انطلق موقع ذاكرة فلسطين في نسخة تجريبية ضمن فعاليات الدورة الأولى للمنتدى السنوي لفلسطين التي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، خلال الفترة 28 - 30 كانون الثاني/ يناير 2023 الفائت.
والموقع مشروع غايته الإسهام في تاريخ فلسطين وتوثيق حركتها الوطنية، من خلال تأسيس قاعدة بيانات رقمية، تحفظ أرشيفات كيانات وهيئات سياسية، وجمعيات محلية، ومجموعات شخصية، وأوراقًا عائلية.
بلال محمد شلش: "بدأت فكرة مشروع الأرشيف الرقمي "ذاكرة فلسطين" منذ ما يزيد عن خمس سنوات، كخدمة لمشروع بحثي متعلق بتوثيق القضية الفلسطينية، خلال المرحلة الماضية"
وتضمُّ المجموعات الأرشيفية الرئيسة للموقع: المجموعات الخاصة، والمنظمات السياسية، وصحفًا ومجلات، وشهادات وروايات شفوية، وسجلات المحاكم الشرعية، والديوان. ويشمل الموقع في مرحلته الأولى نحو 17 ألف مادة، تقعُ في: 24 مجموعة خاصة (تضمّ 8630 مادة مفهرسة في نحو 26 ألف صفحة)، وأدبيات ووثائق لثماني عشرة منظمة سياسية فلسطينية (تتضمّن 1234 مادة مفهرسة)، و42 مجموعة للصحف والمجلات (تشملُ 934 مجلة و303 نشرة و1319 صحيفة)، ونحو 76 شهادة ورواية شفوية، و2959 مادة مفهرسة (مجموعات فردية ووثائق أردنية وصهيونية وأميركية وعثمانية، ووثائق هيئات دولية) في باب الديوان، و483 سجلًّا للمحاكم الشرعية. إضافةً إلى الفهارس، التي تضمُّ في "باب الأعلام" 570 شخصية، وفي "باب الأماكن" 408 مكانًا، وفي باب "الموضوعات" 235 موضوعًا، وفي باب "مستعمرون ومستعمرات" 52 شخصية.
هنا حوار حول الموقع مع بلال محمد شلش، الباحث في مشروع توثيق القضية الفلسطينية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له العديد من الأبحاث والمقالات، ومن كتبه المنشورة في المركز العربي: "يافا.. دم على حجر" و"داخل السور القديم: نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدس".
- متى بدأت فكرة موقع "ذاكرة فلسطين"؟ وكيف عملتم على تنفيذها؟
بدأت فكرة مشروع الأرشيف الرقمي "ذاكرة فلسطين" منذ ما يزيد عن خمس سنوات، كخدمة لمشروع بحثي متعلق بتوثيق القضية الفلسطينية، خلال المرحلة الماضية. تم أولًا استقطاب عدد من المجموعات الرئيسية، كان أبرزها مجموعة صلاح خلف ومجموعة أكرم زعيتر، والبدء برقمنة هذه المجموعات، ومن ثم العمل على بناء الموقع الإلكتروني، بالتزامن مع استقطاب مجموعات أرشيفية جديدة، تغطي جزءًا رئيسًا من تاريخ فلسطين وحركتها الوطنية.
- ما الحاجة إلى مثل هذا الموقع في وقتنا الحالي؟
الحاجة الأولى مرتبط بواقع الأراشيف الفلسطينية، إذ لا يتوفر لأهل فلسطين أرشيف مادي جامع آمن، وكلما سعى الفلسطينيون لتأسيس مثل هذا الكيان، كان مصيره الاندثار لأسباب مختلفة أبرزها حربهم الطويلة مع المشروع الاستعماري البريطاني/ الصهيوني، غياب مثل هذا الأرشيف الذي يمكن أن يشكل حاضنة تراث أهل فلسطين وحركتهم الوطنية، أدى إلى اندثار جزء رئيس من هذا التراث على مدار السنوات الماضية.
الحاجة الثانية، ضرورة الاعتناء بالمصادر الأولية المختلة التي يمكن أن تسهم في الكتابة التاريخية، وكذلك خدمة الباحثين من تخصصات مختلفة. خصوصًا في ظل التطورات التقنية المعاصرة التي تتطلب من المؤسسات البحثية الاستثمار في قواعد البيانات المختلفة، والتي يمكن أن تشكل بناء أوليًا مهمًا يسهم في تطوير المخرجات البحثية عمومًا، وخصوصًا المتعلقة بفلسطين وحركتها الوطنية. إذ أن التحدي اليوم لم يعد في توفير المصادر الأولية للباحثين، وإنما في توفير أدوات مختلفة تمكنهم من استغلالها الأمثل بسرعة وبدقة.
- لماذا تأخر الفلسطينيون في الأرشفة كل هذا الوقت؟
فعليًا على مدار السنوات الماضية اعتنى أهل فلسطين، مؤسسات وأفراد بالأرشفة، فمثلًا شخص كجورج انطونيوس، يتضح من أرشيفه المنهوب في حرب الفلسطينيين الكبرى، حجم الاجتهاد المبذول في التصنيف والأرشفة. وهذا يمكن أن يلحظ في كثير من مواد الأراشيف المنهوبة كأرشيف حامية يافا، الهيئة العربية العليا، المكتب العربي، الخ.
لكن فلسطين جرفت من تراثها الوثائقي كما جرفت من جزء أساسي من أهلها في حروب متتابعة، تخللها معارك واعتداءات متتالية، وكانت كل حرب مدخل لتجريف جديد، ولما اعتنى الفلسطينيون ببناء أراشيف مهاجرة، كان أبرزها أرشيف مركز أبحاث منظمة التحرير كان مصيره أيضًا التجريف، وما زالت الحروب مستمرة والتجريف مستمر، لذا كما سبق وأشرت كان من الضروري الاشتغال على الاستفادة من تقنيات معاصرة لمحاولة إشاعة المواد الأولية وتوزيعها في أركان العالم المختلفة من خلال مثل هذا المشروع.
بلال محمد شلش: "فلسطين جرفت من تراثها الوثائقي كما جرفت من جزء أساسي من أهلها في حروب متتابعة، تخللها معارك واعتداءات متتالية، وكانت كل حرب مدخل لتجريف جديد"
- هل تعتقد أنه من الممكن أن نصل إلى أرشيف يُعبّر عن التجربة الفلسطينية بشكل دقيق، بمراحلها المختلفة وبتنوعها المكاني؟
هذا هدف وغاية نهائية لمثل مشروعنا، هناك الكثير من العوائق، بعضها مرتبط باندثار أراشيف وعجزنا عن الوصول المادي لأخرى، نحاول تجاوز ذلك، ونسعى إلى بناء أرشيف رقمي لفلسطين وحركتها الوطنية في جغرافيا فلسطين وشتاتها عبر الزمن الممتد.
- هل تقتصر وظيفة الأرشيف على حفظ الذاكرة فقط؟ أم أنه يُصمم ليعطي هذه الذاكرة شكلًا معينًا كي يخلق هوية؟
غاية الأرشيف في مرحلته هذه حفظ التراث الوثائقي وإتاحته للباحثين، لكن بكل تأكيد فإن بنية الموقع الحالي، كما عموم الأراشيف المعاصرة، إذ لم تعد الأراشيف مواضع حفظ، وإنما موضوعًا سيسهم في التأسيس لسردية تاريخية ما.
- لكل مشروع طموح، فهل يطمح "ذاكرة فلسطين" إلى التأثير على الكتابة التاريخية الفلسطينية؟
بكل تأكيد هذه غاية من غايات المشروع النهائية، خصوصًا وأن الكثير من أزمنة فلسطين والفلسطينيين وفعلهم ما زالت مناطق ظل، كما عبر عن ذلك الدكتور بشار دوماني، وجود مثل هذا الأرشيف بفهارسه المختلفة، يعزز من قدرة الباحثين على استكشاف مناطق الظل هذه، وإعادة النظر في كثير من الأدبيات السابقة، خصوصًا وأن جزءًا أساسيًا من هذه الأدبيات تأسس على نصوص وأدبيات استعمارية لغياب/ تغييب وثيقة أهل فلسطين وصوتهم.
- رغم أن الأرشيف يقوم على وثائق أساسية لفهم مجتمعنا وتاريخنا، إلا أن الاهتمام به يقتصر على الباحثين في العادة، فهل توجد لديكم تصور لجعله جذّابًا للجمهور العام؟
المرحلة الأولى، غايتها الرئيسية الباحثين، بالمعنى الواسع للكلمة، أي أن الجمهور المستهدف يتجاوز الأكاديميين من الاختصاصات المختلفة، خصوصًا التاريخ، الأنثروبولوجيا، السسيولوجيا، القانون، العلوم الأساسية. ليخدم أيضًا طبقات من الباحثين المحليين، كالمهمتين في التواريخ المحلية وتاريخ العائلات.
والغاية في المرحلة التالية أن نعمل على تقريب المحتوى المختص، لعموم الجمهور، وتوفير أدوات مختلفة تتنوع بتنوع الجمهور المهتم بفلسطين قضيتها وتاريخها.
- هل توجد تجارب عربية مهمة في مجال الأرشفة؟
بكل تأكيد هناك مشاريع مختلفة في مجال الأرشفة الرقمية خلال السنوات الماضية، فلسطينيا هناك مشاريع رائدة كمشاريع مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومشروع الأرشيف الرقمي للمتحف الفلسطيني، وهناك مشاريع أخرى كمشروع أرشيف التاريخ الشفوي الفلسطيني المدار من الجامعة الأمريكية في بيروت، كما يلحظ اهتمام استثنائي من قبل بعض المكتبات الوطنية العربية، والجامعات في هذا الجانب، كمشروع المكتبة العربية، ومشاريع الأراشيف التي تشرف عليها المكتبة الوطنية في قطر.