روائي وقاص يمني مخضرم، له العديد من الإنتاجات الادبية المحاكية للواقع والمثيرة للجدل مثل رواية "مصحف أحمر" و"ظلمة يائيل ". وكان أدبه سببًا في أن يفقد مناصبه السياسية.
الغربي عمران: أنا لا أزدري أي دين، حتى الوثني. الأمر فقط أنني لا أستوعب مبدأ العبودية من أي كان
والآن، يشغل منصب أمين العلاقات الداخلية باتحاد الأدباء اليمني، ورئيس نادي القصة باليمن، وأمين عام اتحاد البرلمانيين السابقين، و رئيس مركز الحوار لتنمية حقوق الإنسان.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| الروائي اليمني عمار باطويل: تحديت السخرية بالوقوف على حافة ثلجية!
شارك في العديد من المهرجانات والملتقيات الروائية والقصصية في العالم العربي وخارجه. وحصل على جوائز عديدة، وترجمت قصصه إلى اللغتين الإنجليزية والإيطالية، ووردت في مختارات بلغات أجنبية أخرى.
إنه الكاتب والأديب محمد الغربي عمران، المولود في محافظة ذمار عام 1958، والذي خص "الترا صوت" بهذا الحوار الشامل حول أعماله وآرائه في الأدب والثقافة والدين والسياسة.
- صنعاء وذمار والسودان والسعودية، هي محطات لمراحل الطفولة والمراهقة والشباب عند الغربي عمران. أي مرحلة شعرت فيها بأنك صرت أديبًا لأول مرة؟
بداية فكرة الكتابة حين كنت في السعودية، حيث كنّا نعمل نهارًا وندرس ليلًا، وكانت القراءة واحدة من المتع، خاصة في تلك المرحلة، حتى وجدتها تدفعني لأن أكتب. وكانت البداية بالمقالة، ثم القصة بعد عودتي لليمن.
- إلى أي مدى كانت لدراسة الغربي عمران للتاريخ، تأثير على إنتاجه الأدبي؟
دراستي للتاريخ محفز للتخيل أكثر منه كتابة للتاريخ. إنه تاريخ متخيل. وذلك لقناعتي أن ما هو بين أيدينا الآن من كتابات ليست إلا سير للطغاة. تاريخ مزور ينسجه كتبة المنتصر بغرض تصنيمه وتمجيده، لينتجوا تاريخًا غير دقيق.
فمثلًا، إذا كتب الحوثيين تاريخ صالح أو تاريخ من سبقه من الجمهوريين، ما ذا سيكتبون؟ وماذا كتب الجمهوريون عن العهد الملكي؟ هل ذلك تاريخ لما حدث فعلًا؟ وعلى هذا قِس.
ولهذا أحاول في رواياتي تخيل مالم يكتب، ليس من أجل كتابة تاريخ، بل لأكتب أدب اجتماعي وسياسي ناتج عن مخيلتي.
- "جميع الأديان تحمل العبودية في ظاهرها لإله، والتسلط في باطنها"، كانت تلك عبارة وصفت فيها ما جاء في روايتك المثيرة للجدل "مصحف أحمر" التي نُشرت في بيروت ومنعت من النشر في معرض صنعاء للكتاب. كيف ترد على من لا يزال يتهمُك بازدراء الأديان؟
أنا لا أزدري أي دين، حتى الوثني. الأمر فقط أنني لا أستوعب مبدأ العبودية من أي كان، وأتخيل أن هناك روح خلاقة عظيمة سامية لا تدعو إلى استعباد شيء، بل تنشر العطاء والسلام والحرية.
وما يدعوا له بعض البشر من عبودية، ليست إلا نوازع ذاتية، وقصور في الفهم والتفكير. وما نراه من خراب وسفك للدماء، ليس إلا دليلًا على خطأ المسار والفهم.
أنا مؤمن بحرية المعتقد ولا أعارض أي كان، إلا فيما يتصل بالعنف والتسلط. أنا أرفضهما وأرفض من يعتقد فيهما، وأرفض من يدعي أنه وكيل الله على الأرض.
- خضت السياسة بدخولك المجالس المحلية وحتى البرلمان اليمني، وعُيّنت في مناصب رفيعة بالدولة، ولم يمنعك ذلك عن الأدب. فلماذا اعتزلت السياسة؟
اكتشفت وأنا أعمل في تلك المناصب بأني ضال، وأن ما نسمعه عن السياسة في المجتمعات الإنسانية لا يشابه ما هو لدينا هنا، فساستنا لا يفكرون إلا بعقلية قُطّاع الطرق، ويعملون كرجال عصابات؛ همهم التسلط والنهب، همهم مغانم أفراد عصاباتهم من أحزاب وجماعات متأسلمة، همهم السيطرة والاستيلاء.
وجدت نفسي كمن يسبح عكس التيار، ولذلك بعد عزلي، فضلت التفرغ للأدب، فبعد إقالتي من عملي عند صدور روايتي "مصحف أحمر"، اقتنعت بضرورة الابتعاد عن مستنقعهم.
لقد فضحت رواية "مصحف أحمر" الحرب اليمنية اليمنية ودور دول الجوار فيها، ودرجة عمالة ساستنا أو مأجورينا بالأحرى.
- كيف استطعت تنويع البناء السردي في قصصك وروايتك رغم تشابهها من حيث المقاربة من بين الماضي والحاضر؟
صحيح هناك تشابه من حيث الموضوعية، فاليمن وما يعتمل فيه، هو ملهمي في الكتابة. إلا أن ما يدور اليوم، ما هو إلا نسخة مما دار أمس وما قبله، فوقود هذه الصراعات وأدواتها، هم الناس، وادعاء كل طرف بملكيته للحقيقة، وولايته أو خلافته لله، والكل يستخدم نفس المنطق سواءً سنة أو شيعة، والهدف هو السيطرة والتسلط.
وهكذا نرى أن الجانب الموضوعي في رواياتي يتقارب، مفضلًا في سرد الأحداث في عدة أنساق حكائية، إضافة للذهاب من الحاضر للغد، والعودة للماضي، في ما يشبه حركة بندول الساعة.
- في رواية "الثائر" الصادرة في 2014، تناولت مرحلة الثورة ضدّ الحكم الإمامي في اليمن، ثم ما بعدها. لو أنك كتبت هذه الرواية قبل كتابتك لها بـ10 أعوام، هل كانت أحداثها ستختلف؟
العمل الروائي اشتغال تخييلي. وما قرأته في الثائر هو نقد لثورة لم تفضي بنا إلى تحقيق المبادئ التي قامت من أجلها، وقد رمّزتها بالمخنث "قمر".
فرغم التضحيات التي قدمها الشعب، إلا أن من كانوا يحكمون في العهد الإمامي، هم من تحكموا بعد الثورة، وهم ومن يحكمون حتى اليوم، إذًا فأي ثورة ندعي وأنت ترى الإمامية حاضرة؟!
وكتابة الرواية تخضع لوعي الكاتب وما يحمله من رؤى، فلو كتبتها بعد أشهر لاختلفت، ولو كتبتها قبل كتاباتها بأشهر أيضًا لجاءت مختلفة.
- في رواية "حصن الزيدي"، تناولت قصة حب بين أحد الشباب العائدين من عدن وفتاة من شريحة الأخدام، اتسمت بالصراع العنيف في بعض مشاهده، وغالبًا الحب في قصصك وروايتك عنيف، فلماذا؟
عدن ورمزيتها الكبيرة جاءت في "حصن الزيدي" كشاب يعود إلى قريته رافضًا لتلك الحدود والفواصل الاجتماعية، فيتزوج من خادمة. وما أردت قوله، إن الفرد ابن بيئته، فلو ظل ذلك الشاب في القرية لما فكر مجرد التفكير بالزواج من خادمة.
وقد استخدمت العاطفة كقيمة إنسانية سامية. والحب هو إكسير الحياة، وكذلك الحكي، لذا فسردٌ دون صراع عاطفي، سيكون بلا روح، وهكذا أفكر كثيرا قبل أي كتابة أن يكون للحب حكاياته فيها.
- حصلت على العديد من الجوائز، آخرها جائزة عن رواية "حصن الزيدي". ما الذي تضيفه لك تلك الجوائز؟
سعيد جدًا أن تحظى ثلاث روايات من خمس، بجوائز على المستوى العربي، وهي ما أصدرته حتى الآن. طبعًا الجوائز أضافت الكثير، فعلى الصعيد الشخصي عرفت بأني أسير على الطريق الصحيح، ما يدفعني للمزيد من الكتابة، والكتابة المتطورة لأظل منافس على صعيد الرواية العربية.
أما على الجانب الوطني، فيشير ذلك الفوز المتكرر إلى أن اليمن ينافس عربيًا. وما فوز رواياتي إلا فوز للأدب اليمني، فهناك عشرات الكتاب من شعراء وروائيون تستحق أعمالهم الفوز بأرفع الجوائز، فاليمن ولّادة، وما أمراء الحرب والدمار إلا طارئون، والأصل هو التحضر والإبداع في كيان الإنسان اليمني.
- تقول دائمًا إن أروى بنت أحمد نموذج مُلهم للنساء اليمنيات، يتوجب أن يُدرّس في الجامعات. برأيك، هل ظلمت تلك الملكة في الأعمال الأدبية والإنتاج الثقفي في اليمن؟
من يقرأها بعيدًا عن التناولات المذهبية، يجدها عظيمة. من يقرأها كإمرأة مثل بقية النساء دون هالة قدسية، سيدرك عظمة ودهاء هذه المرأة.
حكمت أروى اليمن لأكثر من نصف قرن. هذه السنين تعطيك مؤشر، خاصة في مجتمع الرجل فيه هو كل شيء، بل إنه ينزع من المرأة كل شيء إلا تبعيتها له.
تأتي أروى بهذه العظمة من التسامح الديني والتوجه الوحدوي والعطاء المجتمعي، بعد أن حولت نظام الجباية إلى نظام الرعاية، لتبني الطرق وتنشئ المدارس ودور العبادة والبرك والسواقي، وهي سياسة لم يسبقها إليها أحد.
أجد أن أروى بنت أحمد، ظُلمت في خضم الصراعات المذهبية، فكل يأتي لينتصر لمذهبة ويكفر ويسفه غيره. وللأسف، مُسخ تاريخ أروى العظيم. لذا نعم، لا أرى أنها أُنصفت.
- الكثير من النقاد يقولون إن الغربي عمران، كسر في أعماله، الصورة النمطية للمرأة اليمنية في الأدب المحلي. كيف حدث ذلك برأيك؟
بين يدي عمل طور الإنجاز، أجد أن معظم شخصياته من النساء. وكذلك رواية أخرى تحت الطبع، وما قبلهن من روايات.
تفرض المرأة وجودها في أعمالي. قد أزعم بأني أخطط لذلك، لكنها فعلًا تأتي ككائن فعّال، وبذلك تَبرز في جميع أعمالي بقوة. لكن من جهتي، أترك للقارئ كيف سينظر للمرأة اليمنية من خلال أعمال الأدبية التي تناولت أوضاعها.
- هل فتحت ترجمة أعمالك، لكَ، نوافذ عند الشعوب الغربية؟
لا أعتبر ما حصل لبعض أعمالي ترجمة، فالترجمة هي دار نشر لديها شبكة توزيع واسعة، والترجمة هي وصول الأعمال إلى قارات العالم، وليست مترجم قام بترجمة عمل ما، وطباعة دار مغمورة لا توزع أكثر من 500 أو ألف نسخة. لذا لا أعتبر ما حدث لأعمال ترجمة، وإنما نوع من الاجتهادات البسيطة هنا وهناك.
- يقال: "القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ"، أين تجد صنعاء في العواصم العربية التي تنتج مختلف الأعمال الأدبية؟
هذه مقولة الخمسينات. لكن اليوم ذابت الفواصل، ولم يعد هناك مراكز أو هوامش، فوسائل التواصل والإنترنت، جعلت الكل يكتب والكل يطبع والكل يقرأ.
أنا في صنعاء وتصلني أعمال جديدة يوميًا، ويصل غيري ما لا يصل لغيري، وهكذا. بل حتى يستطيع الكاتب من قرية أن يكتب ويرسل ما ينتج.
كل العواصم هي في قلب العالم الآن، فالعالم كله متصل، وقد صنع الفضاء الإلكتروني هذا الاتصال، وكسر معظم الحواجز.
الغربي عمران: اكتشفت وأنا أعمل في السياسة، أن ساستنا لا يفكرون إلا بعقلية قُطّاع الطرق، ويعملون كرجال عصابات؛ همهم التسلط والنهب
ما تحتاجه صنعاء فقط أن تخرج من أتون الحرب وتلفظ أمراءها، لتجد أن غدها سيكون مشرقًا اقتصاديًا وسياسيًا وعلميًا وثقافيًا.
- أخيرًا، بماذا تصف نفسك كإنسان ورب أسرة؟
كائن يؤمن بأن اللحظة هي المتاحة لنعيشها بسعادة، ولا ندع غيرنا ينكد علينا أيًا كان، حتى لو كنا في سجن عميق. أعيش ومَن حولي من أفراد الأسرة، في وئام. نكابد المنغصات لنحيلها إلى لحظات سعادة، لأننا لا نملك إلا اللحظة.
اقرأ/ي أيضًا:
حوار|زين العابدين الضبيبي: الشعر رسالة.. ومهنة إذا لزم الأمر