من حسن حظّي إنني كلّفتُ عرافة أمسية الاحتفاء بإصدار "في مديح الوقت" مؤلّف شعري لافت للشاعر والمثقف مرزوق الحلبي. حاولت يومها أن أقف على سرّ هذا المؤلّف وصاحبه فسألته سؤالين يتّصلان بجوهر التجربة. وشعرت بهذا الفيض من الشعر والحِكمة. لحظتها قرّرت بيني وبيني أن أواصل الحوار معه قاصدًا أن أحفر وأحفر في طبقات شعرية ومعرفية أخرى لدهشتي ودهشة سواي.
الحلبي كاتب وشاعر وناقد من فلسطين. يكتب في العديد من المنابر الصحافية. آخر أعماله مُؤلَّف شعري بعنوان "في مديح الوقت".
- أنت الأكاديمي والحقوقي والباحث والصحفي والمستشار الاستراتيجي.. ما الذي أقحمك باب الشعر بهذه الحميّة وهذا الكم والنوع معًا؟
أنا في الشعر أكمّل أنا في الحقول الأخرى. أنا الشاعر يأتي ضمن أنا المُبدع والمنتج والمثقّف. أنا بحاجة في موقعي عُرضة للقهر بحاجة إلى كل وسائل الكتابة والإنتاج الذهني والبحثي والأدبي الفني كي أكون وكي أكتمل. أنا بحاجة إلى الشعر لأحاور ذاتي وأتجاوزها في كل قصيدة من جديد. أنا بحاجة إلى الشعر لتواصل حميم مع ذاتي الفاعلة المجرّبة لأصححها وأبريها لأجعلها أكثر نفاذًا وتأثيرًا في الواقع. الشعر هو كلامي مع ذاتي الجوانية وحوارًا حميميًا معها. أكتب الشعر لأصحح مواضع الخلل في الكون الرحيب. أكتبه في إطار سعيي الفردي لإقامة العدل. فشعري هو حرب لا هوادة فيها ضد القُبح ـ القبح في الشعر والثقافة والسياسة والاجتماع والاقتصاد وفي كل حقول حياتنا. الشعر عندي نشيد يتجدّد للحريات ضد الطغيان والقهر والسلطات كلّها. الشعر عندي وسيلتي المُثلى لاكتشاف الحقيقة وقولها.
مرزوق الحلبي: لا أومن بمشروع شعري جدّي لا يشتغل بالقضايا الوجودية الكبيرة الذاتية والقيَمية. شِعر التسالي واللهو هو كلام عابر لا يُعوّل عليه
- أنت إذًا لا تكتب الشعر من أجلِ الشعرِ ولا من أجل الكتابة وكما يُنظّر البعض؟
لا أومن بمشروع شعري جدّي لا يشتغل بالقضايا الوجودية الكبيرة الذاتية والقيَمية. شِعر التسالي واللهو هو كلام عابر لا يُعوّل عليه. مهمتي كشاعر وكمثقّف أن أمسك بالوقت من عنقه وأطقّها على رُكبتي. ومؤلّفي الجديد محاولة أخرى لفعل ذلك. نصوصي تحاول أن تُمسك الكون والزمن معا وتُخضعهما لمشيئتي. أنا أعترف بهزائمي وخيباتي وضعفي الإنساني لكني لا أتنازل عن طموحي في أن أخلق الكون من جديد على هواي. في أن أكتب متجاوزًا المكان والزمان إلى ما هو أكثر جوهرية في الوجود. لا أعادي الزمن ولا أعلن عليه الحرب بل أمدحه كما ترى في عنوان المؤلّف كي أقول إنني واثق من قدرة الشعر على تطويع العصيّ الجامح ـ الزمان بوصفه الإمام والسيد. وأنا إذ أثنيه فإنني أكون قد كسرتُ كل سُلطة مهما عظُمت. والشعر الشعر وسيلتي الناعمة للقيام بذلك. إنه طاقتي القادرة على كل شيء. خاصة إن مصدرها هو العقل الكلّي الذي أقاربه في كل نص وأتمنى أنني أفلحت في الاندماج والاتحاد فيه.
اقرأ/ي أيضًا: مكتبة مرزوق الحلبي
- قصيدتك متعددة الإيقاعات والمعمار ـ مرسلة وموقّعة، قصيرة اختزالية وطويلة تدقّ الأرض بقوة، نثرية تمامًا مباشرة أو مواربة ـ كأنك لا ترسو على برّ واحد ولا تُبحر في بحر واحد؟
من حيث المبدأ أقول إن الشعر يُمكن أن يعيش في عمارات وأبنية عديدة. وأضيف إن القصيدة الجميلة أو الفنية غير مشروطة بمبنى القصيدة أو إيقاعها أو وزنها أو قافيتها أو تفعيلتها. الشعر كيان حرّ كالهواء ستجده في كل الأمكنة إذا تيسّرت له. كأنه روح تسري قادرة على إحياء أية بُقعة. ستشعر بها، ستحسّ بوجودها ستشمها وتراها لكن ستجد صعوبة في حصرها ضمن تعريف أو كلام محدّد. وقصائدي متنوّعة المعمار لكن الشعر فيها واحد. أحيانًا يفرض الموضوع رتمًا أو معمارًا معيّنًا لكن الشعر هو الشعر. أسعى إليه بشغف ناسك كحامل للفكرة والدهشة وهي أبقى من كاتبها. أشقى كي أجعل من قصائدي علامات تبقى بعد أن أفنى أنا. وللأفكار قوة تفوق قوتي الشخصية ملايين المرّات وإن كنتُ مُبدعها. أتمنى أنني استطعت الحفاظ على روح الشعر في كل قصائدي على تنوّعها وأنني أضفت إلى هذا الوجود أفكارًا مصيرها البقاء لا بدّ أن هناك من هم مستعدّون لالتقاطها وحملها إلى زمن آت.
- الشعر.. هل تعرّفه لي، لنا؟
الشعر يتأتّى من قُدرتِنا على الإفلات من قبضة اللغة العادية ومبانيها الآسرة وإنتاج لغة جديدة من خلال الاستعارة والمجاز والكناية ـ وكلّها تفترض تغييرًا في مواقع المفردات ودلالاتها الأولى. هو تشكيل مُغاير للجُمل وعموم الكلام والتراكيب لخلق العالم الجديد بإيحاءاته وصوره وعناصره، وهو عالم يُفترض أن يكون مُدهشًا وجميلًا وساحرًا وفاتحًا الباب أمام المتلقي كي يتمتّع أو يُصعق أو يُطلق صرخة دهشة أن يقول: "كنتُ أودّ لو أنني صاحب هذا النص". الشعر هو الكلام المصفّى. ويتطلّب من صاحبه ذكاء لُغويًا وجُرأة الخروج على اللغة من داخلها. فلا خلق جديد إلا بلُغة جديدة. وعليه، أرى على كثير من الشعر تكرار وجزء من ثقافة الاتّباع والنقل لا الإبداع. أن تكتب عن شعر الحبيبة أربعين عامًا يعني أن تدور أربعين عامًا في عشرين مفردة معروفة مسبقًا. أن تكتب طيلة عُمرك الشعري عن القضية ولا تكتب عن نفسك، يعني أن تأتي بما أتى به الأوّلون، كلامًا مكرورًا. من هنا أهمية أن يكون الشاعر مثقفًا واسع المعارف. وهذا يتطلّب أن يكون الشاعر قارئًا جيدًا. ولا يضرّه أن يكون نهِمًا وفي حقول معرفية عديدة، خاصة فيما يتصل بالشعر والإبداع والنظريات والمدارس الأدبية والفلسفية. أنت بحاجة إلى جهد معرفي كبير كي تُنتج لغتك الفريدة، وإلى فكّ الحرف فقط كي تحفظ اللغة المتداولة على الألسن القابضة على روح الإبداع. أنت بحاجة لتطوير موهبتك إذا وجدت بالتعلّم والتدرّب ومعرفة سيرورة تطور الشعر وتجليّاته. ليس في لغتك فقط بل في اللغات الأخرى المتيسرة لك أو المترجمة إلى لغة تعرفها. أنت بحاجة إلى اقتفاء أثر الشعر في سيرورته وتجليّاته وهي ليست ثابتة أو واحدة. وأنا في الشعر ليس واحدًا ولا ثابتًا. لي أكثر من تجلٍّ وطور.
مرزوق الحلبي: الشعر فعل تأليف بامتياز. هو فعل عقلي مُدرك. بالنسبة لي هو ثمرة جهد سنين من التدرّب والتجربة والخطأ والدراسة الأكاديمية والذاتية واكتساب المعارف
أنا شخصيًا فضّلت بشكل واعٍ القصيدة المُرسلة أو الحرّة. فهي تمثّل بالنسبة لي أفقًا مفتوحا للابتكار بينما تمثّل القصيدة الموزّعة بين صدر وعجز أفقًا مسدودًا. الأولى تمثّل الحداثة في مبناها واحتمالاتها والثانية تمثّل الجمود والنزعة الماضوية. والشاعر كالشعر عليه أن يكون مستعدًا ومفتوحًا للتحوّل والتجريب والتجاوز. والشعر كالماء الجارية القادرة على التخلّص من أحمالها الزائدة في سعيها إلى النقاء. على أي حال، أنا مع التركيز على الشعر وشروط نموّه في النص مهما كان معماره. أحب العمارات المفتوحة للشمس والريح والخيال والأحاسيس على تلك المكوّنة من علبٍ فوق علبٍ ومن رتابة قاتلة في تصميم الشبابيك والأبواب والواجهة والتعبات والحدائق. المعمار الشعري فيه مقولة. ومقولتي واضحة في مؤلّفي الشعري.
اقرأ/ي أيضًا: نهاية الشعر العربي
- أسميته "مؤلّف شعري" وقد جاء في 320 صفحة من الحجم الكبير، وبطبعة غاية في الأناقة، ضمّنته نصوصك الممتدة على أكثر من عقدين.. خطوة مغايرة لما هو مألوف وبكل المعايير؟
الشعر فعل تأليف بامتياز. هو فعل عقلي مُدرك. بالنسبة لي هو ثمرة جهد سنين من التدرّب والتجربة والخطأ والدراسة الأكاديمية والذاتية واكتساب المعارف. إلى حدّ ما، المؤلّف صورة عن مكتبتي المؤلّفة من عشرة آلاف كتاب وما يزيد في شتى أنواع المعارف والحقول. أنا أؤلّف القصيدة ولا أكتبها. أبنيها مفردةً مفردةً وجُملةً جملةً. وهذا عكس الفرضية الرومانسية القائلة بأن القصيدة تكتب الشاعر أو إنها تنصاع له بمجرّد أن يهمّ بها. هذا صحيح عندما كنّا مراهقين ونريد أن نتفلسف. لكن الكتابة الشعرية رحلة شاقة بقصد تشييد عوالم جديدة مُدهشة وإكسابها المعاني التي أشاء. من هنا فالكتاب هو ثمرة سيرورة تأليف. كذلك العمل على إخراجه الفنّي ـ من اختيار "الفونت" حتى تصميم الغلاف والألوان وقطع الورق وأدقّ التفاصيل. لا أحبّ ظاهرة إشهار المجموعات الشعرية بصخب لا يتماشى مع المضامين أو مستوى النصوص. أردت أن أقول إنه ليس كل ما كتبتُه يستحقّ النشر في مؤلّف، وإن الشعرَ ينبغي أن يسكن إصدارات أنيقة ومشغولة بشغف تليق به لا في كتيّبات لا شيء فيها يدعو إلى الشعر، لا شكلها ولا طباعتها ولا مضامينها. قلتُ لك في بداية حوارنا إن الشعر هو ثورة ضد كل ما هو قبيح خاصة القبح الذي يصنعه الإنسان بيديه.
- هل أثار مؤلّفك ردود الفعل التي كنتَ تتوقّعها؟
أنا ابن جيل لا يزال مسكونًا ببعض الحياء وبعض التواضع، ومن هنا لم تكن توقّعاتي عالية. مع هذا أحببت كأي مُبدع أن يُحدث مؤلّفي حالة شغب ما. وقد حصل. الأهمّ إن الأوساط الأكاديمية اهتمت به وأعرف إن بعض أستاذة الأدب العربي يُدرّسون نصوصًا منه أو يُرسلون طلابهم إليّ لإعداد وظائف عن شعري. أمر آخر هو إن هناك أستاذة إيطالية للأدب العربي تعدّ ترجمة لنصوص اخترناها سويّة من المؤلّف. كما إن هناك ترجمة لقصائد مختارة من الكتاب ستصدر باللغة العبرية. وهناك مفاجآت أخرى تحدث لي. مثلًا، عندما يتصل بي أحد معارفي ليقول إنه جعل عادته اليومية التعمّق في نص أو نصّين من المؤلّف كل يوم. وآخر اختارَ المؤلّف ليكون رفيقه في رحلة استجمام في جزيرة نائية هي مدغشقر. أو عندما يقرأ مذيع البرنامج الإخباري نصًّا مترجمًا لي كفاتحة لذاك النهار. أو عندما تتصل بي مدرسة اللغة العربية طالبة الإذن للعمل على نصوصي وقراءتها في هذه المناسبة أو تلك. هذا عدا الأمسيات التي نُظمت على شرف المؤلّف، وأقف على عتبة موجة جديدة منها ـ هذه كلّها أحداث تتمحور حول المؤلّف بكل ما فيه خاصة المضامين. هذا يُغبطني ويُطري على شعري.
مرزوق الحلبي: الأدب الرثّ لا تعلي شأنه الجوائز بل تفضحه أماسي التكريم. الشِعر أو الموهبة الشعرية لا تُشترى بالمال وهناك وفرة منه الآن
- على الرُغم من إن نصوصك في المؤلّف تهتك كل شيء ـ مفاهيم ومراكز قوى ومُعتقدات وسلطات وإيديولوجيات وعقائد ـ وتذكرها بالاسم، وهذا مثار للمتاعب في واقع من العصبيات والتحزّبات والعلاقات المتوتّرة بين مراكز القوى والأشخاص؟
هذا خيار يعتمده الشاعر وقد يدفع ثمنه أو يقبض ثمنه. أنا اخترت طريقي بوعي وإدراك للتبِعات. وأقول لهم يسرّني أن نتفق لكني لا يضرّني أبدا أن نختلف. أنا مختلف مع نفسي أحيانًا سعيًا لبلوغ الائتلاف. والأمر نفسه مع الواقع والكون. وقد لا أنجح. مع هذا أصرّ أن أكون حاضرًا بقوة على الأقل مع ذاتي وشعري وأفتح النار من هناك على كل ما أراه خطرًا على العدل كأولى الفضائل. وحمل الحقيقة رايةً بحاجة إلى جرأة وطاقة جبارة على الحياة. وهذا مبعث خصومات لا تنتهي ومصدر توتّر في العلاقات بيني وبين الكون والناس. قد يُصيبني الأذى أو يلحقني الشرّ إلى بابِ بيتي ـ حتى الآن نجوت. ربّما لأنني شاعرٌ مَسوّغ لا أكتب من مزاج ولا أرمي كلامي كسكّير. أحمل مسؤولية الكلمة أعلى من قامتي وأسير بها مع كامل يقظتي وشغفي. قد يكون رصيدي في الحقول الأخرى شفيعًا لي أو ما يُشبه السترة الواقية ـ رصيد فكري وأكاديمي وشخصي ونضالي، رصيد يحميني من الأذى أو يقلّص كلفته إذا حصل. فأنا مثابر في نزعتي الأخلاقية وفي منهجي العقلاني المنفتح وفي استنارتي ونقديّتي منذ بدأت عملي الكتابي في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية بداية الثمانينيات. أنا في سنّ وموضع من الحياة والإنتاج لا أستطيع فيه الانعطاف إلى زاوية أرتاح فيها كسيارة تعبت من الطريق. لا يزال قلبي معبأ بالحبّ والغضب بالخيبات والآمال وهي جهنّم الصراعات المُنتجة للحيوية. وبوصلتي لا تزال تعمل بكامل طاقتها، تؤشّر على مواضع العدل وتخز الجهة المعاكسة. حالة تُنتج الشعر وتمدّه بنسغه وبما يحفظ شبابه وجاذبيته ونزواته. لا زلت أجري بالسرعة ذاتها يوم كنتُ صبيًا في الحارة ويسكنني الشغف ذاته في اختراق سور الصبّار إلى حقل الجيران لالتقاط حبّات اللوز أو الجوز البلدي، أو لأسرق كوز رمّان أهديه لابنة الجيران التي خيّل إليّ أنها أحبتني.
اقرأ/ي أيضًا: تشارلز سيميك والكتابة في العتمة
- قرأت لك مؤخّرًا نصًّا استوقفني طويلا تقول فيه: "إذا كتبتَ قصيدةً فلا تجرّها وراءكَ كعنزةٍ ذليلةٍ/ أو تسوقها أمامَك مثلَ فرقةٍ للمُشاةِ/ لا تركبْها كديكٍ/ بلْ قُلْ لَهَا كلامًا طَيِّبًا/ وكُنْ صَادِقًا معِ الدَّلالاتِ/ لا زانيًا بالكلامِ/ فيفضحكَ الشعرُ/ ويجعلَكَ لطخةً في زاويةِ الليلِ". هذا ليس النص الأول والأخير الذي تتحدث فيه عن الشعر والكتابة، ففي مؤلّفك باب كامل هو "لُغة لم يدخلها أحد" تخصصه لهذه التيمة؟
نظريتي في الشعر والكتابة الإبداعية بسيطة ـ القصيدة بحاجة إلى الصدق معها ومع ذاتك. الكتابة عمومًا بحاجة إلى الصدق كي تستقيم وتصل. وهناك من ينتحل القصيدة والكتابة. يمثّل أنه شاعر أو كاتب ـ والتمثيل بمعنى التزييف قائم في كل نواحي حياتنا. المنبر لا يشفع للقصيدة إذا كانت مزوّرة ولا الاستعراض يُعطيها قوائم كي تستقيم. القصيدة الرديئة رديئة لو عادت أم كلثوم إلى الحياة وغنّتها. الشعر الرديء لا تستره المنابر بل تفضحه المنابر. الأدب الرثّ لا تعلي شأنه الجوائز بل تفضحه أماسي التكريم. الشِعر أو الموهبة الشعرية لا تُشترى بالمال وهناك وفرة منه الآن، بل تربّى بالتدريب والعمل الشاق وبإرادة التعلّم. في حياتنا الأدبية ـ والعامة ـ في البلاد أو خارجها "شعراء" و"أدباء" منهجهم التزييف والانتحال والتمثيل يركضون وراء النجومية أو الشهرة لا وراء الشعر. يسعون لكسب رضا السلطان أو الحزب لا رضا القصيدة والأدب والفن الإبداعي. وأنا إذ أكتب عن هذه التيمة إنما أحاول محاولتي المتواضعة في التأشير على مواضع القُبح الشعري والمنبري مقابل مواضع الدهشة والإشراق. والمعادلة بسيطة: إذا صعدت منبرًا كشاعر فكُن صادقًا وإلا فضحك الشعر لأن الشعر كالحقيقة تكوي من لا يقولها كلّها! لا يُقنعني الشاعر الذي يقول "أنا أكتب الشعر وهذا يكفي". أتوقّع من الشاعر أن يقول شيئًا عن الشعر وعن القصيدة وعن الإبداع وعن الحق أو غيابه وعن الفقر والجوع. كثير ممن يكتبون يختبئون وراء النصوص كلّما سألناهم رأيًا أو موقفًا من مسألة أخلاقية أو إنسانية. يخشون ـ إذا ما أجابوا أن يُغضبوا هذا وذاك فلا تتمّ دعوتهم إلى هذه الأمسية أو ذاك المحفل. من هنا صرتُ أخاف على الشعر من المهرجانات ومن المنابر والمنصّات. فهي غالبًا ما تستضيف اللا شعر والأقلّ شعرًا بينما الشعر النقيّ في مواقع أخرى. عند طبيب في عيادته وعند مربيّة في عملها وعند امرأة متمرّدة في حانتها ـ أكثر ما أصادف الشعر في مثل هذه المواقع لا في المنابر والولائم. وهؤلاء يكتبون القصيدة ويصفقون لها كي تطير وتحلّق.
اقرأ/ي أيضًا: