باتت هوية وحقوق حوالي 100 ألف لاجئ فلسطيني في القدس الشرقية مهددةً بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قرارٍ يقضي بحظر نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا". فمن شأن هذا القرار أن ينهي دور الوكالة في توفير الخدمات الأساسية من تعليم ورعاية صحية ودعم اجتماعي لهؤلاء اللاجئين. أضف إلى ذلك أن القرار الإسرائيلي يسحب من هؤلاء اللاجئين الاعتراف الرسمي بوضعهم كلاجئين فلسطينيين، كما أنّه، علاوةً على ما سبق، يستهدف اللاجئين الفلسطينيين في هويتهم الوطنية. وبالتالي، يمكن القول إنّ القرار - بغض النظر عن مبرراته الحالية وسياقه المتمثل في العدوان على غزة والاتهام الإسرائيلي للأونروا باحتضان الإرهاب - يقع في صميم الإستراتيجية الاستعمارية الإسرائيلية الهادفة إلى تقليص الوجود الفلسطيني في القدس، ضمن معركة الديمغرافيا والمعادلات السكانية، وذلك من خلال فرض قيودٍ متزايدة على المؤسسات الدولية الداعمة لحقوق الفلسطينيين وصمودهم في الأراضي المحتلة، وعلى رأسها القدس.
معاناة اللاجئين في مدينة القدس ومخيماتها:
يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في القدس ومخيماتها لسلسلة من الإجراءات العقابية التي تفرضها عليهم دولة الاحتلال، بدءًا من الضرائب وليس انتهاءً بقرار الكنيست الإسرائيلي حظر عمل "الأونروا" الذي سيضيف معاناةً جديدة على معاناة اللاجئين في القدس الشرقية، ولا سيما مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين شمال شرقي القدس الكبرى، حيث يقطنه أكثر من 70 ألف نسمة.
وقد رفض ممثلو مخيم شعفاط مصادقة الكنيست الإسرائيلي على القرار الذي ينهي عمل "الأونروا"، معتبرين أنّ الاحتلال بهذا القرار يسعى إلى "إلغاء وشطب هويتهم الوطنية وإسقاط صفة اللجوء عنهم"، وذلك في إطار ما وصفوه بـ"الحملة المنظمة من قبل الاحتلال ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ومؤسساتها في القدس والضفة، من خلال محاولات الاستيلاء على ممتلكاتها أو من خلال تدميرها الممنهج في قطاع غزة".
القرار الإسرائيلي بحظر عمل الأونروا يسحب من اللاجئين الاعتراف الرسمي بوضعهم لاجئين فلسطينيين، كما أنّه يستهدف اللاجئين الفلسطينيين في هويتهم الوطنية.
وفي هذا السياق، يقول منسق لجنة الدفاع عن مخيم شعفاط، جبر محيسن، "إنّ هذا الإجراء يدخل في سياق حرب التصفية للقضية الفلسطينية، وهو هدف سعت إليه دولة الاحتلال منذ زمن بعيد".
وللتصدي لهذا التشريع الإسرائيلي، يقول الناشط السياسي في مخيم شعفاط طلال أبو عفيفة "إنّ على المجتمع الدولي التحرك للضغط على إسرائيل لإلغاء القرار"، مستبعدًا في الوقت ذاته أن يؤدي ذلك إلى تراجع إسرائيل عن القرار.
وعن التداعيات الإنسانية لهذا القرار، يؤكد الناشط في مخيم شعفاط جبر محيسن أنّ القرار الإسرائيلي "سيترك أثره على المناحي الخدماتية، حتى لو كانت ضئيلةً ومقلصةً إلى أدنى حد"، لافتًا إلى أن المعاناة الناجمة عن القرار "لن تقتصر على مخيم شعفاط والقدس، بل ستشمل كافة الأراضي المحتلة ومخيمات اللاجئين".
ويشير الناشط جبر محيسن إلى أن مخيم شعفاط "هو المخيم الوحيد في قلب القدس، ويعتمد أبناؤه على الخدمات التي تقدمها "الأونروا"، والهدف من كل ذلك واضح، وهو قطع أي منفذ إنساني دولي لقضية اللاجئين الفلسطينيين"، مضيفًا أنّ "انعكاسات قرار الكنيست ستطال مختلف القطاعات الخدماتية، حيث ستُحرم آلاف الأسر من تلقي العلاج والحصول على الأدوية والفحوصات، إضافة إلى التوقف عن جمع النفايات، خصوصًا في ظل حالة الاكتظاظ المتزايدة في المخيم، والأهم من ذلك رفع الغطاء القانوني ومظلة الأمم المتحدة عن اللاجئين في هذا المخيم".
يذكر أنّه توجد في مخيم شعفاط "ثلاث مدارس، ومركز صحي واحد يتبع لـ"الأونروا"، وخمسة مراكز صحية خاصة، ووحدة علاج طبيعي واحدة، ومركز إعادة تأهيل مجتمعي واحد، ومركز برامج نسائي واحد".
التداعيات على اللاجئين في الضفة وغزة:
يرى الناشط السياسي طلال أبو عفيفة أنّ للتشريع الذي أقرّه الكنيست "تداعياتٍ خطيرة على المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخصوصًا على الصحة والتعليم وبعض المعونات الأخرى، مما يعني أنه سيمنع عمل الوكالة، وسيؤدي إلى إغلاق جميع مقراتها ومكاتبها الرئيسية في المدن والمكاتب الفرعية في المخيمات، وكذلك طرد جميع الموظفين الأجانب وإغلاق الحسابات المصرفية للوكالة في المصارف الإسرائيلية".
ويضيف أبو عفيفة أنّ "هذا سيؤدي إلى حرمان عشرات الآلاف من الطلبة في الصفوف الابتدائية من التعليم المجاني في المخيمات، وحرمان مئات الآلاف من الأسر من المساعدات المالية والعينية التي تقدم لهم شهريًا، بالإضافة إلى حرمان المرضى اللاجئين من العلاج على حساب الوكالة، سواء في عيادات المخيمات أو في المستشفيات".
البديل الإسرائيلي:
لم تألُ إسرائيل جهدًا في شيطنة الأونروا وتشويه صورتها، ولهذا كانت الوكالة هدفًا من أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث تعرّضت مباني الأونروا، بما في ذلك المدارس وغيرها، للتخريب والقصف رغم كونها تؤوي نازحين مدنيين.
وفي حال مضت إسرائيل قُدمًا في تشريع يُنهي عمل الأونروا، ستأتي ببديل وفق المعايير الإسرائيلية. وفي هذا الصدد، يرى المحلل محمد هلسة أن القرار الإسرائيلي "يعد بوابة لفرض الإملاءات الإسرائيلية، التي استعصت على إسرائيل في قطاع غزة على سبيل المثال. وبالتالي، فإن إقصاء الأونروا هو تمهيد لأن يعلن المجتمع الدولي، أو المرتزقة الذين تعمل إسرائيل على توظيفهم، أنهم هم البديل. وعليه، فإن غياب الأونروا وإزالتها يمثلان خطوةً نحو فرض بديل آخر يتماشى مع الرواية الإسرائيلية، خصوصًا فيما يتعلق بقطاع غزة".
وفي سياق الإطار السياسي لهذا القرار، يضيف هلسة في تصريحٍ لصحيفة "العربي الجديد": "إنّ قرار الكنيست الإسرائيلي هو محاولة أيضًا لنزع آخر خيوط الاعتراف الدولي باللجوء الفلسطيني والقضية الفلسطينية، إذ يأتي القرار كمقدمة لنزع الصفة السياسية والقانونية عن مأساة اللجوء، وبالتالي إنهاء آخر مظاهر نكبة فلسطين في الذاكرة العالمية".
ومع ذلك، لا يستبعد المحللون أن تستخدم إسرائيل هذا القرار كورقة ضغط على "الأونروا" من جهة، وعلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من جهة أخرى، عبر اعتماد القرار دون تنفيذه.