كان لافتًا مشاركة المُكون الكردي بالثورة السورية بزخم كبير منذ الأيام الأولى، وتشهد ساحات عامودا وعين العرب ورأس العين على ذلك، وليس من عجب في ذلك، فهم مكون أصيل في النسيج السوري، ولاقوا من عسف النظام البعثي وظلمه أضعاف ما لاقى السوريين، فمنعهم من ممارسة أبسط حقوقهم الثقافية والاجتماعيّة فضلًا عن السياسية، وقمع ثورتهم قبل سنوات وزجّ بمناضليهم وراء القضبان.
ولكنّ الحراك الشعبي العفوي لم يكتب له الاستمرار كحال كثير من المناطق السورية التي تسلط عليها تنظيم الدولة، إذ تسلق الثورة حزب "ب ي د" المرتبط بأجهزة المخابرات السورية، فالتعاون وثيق بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني منذ الثمانينيات ومعلوم أنَّ "ب ي د" الابن الشرعي لهذا الحزب، ولم يكن بمقدور هذا الحزب وقف المد الشعبي دون تسلق الثورة، فركب الموجة وادّعى زورًا تمثيله للشارع الكردي، وبدأ بطرح شعارات تتناقض مع مبادئ الثورة، والشعارات التي رفعها الكرد في مظاهراتهم الأولى، وشيئًا فشيئًا بدأ حزب "ب ي د" بجرّ الكرد بعيدًا عن مسار الثورة حتى جعلهم من مناوئين للأسد ومعارضين إلى حلفاء سياسيين وعسكريين.
شيئًا فشيئًا بدأ حزب "ب ي د" بجرّ الكرد بعيدًا عن مسار الثورة حتى جعلهم من مناوئين للأسد ومعارضين إلى حلفاء سياسيين وعسكريين
وتمَّ ذلك بعد إسكات الأصوات الوطنية الكردية المشهود لها بوطنيتها وإخلاصها فاغتيل المناضل مشعل تمو، وتمّ ملاحقة الشرفاء أمثاله وزجّ بهم في السجون، والسعيد من تمكن من الهرب، وكان ب ي د نسخة مماثلة لداعش ونظام البعث إذ احتكر كلّ شيء وحارب الجميع ولم يسمح للأصوات الأخرى أن تعبر عن نفسها.
ويصطف اليوم بشكل واضح إلى جانب الاستبداد بعد أن كان يتوارى ويتحرج من ذلك، ويدعي أنه يمثل طريقًا ثالثًا، وتشهد مباحثات السياسة وساحات القتال على ذلك، إذ تبنى ب ي د بداية خطاب النظام السياسي، ووصم الثوار السوريين بالإرهاب، وهو اليوم يخوض معارك مشتركة إلى جانب النظام مكنته من السيطرة على تل رفعت وكفر نايا وغيرها من القرى العربية التي لم يسمح لأهلها بالعودة لديارهم حتى الآن بعد أن هجرهم، وذلك انتقامًا من هذه المدن الثائرة، وإلا كيف نفسر منع عودة المدنيين؟!
اقرأ/ي أيضًا: القوات الكردية.. حليف أمريكا الجديد في سوريا
ولم يكتف بالاصطفاف في معسكر الاستبداد الذي فعل فعله بالكرد بل نراه يستقوي بالأجنبي ضد الوطن وأبنائه، ويسعى حثيثًا لبناء دويلة في الشمال السوري، واتخذ من داعش مطية لتحقيق هذا المأرب، وكان ممكنًا تصديق هذا الخطاب لو أنّ حربه اقتصرت فعلًا ضد تنظيم الدولة، فعقب طرد التنظيم من قرًى وبلدات ومدن يشكل فيها العرب الغالبية الساحقة قام بعمليات تهجير ممنهجة للعرب بُغية تغيير الطابع الديمغرافي للمنطقة، ووصل الأمر به لمهاجمة مناطق لا وجود لداعش وسلبها من الثوار عنوة وبمؤازرة الطيران الروسي في شمال حلب، وفعل فعلته نفسها التي فعلها في مناطق سيطرة داعش.
وتمّ ذلك من خلال دعم قوى دولية كبرى أمنت له السلاح النوعي والغطاء الجوي، وبرضا الأسد ومباركته، ويعرف السوريون أن الأمر لم يقتصر على هذا، فالقيادات العسكرية على الأرض معظمها قيادات كردية غير سورية قَدِمت من جبال قنديل وتركيا وإيران لتدجين الكرد، وتخريب الثورة تمامًا كداعش، وميليشيات الأسد الطائفية.
هل يعي الكرد حقيقة أن مصلحتهم مع إخوتهم السوريين، ليضعوا حدًّا لحزب ب ي د أم أنهم سيتركونه يقودهم نحو الانتحار؟!
وستقود هذه السياسة الخرقاء الأخوة الكرد نحو الانتحار السياسي، وستحرمهم من حقوقهم الطبيعية التي يستحقونها كسائر السوريين، والتي قامت الثورة من أجلها، فقد ورّثت هذه السياسة أحقادًا بين العرب من جهة والكرد من جهة، أحقادًا لا يمكن أن تمحى بسهولة، فالمشروع الانفصالي محكوم عليه سلفًا بالفشل لافتقاره عوامل النجاح، فالأجنبي لن يستمر بتقديم دعمه إلى ما لا نهاية، والنظام سينقلب عليهم إذا عاد وامتلك زمام الأمور وسيكون رده دمويًا.
وقبل كل ذلك لن يقبل المحيط العربي السوري بهذا الكيان وستكون هناك حروب لن يستطيع الكرد حقيقة دفع فاتورتها ناهيك عن رفض الدول الإقليمية لهكذا كيان، فهل يعي الكرد حقيقة أن مصلحتهم مع إخوتهم السوريين، ليضعوا حدًّا لحزب ب ي د أم أنهم سيتركونه يقودهم نحو الانتحار؟!
اقرأ/ي أيضًا:
لماذا ابتعد الأكراد عن الرقة؟
معركة الرّقة.. أوباما اللاهث خلف التّاريخ
منبج.. هل تسقط "لندن الصغرى" بيد الأكراد؟