01-أغسطس-2023
gettyimages

التحليلات الإسرائيلية، لا ترجح وجود اتفاقية تطبيع جديدة بين تل أبيب والرياض برعاية الولايات المتحدة (الترا صوت)

يتزايد الحديث عن لقاءات تقودها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ما بين تل أبيب والرياض بشكلٍ منفصل، مع محاولة دفع الإدارة الأمريكية في اتفاقية تطبيع جديدة، قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، مع إشارة تحليلات إسرائيلية إلى عدم اقتراب التوصل إلى اتفاقية قريبة.

وكشف موقع "أكسيوس" الأمريكي، أن مدير جهاز الموساد ديفيد بارنياع، زار سرًا واشنطن قبل نحو أسبوعين، لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية حول جهود إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق تطبيع بين الرياض وتل أبيب.

والتقى بارنياع، بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في البيت الأبيض، كما التقى مع بريت ماكغورك، وعاموس هوكشتين، اللذان كانا يعملان على تحسين العلاقات الأمريكية السعودية منذ 18 شهرًا ، وانضموا إلى سوليفان في رحلته الأخيرة إلى السعودية.

المعطيات السياسية القائمة حاليًا، لا تشير إلى أي تقدم فعلي في إمكانية وجود اتفاقية تطبيع بين الرياض وتل أبيب

وفي سياق متصل، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الجمعة، إن صفقة يمكن أن تكون في طريق مع السعودية، بعد محادثات أجراها مستشاره للأمن القومي مع مسؤولين سعوديين في جدة بهدف التوصل إلى اتفاقية تطبيع في العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

وأضاف بايدن: "ربما يكون هناك تقارب جاري"، وذلك خلال حفل لجمع التبرعات لإعادة انتخابه لعام 2024، ولم يذكر بايدن تفاصيل بشأن الصفقة المحتملة.

بودكاست مسموعة

شروط سعودية

وتسبب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في إعادة الحديث عن صفقة تطبيع، تقودها الولايات المتحدة الأمريكية بين الرياض وتل أبيب.

وأقرت الصحيفة الأمريكية، بأنه لم يتم تحقق أي اختراق في هذه المفاوضات، لكنها تشير إلى أن عودة سولفيان، إلى السعودية بعد فترة وجيزة من زيارته السابقة في أيار/ مايو، تشير إلى أن "إدارة بايدن ترى آفاقًا جادة للتوصل إلى اتفاق".

ومن بين الشروط السعودية لإنجاز الاتفاق، إقامة برنامج نووي مدني، وتوقيع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة وتحالف على مستوى الناتو، وتحقيق تقدم على صعيد القضية الفلسطينية، وفق نيويورك تايمز.

وفي مقال لمسؤول قسم الرأي في نيويورك تايمز توماس فريدمان، نشر الأسبوع الماضي، نقل عن بايدن حديثه عن صفقة سعودية إسرائيلية محتملة، مشيرًا إلى أن المفاوضات معقدة ويمكن أن تتعثر بسهولة، لكن "نجاحها سيكون له آثار بعيدة المدى".

ووفق مصادر إسرائيلية، فإن "الانطباع الأساسي الذي وصل من الولايات المتحدة، أن المرحلة الأولى من المفاوضات لم تتضمن أي طلب لتقديم تنازلات إسرائيلية كبيرة في صراعهم مع الفلسطينيين، ويُعتقد الآن أن الصفقة ستتطلب تقدمًا كبيرًا في هذه القضية".

وبحسب التصور الإسرائيلي، فإن السعودية "لن تكتفي بوعد من جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم ضم الضفة الغربية. وبدلاً من ذلك، سيطالبون بعمل كبير على الأرض".

وقال مسؤول إسرائيلي كبير مطلع على المحادثات، لـ"نيويورك تايمز": إن "إسرائيل ليست طرفًا في المفاوضات لكنها تعتمد على وعد أمريكي بالشفافية الكاملة والتحديثات المنتظمة".

بدوره، قال رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغيبي، أن الولايات المتحدة أحاطت إسرائيل علمًا قبل بضعة أشهر بأنها ستصر على أن كل اتفاق استراتيجي بينها وبين السعودية سيشمل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. 

وأضاف هنغيبي، خلال حديث مع  هيئة البث الإسرائيلية (كان)، أن السلطات الإسرائيلية "لا تستبعد إمكانية السماح للسعوديين بتخصيب يورانيوم لأغراض بحث علمية"، وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن "عشرات الدول تدير مشروعات نووية مدنية، وتحاول توليد الطاقة من خلال الجهود النووية، ولا يشكل هذا خطرًا عليها أو على جيرانها"، مذكرًا بأن دولتي الإمارات العربية ومصر لديهما مفاعلات نووية من هذا القبيل، منوهًا إلى أنهما "لا يشكلان خطرًا أو تهديدًا على أمن إسرائيل".

وأردف، قائلًا: "أستطيع القول إن إسرائيل لن ترضخ لأي شيء من شأنه أن يقوض أمنها"،  وتابع "يمكنني أن أتفق مع ما صرح به رئيس الولايات المتحدة في مقابلة قبل أيام قليلة، عندما قال إن الطريق لا يزال طويلًا، لكنه يعتقد أن من الممكن إحراز تقدم". 

وكشف هانغيبي، أن "إسرائيل غير منخرطة في المباحثات الأمريكية السعودية".

وفي وقت سابق، أبدت إسرائيل معارضتها  لفكرة تطوير السعودية برنامجًا نوويًا مدنيًا في إطار أي وساطة أمريكية لتطبيع  العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

اتفاق قبل الانتخابات الأمريكية

وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين للقناة 12 الإسرائيلية، إن "إسرائيل أقرب الآن من أي وقت مضى إلى إبرام اتفاق سلام مع السعودية"، مضيفًا أنه "يتوقع الإعلان عن الاتفاق بحلول آذار/مارس من العام المقبل قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في تشرين الثاني /نوفمبر 2024.

وقال مسؤولون أمريكيون سابقًا لموقع  "أكسيوس"،  إن "البيت الأبيض يريد استكمال مساعيه الدبلوماسية مع السعودية وإسرائيل بحلول نهاية العام أو بداية العام المقبل قبل أن تستهلك الحملة الانتخابية الرئاسية أجندة الرئيس بايدن".

وقال البيت الأبيض بعد الاجتماع، بين مستشار الأمن القومي الأمريكي وولي العهد السعودي، إن "سوليفان ومحمد بن سلمان ناقشا المسائل الثنائية والإقليمية بما في ذلك مبادرات لتعزيز رؤية مشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر سلامًا وأمانًا وازدهارًا واستقرارًا ومترابطة مع العالم".

ونقلت المصادر الأمريكية للموقع، أن بارنياع التقى سوليفان في البيت الأبيض قبل زيارة الأخير إلى السعودية.

رفض إسرائيلي

في المقابل، رفضت وزيرة المهام الوطنية أوريت ستروك، تقديم أي تنازلات للفلسطينيين في إطار اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية، وأضافت الوزيرة المنتمية لحزب الصهيونية الدينية المتطرف، خلال تصريحات لهيئة البث  الإسرائيلية: "سئمنا من التنازلات. سئمنا من تجميد الاستيطان. هناك توافق في الآراء على ذلك في الجناح اليميني بأكمله".

وتكررت التصريحات نفسها من جانب وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي وقال لإذاعة جيش الاحتلال، إنه "ليس لديه ما يمنع إبرام اتفاقيات دبلوماسية مع الدول العربية"، وأضاف "لكن إذا تضمن هذا الاتفاق تنازلات لصالح السلطة الفلسطينية، أو تنازلات عن الأراضي أو تسليحًا للسلطة الفلسطينية  فإنني أعترض بالتأكيد".

وعلى خلفية ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز"، عن مسؤولين إسرائيليين "لديهم الانطباع" بأن التقدم نحو اتفاق تطبيع مع السعودية يتطلب "تقدمًا ملموسًا" في التنازلات الإسرائيلية للفلسطينيين، قال وزير تهويد النقب والجليل يتسحاق فاسرلاف (عوتسما يهوديت، حزب إيتمار بن غفير): "على استعداد للتحلي بالمرونة في كل شيء، وعلى دولة طبيعية تصنع السلام أن تكون مرنة، فالسلام يصنع من قوة ومن مصالح مشتركة"، وفق تعبيره.

أمّا عن احتمالية تقديم أي تنازل على صعيد الاستيطان، قال: "لا أعتقد إن شروطنا للسعوديين هي عدم البناء في السعودية، ولا أعتقد أن هذا يجب أن يكون الخطاب. لا يمكننا تجميد حياة الناس (المستوطنون) لتحقيق السلام. إنه سلام مزيف"، على حدِّ قوله. 

وأضاف المتطرف يتسحاق فاسرلاف: "أنا أؤيد أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه كما فعلنا مع اتفاقات أبراهام - سلام بقوة وليس نتيجة تنازلات".

ومن بين الطروحات المنتشرة، والتي ساهم في تعزيزها توماس فريدمان، إمكانية تشكيل حكومة "وحدة" واسعة في إسرائيل، تضم عدة مجموعة من أحزاب المعارضة، مقابل التخلي عن الأحزاب الإسرائيلية الأكثر تطرفًا من أجل الدفع باتفاقية التطبيع.

أمنيات نتنياهو

وفي سياق الحديث عن إمكانية توقيع اتفاقية تطبيع بين إسرائيل والسعودية، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الأحد، أنهم سيطلقون مشروع سكك حديدية بقيمة مئة مليار شيكل (27 مليار دولار) لتوسيع الشبكة الحالية، ما قد يجعلها تصل إلى السعودية في المستقبل.

وقال نتنياهو في تصريحات صحفية: "أود أن أضيف أننا في المستقبل سنكون أيضًا قادرين على نقل البضائع بالقطارات من إيلات إلى البحر المتوسط، وسنكون أيضا قادرين على ربط إسرائيل بالسعودية وشبه الجزيرة العربية عبر السكك الحديدية"، مضيفًا: "نعمل على هذا أيضًا".

إلى ذلك، كشفت وكالة "بلومبرغ" الامريكية، الليلة الماضية عن تعاون نادر  بين شركة إسرائيلية وشركة سعودية في مجال الطاقة.

وقالت الوكالة إن شركة "SolarEdge" الإسرائيلية ستتعاون مع الشركة السعودية "Ajlan & Bros Holding" في مجال نشر الطاقة المتجددة في المملكة  السعودية.

وأضافت الوكالة الامريكية أن "إنشاء المشروع، يضمن حلولًا تنظيمية لإنتاج الطاقة وتخزينها وإدارتها، ولدعم تطوير حلول الطاقة المتجددة الذكية في المملكة العربية السعودية".

صفقة بعيدة

وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست يولي إدلشتاين: "أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن صفقة قيد الإعداد".

وردًا على سؤال للصحفيين لدى دخوله الاجتماع الأسبوعي للحكومة عما إذا كان سيكون هناك تقدم في المحادثات السعودية، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي: "آمل ذلك".

هل يقترب التطبيع؟

يناقش الصحفي في صحيفة "هآرتس" أمير تيبون، إمكانية توقيع اتفاقية تطبيع، بين تل أبيب والرياض، ويعرض في سياق ذلك، إلغاء زيارة وزير الخارجية إيلي كوهين للبحرين على خلفية اقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المسجد الأقصى.

ويشير تيبون، إلى موقف مشابه، حدث مع زيارة نتنياهو نفسه إلى الإمارات، حيث ساهم اقتحام بن غفير في تأجيل الزيارة.

وبحسب تيبون، فإن اقتحامات بن غفير تفسر الكثير من الحديث عن تقارب بين تل أبيب والرياض، قائلًا: "تعتقد واشنطن أن الرياض ستجد صعوبة في الوصول إلى انفراج تاريخي مع إسرائيل في وقت تجنب جيرانها، الذين وقعوا اتفاقات التطبيع مع إسرائيل في عام 2020، استضافة نتنياهو ووزير خارجيته".

زكي وزكية الصناعي

وأضاف الصحفي الإسرائيلي: "تحذر واشنطن نتنياهو من أن تسريع البناء في مستوطنات الضفة الغربية وتصريحات بعض الوزراء تضر بفرص توسيع دائرة التطبيع".

ويذكر الصحفي الإسرائيلي، إلغاء منتدى النقب التطبيعي، الشهر الماضي، بالتزامن مع اقتحام جنين، ورغم اعتراف نتنياهو بسيادة المغرب على الصحراء، إلّا أن ذلك لم يساهم في انعقاد المنتدى السنوي، الذي كان من المقرر عقده في المغرب.

ويتابع تيبون، قائلًا: "يقول المسؤولون الإسرائيليون منذ شهور أن القضية الفلسطينية لا تهم السعوديين، وأنها تهم الأمريكيين فقط. البيانات الرسمية الصادرة عن المملكة تقول خلاف ذلك، وتؤكد باستمرار على ضرورة إحراز تقدم على الجبهة الفلسطينية. حتى لو كان ذلك مجرد كلام، فإن لدى السعوديين وإدارة بايدن سبب آخر للإصرار على القضية الفلسطينية، لأنها مرتبطة بعمليات الموافقة على أي اتفاق مستقبلي في الكونغرس الأمريكي".

ويضيف، أن تخفيف المعارضة الديمقراطية، يتم من خلال وجود المكون الفلسطيني المهم، مضيفًا: "السيناريو الخيالي الذي وصفه فريدمان حول انضمام غانتس ولبيد إلى حكومة نتنياهو ربما كان رأيه الشخصي، لكن عموده تضمن تصريحًا مهمًا للسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، أحد أبرز الأصوات في الحزب حول القضية الفلسطينية. الذي أوضح أن أي اتفاق يترك القضية الفلسطينية خالية الوفاض، سيواجه معارضة شديدة في صفوف الديمقراطيين".

ويختتم تيبون تحليله، بالقول: "في جميع الأحوال، سيتطلب أي تقدم في هذه القضية شهورًا إضافية من العمل. المطالب السعودية هائلة، وبعضها يثير القلق في مؤسسة الأمنية الإسرائيلية، كما أفاد عاموس هرئيل. قد يغادر القطار السعودي المحطة في نهاية المطاف، لكن في الوقت الحالي على الأقل، لا يزال الجانبان يتحدثان عما إذا كانت ستكون هناك محطة".

المحادثات حاليًا، تدور بشكلٍ ثنائي ومنفصل بين واشنطن والرياض من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة

من جانبه، قال القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك ألون بينكاس: إن اتفاقية التطبيع تبدو بناءً على الحقائق السياسية "مستحيلة وغير قابلة للتحقيق في ظل الظروف الحالية".

لا تقدم فعلي.. حتى الآن

المعطيات الحالية، لا تشير إلى أي تقدم جدي في سياق اتفاقية تطبيع بين تل أبيب والرياض، ورغم المحادثات الأمريكية، فإن ما يتسرب منها للإعلام، يشير إلى أن النقاش حاليًا يدور بين السعودية والولايات المتحدة حول قضايا ثنائية، قد يكون ثمنها أو نهايتها اتفاقية تطبيع، وقد تحتاج للكثير من الوقت والجهد من أجل الوصول إليها.

ولا تظهر كإمكانية قريبة في ظل الائتلاف الحكومي "الأكثر تطرفًا"، في تاريخ دولة الاحتلال، كما وصفه الرئيس الأمريكي نفسه، والذي كرر باستمرار عدم نيته تقديم أي تنازل، في سياق التوصل إلى اتفاقيات تطبيع مع الدول العربية.