في بلادي لبنان، جامعةً حكومية اسمها "الجامعة اللبنانية"، وفي هذه الجامعة كليّات لا تحصى ولا تعد، كل الاختصاصات والمناهج موجودة فيها، إنها بالفعل الأقوى، لكن ليس أكاديمياً. هل هي الأقوى إذًا في التصنيف العالمي للجامعات؟ بالطبع لا. إذًا في لتشبيح؟ ليست مشكلة. في ما يخص التطبيع؟ بالطبع لا فالأمر مرفوض كليّاً! وإياكم أن يراكم أحد المتحزبين في الجامعة اللبنانية، بصدد قراءة كتاب لا علاقة له بمواجهة إسرائيل والانضمام إلى صفوف المقاومة. هل أبالغ؟ البعض سيعتبرني أبالغ برفضي لتغلغل حزب الله في الصفوف الطلابية. والبعض الأخر سيرى أني أعبر عن مأساتهم في مباني الجامعة اللبنانية.
كوّن الطالب في كلية العلوم محمد فحص مجموعة على فيسبوك وخصصها لقمع طالبات كلية العلوم وإجبارهن على لبس الحجاب
أنا لا أستغرب أن يقوم حزب عقائدي، ديني، قوي وسلطوي كحزب الله بتصميم ما يُسمى بـ"التعبئة التربوية". ففي كل دولة، يكون الاختبار الأول للعسكر والاختبار الثاني للتعليم، وحزب الله يرفض أن يكون أبناءه في مختلف الكليات على اختلاطٍ مع من يسمونهم العملاء أو شيعة السفارة أو الطوائف المتبقية أو العاهرات (للبنات) واللواط (للشباب)، والعبارات يطلقونها فقط للإساءة للمختلف عنهم لا أكثر ولا أقل.
اقرأ/ي أيضًا: الجامعة اللبنانية.. "حارة كل مين إيدو إلو"
ومؤخرًا، كوّن الطالب في كلية العلوم "محمد فحص" مجموعةً على موقع "فيسبوك" (group) تحت عنوان "الجامعة اللبنانية - كلية العلوم" وقرر أن تكون صورة الـ cover المناسبة لهذه المجموعة عبارة عن صور متراكمة لـ"شهداء حزب الله" وكتب فوق الصور "كلية الشهداء" وبالطبع نلاحظ في زاوية الصورة توقيع "التعبئة التربوية لحزب الله - كلية العلوم".
يقوم الطالب وقائد هذه المجموعة بالهجوم على كل النساء السافرات في العالم بقمع طالبات كلية العلوم وإجبارهن على لبس الحجاب. وفي كلامي بالطبع البعض من المبالغة. هكذا يعتقد الممانع المؤمن بحزب الله أحياناً إن كان مقموعاً بما يكفي. يعتقد هذا الأخير أن كل النساء، ما عدا والدته وأخته وما يُسمى بـ"عرضه"، هن عاهرات، ولذلك فعليهن لبس الحجاب.
مشهد لم أتخيل أن أكون شاهداً عليه: أحد الممانعين يهدد السافرات بالضرب إن ظهرن في حرم الجامعة مرتديات "الشورت" ما فوق الركبة. هو سيستمتع بما يؤمن به، أن يضرب أحد الأشخاص بلا سبب، هو يخترع السبب ليفتعل الإشكال، وينجح طبعاً بجرّ المحبين والكارهين نحو النقاش المطوّل والتهديد المباشر.
وبالطبع لن تتدخل إدارة الجامعة اللبنانية معتبرة أن الإشكال ينطوي تحت رتبة "الإشكال الفردي"، الإدارة التي تنأى بنفسها دائماً عن التدخل في هذه الإشكاليات، هي نفسها الإدارة التي لا تُفيد المواطن الذي يلجأ إليها ليتعلم في حرم جامعتها بسبب ضيق الوضع المالي بل على العكس تجمع الثروات وتوزع الحلويات في مسارح يُغلقها حزب الله بتعبئته التربوية وذلك في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية.
اقرأ/ي أيضًا: عندما يغزو الدين معاهد الفنون الجميلة في لبنان..
من السهل الحديث عن الكليتين، العلوم والفنون، اللتين تتعرضان للاضطهاد الدائم مع كل الكليات الأخرى في الجامعة اللبنانية عبر التوظيف الحزبي والطائفي. فكما كان الحجاب فرضاً على كل سافرات الجامعة اللبنانية حسب محمد فحص ودعاهن للتقوى، فإن كلية الفنون استضافت أيضًا، منذ شهرين، حفل توزيع جوائز "المحجبة الأفضل". وأيضاً علينا أن لا ننسى أن داروين ونيوتن ممنوعان في العلوم كما حصة الرسم العاري ممنوعة في معهد الفنون الجميلة. ماذا بقي؟ الهجرة! الهجرة! الهجرة! والآن!
اقرأ/ي أيضًا: