يتفق الكثيرون على أن فوز المغرب على البرتغال في ربع نهائي كأس العالم 2022 هو أغلى انتصار بتاريخ الكرة المغربية، الفوز أتى بهدف وحيد، جعل المغرب تبلغ نصف النهائي، لتصبح الفريق العربي والأفريقي الوحيد الذي يفعل ذلك.
وبما أن هذا الانتصار يعتبر الأهم في تاريخ المغرب، وجاء بهدف وحيد، فمن المنطقي أن يصبح هدف الانتصار هو الهدف الأغلى بتاريخ المغرب، وسنتكلّم اليوم عن صاحب هذا الإنجاز، والذي يعتبر من أهم المهاجمين في تاريخ المغرب، وأبرز الهدّافين في الدوري الإسباني، ونتكلّم بالتأكيد عن يوسف النصيري مهاجم نادي إشبيلية وقنّاص المنتخب المغربي.
يوسف النصيري وحياته الشخصية
في الأول من حزيران/يونيو 1997، وُلد القناص يوسف النصيري بمدينة فاس في المغرب، ونشأ على حب كرة القدم، حيث كان يقضي جلّ أوقاته في أزقة الحي، والذي أظهر فيه مهاراته الكروية التي أبهرت الجميع.
موهبة يوسف النصيري المميزة جعلت الأنظار تتجه إليه، فالتحق بأكاديمية محمد السادس الكروية، والتي كانت وما تزال تمثّل منبعًا للنجوم في المغرب، وزامل في الأكاديمية العديد من لاعبي كرة القدم الحاليين، أمثال نايف أكرد لاعب ويستهام يونايتد الحالي. وفي الأكاديمية صقل مواهبه في كرة القدم، إضافة إلى تعلّمه أساسيات الحياة كالانضباط والنظافة، والمواظبة على دراسته، فتخرّج من الأكاديمية بمعدل دراسي أكثر من ممتاز، وبمهارات كروية ما زالت تبهر الجميع.
يوسف النصيري ومسيرته الكروية
بما أن الظروف أصبحت مهيّأة للقيام برحلة تأهيل على مستوى آخر في أوروبا، انضم يوسف النصيري إلى أكاديمية نادي تشيلسي، وعلى الرغم من نجاحه في إثبات نفسه هناك، حالت قوانين الاتحاد الإنجليزي الخاصة بالتعاقد مع اللاعبين القصّر بينه وبين البلوز، ليختار وجهة أخرى سبق وأن سلكها العديد من المغربيين، حيث ذهب إلى أكاديمية نادي ملقة الإسباني.
انتقل يوسف النصيري إلى ملقة في صيف عام 2015، وقتها كان عمره 18 عامًا، فلعب في الفريق الرديف الثاني، وتدرّج بعد ذلك ليلعب في الفريق الرديف الذي يلعب في دوري الدرجة الرابعة، حيث وقع على أول عقد احترافي بمسيرته عام 2016، وبعد ذلك بفترة قصيرة، وتحديدًا في 26 آب/أغسطس، شارك في أول لقاء له في الدوري الإسباني للدرجة الأولى بمسيرته الكروية، حيث لعب ناديه ملقة ضد نادي إسبانيول، وبعد ذلك بأسابيع، سجّله هدفه الأول في الليغا، حينما فاز ناديه على إيبار بهدفين لواحد في شهر أيلول/سبتمبر.
واصل يوسف النصيري تألّقه مع ملقة في الموسم التالي 2017-2018، لكنّ نتائج الفريق لم تكن بالجيّدة، وفي نهاية الموسم هبط النادي للدرجة الثانية، وهنا اتجهت العديد من الأندية لخطف موهبة ملقة يوسف النصيري، لينجح ليغانيس في كسب هذا السباق، حيث وقع عقدًا مع يوسف النصيري لمدة خمس سنوات ومقابل 10 مليون يورو، ليصبح أغلى صفقة في تاريخ النادي.
لم يندمج يوسف النصيري بسرعة مع خطط لعب نادي ليغانيس، والذي تمحورت حول اللعب بمهاجمين وليس برأس حربة وحيد كما كان في ملقة، ومع ذلك آمن المدرب ماوريسيو بيليغرينو بقدراته، فقال أمام الصحفيين كلاعب لمستقبل الفريق وليس لحاضره فحسب: "نحن نثق في يوسف، سيكون مهاجمًا لسنوات عديدة في الدوري الإسباني"..." لديه الموهبة وهو لاعب شاب".
في النصف الثاني من موسم 2018-2019 قدّم يوسف مستويات مذهلة، لدرجة أنه نافس ليونيل ميسي على جائزة لاعب الشهر في الدوري الإسباني، فسجّل الكثير من الأهداف، واختير كلاعب للموسم في فريقه ليغانيس.
التألّق الكبير ليوسف النصيري دفع نادي إشبيلية للتعاقد معه، حيث أصرّ المدرب مانويل لوبيتيغي على جلبه للفريق، وكلّف ذلك 20 مليون يورو، ليربح ليغانيس ضعف المبلغ الذي أنفقه في شراء عقد يوسف النصيري قبل عام ونصف، لأن المهاجم المغربي انتقل إلى النادي الأندلسي في موسم الانتقالات الشتوي 2020.
أصبح يوسف النصيري يلعب بمستوى آخر، مع فريق اعتاد أن يشارك في البطولات الأوروبية، ويتواجد بشكل شبه دائم في مراكز متقدّمة بالدوري الإسباني، وهنا اندمج المهاجم المغربي سريعًا مع فريقه، وما هي إلا أشهر قليلة، حتى يفوز مع ناديه إشبيلية بلقب الدوري الأوروبي، على حساب إنتر ميلان، في لقاء تألّق به زميله ومواطنه ياسين بونو.
أصبح يوسف النصيري عنصرًا هامًا في نادي إشبيلية، ومع مرور قليل من الوقت صار هدّاف الفريق الأول، ففي عام 2021 اعتلى صدارة هدافي الدوري الإسباني في متوسط الموسم، وبعد ذلك قاد الفريق لإحراز المركز الرابع في الدوري الإسباني، والذي يؤهل إشبيلية للعب في دوري أبطال أوروبا، حيث كانت أهداف النصيري حاسمة في أكثر المباريات، ومؤثرة بشكل كبير على نتائج فريقه، إذ سجل 18 هدفًا، ليحتل المركز الخامس في ترتيب هدافي الليغا.
واصل النصيري تألقه في الموسم التالي 2021-2022، وقاد إشبيلية مجددًا للمركز الرابع المؤهل لدوري أبطال أوروبا، لكنّ مشوار الفريق بالموسم التالي توقّف في دوري الأبطال، فأكمل الموسم باللعب في مسابقة الدوري الأوروبي، حيث كان نجم الفريق بلا منازع هو يوسف النصيري، والذي أطاح لوحده بمانشستر يونايتد خارج البطولة، وفي النهاية نال لقبها إشبيلية على حساب روما، في لقاء حسمته ركلات الترجيح وتألق به ياسين بونو مرّة أخرى.
كان موسم 2022-2023 استثنائيًا ليوسف النصيري، فكان لاعبًا حاسمًا، وحاز على جائزة أفضل لاعب بالشهر في الدوري الإسباني، وما زال المهاجم المغربي يقدّم أفضل ما عنده لصالح النادي الأندلسي.
يوسف النصيري مع منتخب المغرب
بدأت مسيرة يوسف النصيري مع منتخب المغرب في آخر أيام شهر آب/أغسطس 2016، حيث شارك في لقاء ودي ضد ألبانيا، وبعد ذلك بأسابيع، لعب أولى مبارياته الرسمية مع منتخب المغرب، ضد ساوتومي وبرينسيبي في تصفيات كأس أمم أفريقيا 2017، لكنّ هدفه الدولي الأول كان في نهائيات كأس أمم أفريقيا 2017، حينما كان المنتخب المغربي بقيادة هيرفي رينارد، وقتها سجّل يوسف النصيري هدفه في شباك توغو، إلا أن مشاركة المغرب توقفت عند حدود الدور ربع النهائي بعد الإقصاء أمام مصر.
شارك يوسف النصيري في كأس العالم 2018 مع منتخب المغرب، وفي هذه البطولة قدّمت كتيبة المدرب هيرفي رينارد أداءً مميزًا، لكنّ سوء الطالع وقوّة الفرق المنافسة، جعل المغرب تودّع البطولة من مرحلة المجموعات، حيث سجّل النصيري في هذه النسخة هدفًا في شباك إسبانيا، وفي هذه الفترة كان يلعب مع نادي ملقة، وجذب أنظار الأندية الإسبانية إليه، فاستقدمه نادي ليغانيس.
شاركت المغرب في كأس أمم أفريقيا 2019، وكان يوسف النصيري المهاجم الأساسي للمنتخب المغربي. أسود الأطلس قدموا مستويات مميزة في مرحلة المجموعات، لكنّهم ودعوا البطولة بشكل صادم من الدور ثمن النهائي، بخسارتهم بركلات الترجيح أمام منتخب بنين الذي يشارك في المسابقة لأول مرة في تاريخه.
أرادت المغرب التعويض في كأس أمم أفريقيا 2021، وكان النصيري من عناصر الفريق الأساسية، لكنّها ودّعت البطولة مجددًا من الأدوار الإقصائيّة، بعدما هُزمت أمام مصر بالدور ربع النهائي، حيث كان يقود المنتخب المغربي المدرب وحيد خليلوزيتش.
قبل 3 أشهر من انطلاق كأس العالم 2022، عيّن الاتحاد المغربي وليد الركراكي خليفة للمقال وحيد خليلوزيتش، ليقود أفضل مدرّب في تاريخ المغرب فريقه لتحقيق إنجاز تاريخي، حينما وصلت المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم 2022، ليصبح الفريق العربي الوحيد الذي يفعل ذلك.
يوسف النصيري كان من عرّابي هذا الإنجاز، فسجّل هدفين بالمسابقة، ليرفع رصيده التهديفي في بطولات كأس العالم إلى 3، ويصبح أكثر مغربي تسجيلًا في كأس العالم، كذلك سجّل يوسف النصيري هدف التأهّل للمغرب إلى نصف النهائي، وكان ذلك برأسيّة متقنة في شباك البرتغال، ليصبح رمزًا للأجيال المغربية.
لكن مشاركة المغرب في كأس أمم أفريقيا 2023، والتي أقيمت بداية عام 2024 لم تكن كما هو متوقع، لأن المنتخب المغربي كان أكثر المرشحين لنيل اللقب بعد مشاركته في كأس العالم، إلا أنّه ودّع البطولة من الدور ثمن النهائي، بخسارته أمام جنوب أفريقيا.
إنجازات يوسف النصيري
- بطولة الدوري الأوروبي "مرّتين"
- أكثر لاعب مغربي تسجيلًا للأهداف في كأس العالم
- أكثر لاعب مغربي تسجيلًا للأهداف تسجيلًا في الدوري الإسباني
- لاعب الشهر في الدوري الإسباني، شباط/فبراير 2023
- لاعب الموسم في ليغانيس
جدول مشاركات يوسف النصيري مع منتخب المغرب
البطولة |
عدد المباريات |
عدد دقائق اللعب |
كأس العالم |
8 |
565 |
كأس أمم أفريقيا |
15 |
1156 |
تصفيات كأس العالم |
5 |
364 |
تصفيات كأس أمم أفريقيا |
15 |
1156 |
مباريات ودية |
26 |
1570 |
المجموع |
69 |
4666 دقيقة |
يوسف النصيري يمثّل قصّة نجاح لعمل جماعي ومؤسساتي في الكرة المغربية، الجميع رأى موهبته منذ الطفولة، وقدراته البدنية العالية، فتم العمل على تكوين شخصيته الرياضية بدنيًا ومعرفيًا وأخلاقيًا، في أكاديمية محمد السادس، ناهيك عن تضافر جهود الأهل واللاعب والمدربين الذين مروا بمسيرته، كي يخرج لنا هذا اللاعب نتاجًا لكلّ الجهود السابقة.
يوسف النصيري يلعب بمركز رأس حربة، وهو من أهم لاعبي العالم في هذا المركز بالوقت الحالي، لما يملكه من مهارات عالية، وقدرات بدنية مميزة، حيث يفوز في الغالب بالصراعات الثنائية، ويتميّز بارتقائه العالي، وتنفيذه الدقيق للكرات الرأسية، وهو من أفضل اللاعبين في العالم تنفيذًا للكرات الرأسية، ما يجعل المدرّبين يغيّرون خططهم للتعامل مع موهبته، سواء كانوا من مدربي المنافسين، أو من مدربي الفرق التي يلعب بها.