كيف سيكون شعورك وأنت تفتح عينيك صباحًا، فتسمع قصيدة شعر بصوت أميرك أو رئيسك، بمناسبة "اليوم الوطني للشعر"؟ هذا ما قرّره الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة، إذ اختار قصيدة للشاعر الأيرلندي شيموس هيني، وستذاع قراءة الأمير في راديو 4 لإذاعة بي بي سي.
خطوة الابن البكر لملكة المملكة المتحدة، تأتي انسجامًا منه مع انخراط المشهد البريطاني كلّه في الاحتفاء السنوي بالشعر والشعراء، بصفتهما رفيقي الوعي الجمالي بالحياة. ومن النشاطات المبرمجة في هذه الدورة التي اختيرت "الرسائل" موضوعًا لها، أن يُعبّر البريطانيون عن رغبتهم في التواصل عن طريق الشعر، وستتكفّل "هيئة البريد الملكية" بإيصال هذه الرسائل، كما ستقول المكتبة الاسكتلندية، في أدنبرة بتوزيع 380 ألف بطاقة تُزينها الأشعار.
في بلد المليون ونصف المليون شهيد، منذ استقلاله عام 1962، لم ترعَ الحكومات المتعاقبة لا فنًّا ولا علمًا، فكانت النتيجة تبعية في كلّ المجالات
قبل شهور في الجزائر، طلع الوزير الأول الحالي عبد المالك سلّال، في القنوات الحكومية والخاصّة، بتصريح قال فيه إن الاقتصاد لا يتطوّر بالشعر والشعراء، بل بالعلوم الدقيقة، "ومن أراد من الجزائريين أن يبقى في "قل هو الله أحد"، معتقدًا أنها شعر وليست قرآنًا، فليبقَ فيها".
اقرأ/ي أيضًا: طلاب تونس وحلم الجامعة الخاصة
هذه النظرة الحكومية للفن والفنانين والشعر والشعراء والإبداع والمبدعين، واكبها تجاهل شعبي صارخ لليوم الوطني للشعر الموافق لـ 17 آب/أغسطس، وهو اليوم الذي رحل فيه شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، إذ لم تنخرط في الاحتفال به إلا واجهات قليلة قلّة كلمات قصيدة الومضة.
هنا، يفرض علينا السياق أن نذكر مكانة بريطانيا في مجالين اثنين، حتى تفهم الحكومة الجزائرية، أن الاهتمام بالفن والفنانين، لا يعني التفريط بالضرورة، في العلوم الدقيقة التي تؤدي إلى التقدّم الاقتصادي، وأن الاهتمام بالعلوم الدقيقة لا يعني التفريط في العلوم الإنسانية، فالأمر قائم على نظرة متكاملة للإنسان، لا على التطرف إلى أحد طرفي الثنائية.
اقتصاديًا، تعدّ بريطانيا التي يقرأ وليّ عهدها الشعر على مواطنيه في الإذاعة، ويتبادل مواطنوها بطاقات الشعر في اليوم الوطني للشعر، سادسَ أكبر اقتصاد في العالم، من حيث الناتج المحلي الإجمالي، والسادسَ أيضًا من حيث تعادل القدرة الشرائية، وثالث اقتصاد في أوروبا بعد ألمانيا وفرنسا، وهي موطن لأهم البنوك والشركات في القارات الخمس، فلندن العاصمة أكبر مركز مالي في العالم، ولديها أكبر ناتج محلي إجمالي كمدينة في أوروبا.
النظرة الحكومية الجزائرية للفن والإبداع واكبها تجاهل شعبي صارخ لليوم الوطني للشعر الموافق لـ 17 آب/أغسطس
أما في مجال الجامعات، فلا تخلو المراتب العشر الأولى في القوائم العالمية الوازنة لترتيب الجامعات، من جامعات بريطانية، منها جامعة أكسفورد التي تخرّج منها 26 رئيس وزراء بريطاني و30 رئيس دولة، وتضمّ 38 كلية يقصدها 12 ألف طالب، مع احتفاظها بلقب ثالث أقدم جامعة مستمرة في العالم.
في بلد المليون ونصف المليون شهيد، منذ استقلاله عام 1962، لم ترعَ الحكومات المتعاقبة لا فنًّا ولا علمًا، فكانت النتيجة تبعية في كلّ المجالات، رغم أنه يتوفّر على مادة خامّ في الفنون والعلوم معًا، تجعله في مستوى بريطانيا، لو كان السيّد سلّال في مستوى الأمير تشالز.
اقرأ/ي أيضًا:
تحديات العام الدراسي الجديد في موريتانيا