى روحية خطابه الذي كان سائدًا خلال مراحل التأسيس الأولى (11).
يشير المؤرخ وجيه كوثراني إلى تغيّر في خطاب حزب الله، لكنه لا يشير بالضرورة إلى تغيّر في عقيدته ومبادئه ورؤاه الاستراتيجية والفكرية وممارساته
وهي نتائج قد تتقاطع ربما مع قناعة وجيه كوثراني، والتي يمكن أن نستشفها من خلال نشره فصلًا بعنوان "لبنان بين ولاية الفقيه الإيرانية وحزب الله" في كتاب "بندقية الولي الفقيه: حزب الله في لبنان" (12) عام 2012، وهو فصل توأم لفصله "لبنان والدولة وحزب الله" في كتابه "بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه: الدولة والمواطن" والذي لم يُدخل عليه كوثراني سوى تحديثات بسيطة تتعلق بحرب تموز 2006، ومحاولة جديدة للإطلال على المستقبل، على الرغم من مرور ما يقرب أربع سنوات على صدور النص الأصلي، ومرور ثلاث سنوات على صدور الوثيقة السياسية لحزب الله بالنسبة للنصّ الثاني.
اقرأ/ي أيضًا: كتاب التاريخ اللبناني.. بيت بطوائف كثيرة
أخيرًا، وعلى مستوى الممارسة السياسية لحزب الله، فيمكن من خلال قراءة سلوكه في المشاركة بالحكومة تارة والاعتكاف والاستقالة تارة أخرى، والتعطيل على مجلس النواب أيضًا، والتحالفات وخصوصًا مع التيار العوني، بأنه كان تنفيذًا لسياسة الاحتكار واستخدام "الفيتو"، والإيحاء بشرطه على الدولة الجديدة وهو تعديل العقد الوطني اللبناني (اتفاق الطائف) ليتحول من صيغة المناصفة الإسلامية - المسيحية، إلى صيغة "المثالثة" الشيعية – السنية - المارونية، ومن الخصوم من يذهب أبعد من ذلك ليرى بأنه يسعى تدريجيًا لإقامة "دولة حزب الله"، باسم "الدولة اللبنانية" كاسم مستعار لها، وذلك عبر سعيه لفرض نفسه كممثل شرعيّ وحيد لـ"طائفة ملكة" حسب تعبير محمد حسن شمس الدين (13).
الهوامش:
1- وجيه كوثراني، بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه، الدولة والمواطنة (بيروت: دار النهار، 2007)، ص 13.
2- المصدر نفسه، ص 29.
3- المصدر نفسه، ص 33-34.
4- المصدر نفسه، ص 41.
5- محمد حسين شمس الدين، المقاومة بين لبنان الساحة والوطن، في: بندقية الولي الفقيه: حزب الله في لبنان، مجموعة باحثين (دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2013)، ص 286-287.
6- المصدر نفسه، ص 49.
7- المصدر نفسه، ص 50.
8- عبد الغني عماد، الحركات الإسلامية في لبنان: إشكالية الدين والسياسة في مجتمع متنوع (بيروت: دار الطليعة، 2006)، ص 178-180.
9- هاني فحص، الشيعة والدولة في لبنان، ملامح الرؤية والذاكرة (بيروت: دار الأندلس، 1996)، ص 9، في وجيه كوثراني، بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه، الدولة والمواطنة (بيروت: دار النهار، 2007)، ص 55-56.
10- الوثيقة السياسية لحزب الله، الجزيرة نت، تم الإطلاع بتاريخ: 30/11/19، على: https://bit.ly/2qXqCt1
11- قاسم قصير، حزب الله بين 1982 و 2016: الثابت والمتغير (بيروت: دار سائر المشرق، 2017)، ص 134-136، 139، 140.
12- بندقية الولي الفقيه: حزب الله في لبنان، مجموعة باحثين (دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2013)، ص 145-175.
13- محمد حسين شمس الدين، ص 290.
المراجع:
- كوثراني، وجيه. بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه، الدولة والمواطنة. بيروت: دار النهار، 2007.
- شمس الدين، محمد حسين. المقاومة بين لبنان الساحة والوطن، في: بندقية الولي الفقيه: حزب الله في لبنان. مجموعة باحثين. دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2013.
- عماد، عبد الغني. الحركات الإسلامية في لبنان: إشكالية الدين والسياسة في مجتمع متنوع. بيروت: دار الطليعة، 2006.
- فحص، هاني. الشيعة والدولة في لبنان، ملامح الرؤية والذاكرة. بيروت: دار الأندلس، 1996.
- الوثيقة السياسية لحزب الله، الجزيرة نت: https://bit.ly/2qXqCt1
- قصير، قاسم. حزب الله بين 1982 و 2016: الثابت والمتغير. بيروت: دار سائر المشرق، 2017.
- بندقية الولي الفقيه: حزب الله في لبنان. مجموعة باحثين. دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2013.
اقرأ/ي أيضًا: