ألترا صوت – فريق التحرير
قبل أقلّ من عامين من الآن، في الرابع من شهر نيسان/أبريل سنة 2017 تحديدًا، غادر الشاعر والروائي العراقي حميد العقابي الحياة في منفاه الدنماركي. سكتة قلبية مفاجئة باغتت صاحب "القلادة" الذي غادر العراق مع نهايات 1982 متّجهًا نحو دمشق، قبل أن ينطلق منها نحو الدنمارك. أمضى حميد العقابي هناك أكثر من 40 عامًا. وهناك أيضًا، اشتغل على تأسيس اسمه الأدبيّ، كشاعرٍ متمرّس، وراوٍ حذق، دون أن يبتعد عن الواقع السياسيّ العراقي، بلده، أو يأخذ موقفًا سياسيًا مُغايرًا للموقف الذي يفترض بكلّ مثقّف رصين أن يتبنّاه دون تردد تجاه قضايا بلاده.
كان حميد العقابي شاهدًا شرسًا على تهشّم الأيديولوجيات وتفشّي عفن الكتبة
الكاتب والصحفي العراقي صفاء خلف كان واحدًا من أولئك الذين مثّلت وفاة حميد العقابي لهم صدمة كبيرة لربّما تُقاس بالمسافة التي تفصل بغداد عن "فايله"، حيث توفّيَ، وربّما أكثر. صفاء خلف اشتغل منذ وفاة العقابي على عدّة مشاريع تُبقي الأخير في المتن، تستعيده وتُحاول أن تحفظه من النسيان، وإن بدا ذلك صعبًا.
اقرأ/ي أيضًا: توم كريستينسن.. ما الذي يبني الحياة؟ ما الذي يهدمها؟
مؤخّرًا، كتب صفاء خلف في منشور له في موقع الفيسبوك يعلن فيه عن صدور كتاب استعادي للراحل: "رحيل حميد العقابي بالنسبة لي فاجعة تاريخية، وموته بحد ذاته تخريب ثقافي. حميد لم يكن كاتبًا يريد الوصول إلى جمهور، بل مثقّف بكلّ المعنى الذي ينطوي عليه توصيف مثقّف. كان شاهدًا شرسًا على تهشّم الأيديولوجيات وتفشّي عفن الكتبة والمنشغلين في الحقل وهم ينزعون ضمائرهم خارج منطقة المثقّف الرصين، ويدخلون إلى منطقة الاسترزاق والانتماءات المشوّهة".
يرثو صفاء خلف في نصٍّ كهذا حميد العقابي مجدّدًا، يستعيده، ويختزل مُختلف تجاربه، مع الحياة والأدب والثقافة. والأشدّ أهميةً مما سبق أنّ الصحفيّ العراقيّ يُعلن فيه صدور كتاب جديد يستعيد الراحل. الكتاب الذي حمل عنوان "وشم النوارس: حياة مستعادة لحميد العقابي" (دار قنديل، 2019)، ضمّ في متنه قراءات وشهادات ومواقف ومجموعة شعرية جديدة للراحل أيضًا. فكرة الكتاب كانت حاضرةً في ذهن صفاء خلف الذي بدأ بعد وفاة حميد العقابي يفكّر بالطريقة التي سوف يحييه من خلالها في رحيله. بدأ الأمر آنذاك بملف استعادي يتناول الراحل، ونُشر في صحيفة "جدلية" الإلكترونية كخطوة أولى. بينما تمثّلت الخطوة الثانية في هذا الكتاب الذي حرّره وقدّم له خلف، والذي يؤكّد على أنّه: "استعادي، استذكاري، رصين، دون إسفاف وتهريج، أو أن يكون كتابًا تجاريًا".
في نظرة سريعة على مُنجز حميد العقابي، يُمكن القول إنّه كان روائيًا من النوع الذي يستند إلى ما هو شخصي ومُختبر سابقًا في بناء عمله الروائي. يخلط بعمق وحرفة بين الواقع المُعاش والخيال من جهة، وبين السيرة والسرد والروائيّ من جهةٍ أخرى، ليبني نصًّا سرديًا مُغايرًا، يصل إلى القارئ حاملًا بصماته، أي حميد وحده.
يضم كتاب "وشم النوارس: حياة مستعادة لحميد العقابي" قراءات وشهادات ومواقف، ومجموعة شعرية جديدة للراحل أيضًا
اشتغال كهذا صعّب على القارئ العثور على مرجعيةٍ ما لأعمال من ألّف "الفئران"، أو ظهور تأثّره بإحدى المدارس السردية، عراقيةً كانت أو عربيةً أو غير ذلك. السيرة عند الراحل كانت تكفي لمدّ أي عملٍ كان بالتفاصيل. فالذاكرة كانت خزّان حكايات لا ينضب، والخبرة الطويلة مع صراعات الحياة المتعدّدة ومراراتِها كانت هي الأخرى تكفي لتكون رافعةً لأي حكايةٍ كانت، وأسلوبًا سرديًا لتقديمها بالشكل الأكثر ذكاءً وحنكة، دون أن ننسى الجانب الشعريّ للراحل، وتأثيره على مشواره الروائي.
اقرأ/ي أيضًا: "براءات".. عودة الشعر إلى المجلة
أمّا ما صدر للروائي والشّاعر المولود سنة 1956 في مدينة الكوت، جنوبي العاصمة بغداد، فهي كالتالي. في الرواية: "أصغي إلى رمادي"، و"الضلع"، و"أقتفي أثري"، و"الفئران"، و"القلادة". في الشعر: "أقول احترس أيها الليلك"، و"وقف بين يدي"، و"بم التعلل"، و"تضاريس الداخل"، و"حديقة جورج"، و"سافرت وحدي"، و"الفادن، عناء فحسب". بالإضافة إلى مجموعة قصصية تحت عنوان "ثمّة أشياء أخرى".
اقرأ/ي أيضًا: