في بحثها عن علبة حلوى المولد النبوي، تجولت نوال يوسف (موظفة) بين شوارع تجارية في أماكن مختلفة من القاهرة، أملًا في العثور على سعر معقول يناسب ميزانيتها، لكنها أعلنت فشلها حين وصلت إلى منطقة وسط البلد بالقاهرة واكتشفت أن هناك محلًا يصل سعر علبة "حلاوة المولد" فيه إلى 700 جنيهًا (حوالي 40 دولارًا). "أنا أعمل بوزارة التربية والتعليم منذ 15 عشر عامًا ومرتبي يكفي بالكاد شراء 3 علب حلاوة"، تقول نوال بحزن.
ترتفع أسعار حلوى المولد النبوي في مصر ويعجز كثيرون عن شرائها
منذ دخول الإسلام إلى مصر، عرف المصريون الاحتفال بذكرى المولد النبوي بقراءة القرآن والأذكار، ولكن مع دخول الفاطميين إلى مصر ابتكروا فكرة صناعة الحلوى في هذه المناسبة، للتقرّب من الشعب المصري وكسب ودّه واستقطابه للمذهب الشيعي. وكان الفاطميون يعتبرون ذلك الاحتفال مناسبة للترفيه عن الطبقات الفقيرة، فكانوا ينظمون احتفالات تسبق ذكرى المولد النبوي وبعدها يقيمون السرادقات والولائم للبسطاء وعامة الناس. وعلى مدى سنوات طويلة تالية، اعتاد المصريون الاحتفال بذكرى المولد النبوي بشراء حلويات المولد بجميع أنواعها المختلفة، حتى أصبحت جزءًا أساسيًا في احتفالاتهم بمولد نبي الإسلام رغم الدعوات المتكررة من شيوخ سلفيين بضرورة التوقف عن تلك العادة.
اقرأ/ي أيضًا: السيسي خائفٌ من ثورة جديدة
تدور الأيام والليالي وتصير العادة الاحتفالية التي شبّ عليها أجيال من المصريين أزمة يجب التخطيط لعبورها بسلام، حيث تأتي ذكرى المولد النبوي هذا العام وسط أجواء اقتصادية خانقة تعصف بالمواطن المصري، فمن ندرة السكر بـالأسواق المصرية إلى تراجع القوة الشرائية للجنيه المصري وصولًا إلى ارتفاع الأسعار المطرد، يعيش المصريون على وقع أزمات متلاحقة تعكّر عليهم صفو حياتهم.
حلوى المولد النبوي منتشرة في الأسواق منذ أسبوعين تقريبًا، ولكن الفرحة بها ساكنة ومكبوتة نظرًا لارتفاع أسعارها الذي يفوق كل الأعوام الماضية. حين بدأ التجار والباعة في رصّ بضائعهم اكتشف المصريون أن تاريخ إنتاجها ليس ببعيد، أي أنها مصنوعة في عزّ أزمة اختفاء السكر من الأسواق، وهو الأمر الذي تسبب في دعوة البعض لمقاطعة شراء حلوى المولد لهذا العام. وكانت تقارير رسمية قد زعمت أن حلوى المولد هي السبب وراء نقص السكر، بدعوى لجوء تجار ومنتجين كثيرين لتخزين كميات كبيرة من السكر لتأمين احتياجاتهم من السكر لصناعة حلوى المولد".
وإذا كانت دعوات المقاطعة لم تكن ناجحة بشكل كامل فإن أسعار الحلوى تكفّلت بإقناع كثير من المصريين بالعزوف عن شرائها، حتى أصبحت أكشاك حلويات المولد والمحلات "للفرجة فقط"، وذلك لتدني الحالة الاقتصادية للمواطنين عن العام الماضي. والطريف والمؤسف في آن، أن أسعار حلوى المولد شهدت العام الماضي ارتفاعًا وصلت نسبته إلى حوالي 50%، وحينها لم يكن يدري المصريون أن ارتفاع الأسعار سيصل في العام التالي إلى أكثر من 100%.
في حديثه إلى "ألترا صوت"، يقول نور عبد الله (موظف) إنه جاء إلى منطقة وسط البلد بالقاهرة لشراء ما يرغب به أبناؤه من حلوى المولد في حدود الميزانية المتاحة لديه، ولكنه فوجئ بالأسعار "اضطررت أن ألجأ لمحلات البيع بالجملة والتي تبيع بأسعار أقل من محلات التجزئة حتى أستطيع إدخال الفرحة على أبنائي".
اقرأ/ي أيضًا: لماذا تحرّم جهات مسيحية الاحتفال بـ"هالوين"؟
وتشير فوزية سمير (ربة منزل) إلى اختفاء شبه تام لعروسة المولد والحصان هذا العام، وترجع السبب إلى "عدم قدرة الآباء على شرائها لأبنائهم"، موضحة: "سعر العروسة الصينية الصنع وصل إلى 200 جنيهًا، أما العروسة المصنوعة من السكر فقد وصلت إلى 100 جنيهًا". وترى شريف أن الحكومة جعلت المواطنين يتخلّون عن الكثير من الأشياء التي كانت أساسية حتى ولو كانت مرتبطة بمناسبات احتفالية "من الذي يصدّق أن سعر كيلو الحلويات يصل إلى 150 جنيهًا؟ لقد لجأنا إلى شراء قطع بسيطة من حلويات المولد بعد أن كنا نشتري بالخمسة كيلوات. كل شيء أصبح غاليًا والسلع الأساسية لم نعد قادرين على شرائها أصلًا، فلا يعقل أن نضيّع ميزانية شهر على علبة حلوى".
مع دخول الفاطميين إلى مصر ابتكروا فكرة صناعة الحلوى في هذه المناسبة، للتقرّب من الشعب المصري
حسن محمود (عامل) يشير إلى أزمته في الوفاء بالتزامه العائلي والاجتماعي تجاه إخوته البنات، " تعرف أنه في المواسم، مثل موسم المولد النبوي، تهادي الأم بناتها، أو يتكفّل بهذا الواجب الأخ الأكبر في حالة وفاة الأم. أنا عندي 3 أخوات متزوجات، وبحسبة بسيطة أحتاج حوالي 900 جنيهًا كي أشتري 3 علب حلاوة لهن بالإضافة لعلبة صغيرة لبيتي". ويؤكد محمود الآراء السابقة حول النتائج السيئة التي تسببت بها السياسات الاقتصادية الحكومية بقوله "لا أفهم فعلًا ما الذي يريدونه منا؟ هل يريدوننا أن نشحذ كي نحتفل بذكرى الرسول؟، الناس ستتحول قريبًا إلى التخلي عن فكرة الاحتفال ذاتها تقليلًا للنفقات".
اقرأ/ي أيضًا: سيرة مشوّهة لمواطن مصري ندهته نداهة القاهرة
في محافظة المنوفية (60 كم شمال القاهرة)، لجأ أحد التجار إلى محاولة تخفيض سعر حلوى المولد عن طريق صناعتها بنفسه والتقليل من المكونات المستوردة. يقول عوف الشربيني، لـ"ألترا صوت" إنه حاول الوقوف إلى جانب الشعب في محاولته لمحاربة الغلاء وارتفاع الأسعار: "حين يسألني الزبائن (وهم متشككون) عن السرّ وراء انخفاض أسعاري مقارنة بالتجار الآخرين، أجيبهم بأنني قمت بتقليل نسبة المكسرات إلى أقصى قدر ممكن. كل المكونات المستوردة شهدت ارتفاعًا في أسعارها نتيجة تعويم الجنيه".
ويرى الشربيني أن طريقته هي الوسيلة الوحيدة لتوفير حلويات منخفضة السعر وكذلك لاستمراره في العمل: "السوق نائمة والبضائع كثيرة، وأحيانًا تكون هناك حلويات مخزنة من العام الماضي. لولا أنني ورثت هذه المهنة عن جدي وأبي لتركتها أو اتجهت لعمل آخر بصفة مؤقتة على الأقل". ويبرر تاجر الحلويات الأمر بقوله "الأسعار نار. العلبة التي كانت تباع بعشرين جنيهًا أصبحت بخمسين. إذا سألت أي تاجر أو صاحب محل سيقول لك إن الرِجل عليه خفيفة (يقصد حركة البيع ضعيفة)". ويختم الشربيني حديثه بمهاجمة الحكومة التي تكذب على الناس: "الخامات أسعارها في ارتفاع، والدولار زاد، والمصانع تعاني قلة الطلب، ثم تأتي الحكومة وتقول إن مصنعي حلويات المولد هم السبب. هل هذه أول مرة نقوم فيها بصنع حلوى المولد؟!"، يتساءل مستنكرًا.
الشكوى ذاتها تستمر لدى إسلام عفيفي (تاجر)، الذي يقول: "منذ 12عامًا وأنا أعمل بهذا المجال، ولم أشهد موسمًا صعبًا وركودًا في حركة البيع كهذا الموسم". المشاكل كثيرة والجميع يضع يده على قلبه خوفًا من خسارة قد تفوق أسوأ توقعاته. "حتى ورق الكارتون الذي يستخدم في تعبئة وتغليف حلوى المولد سعره زاد بعد تعويم الجنيه. الأزمة شديدة وتطال الجميع"، يقول عفيفي.
اقرأ/ي أيضًا: