"نحن مغاربة ونعلن خروجنا عن القانون!"، صرخة مجتمعية جديدة أطلقها المغاربة، وقبل إعلانها هكذا، لا تعدو أن تكون تحصيل حاصل لحقيقة عيش العديد منهم، هؤلاء الذين ارتضوا الحب، أو العلاقة الجنسية خارج مؤسسة الزواج، التي هي، بحسب المُشرّع المغربي، الشكل القانوني الوحيد الذي يبيح العلاقة الجنسية بين شخصين بالغين راشدين.
أسست في المغرب حركة "خارجون عن القانون" للمطالبة بإسقاط التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية خارج مؤسسة الزواج
من هنا جاءت حركة "خارجون عن القانون" المطالبة بإسقاط التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية، في تحرك جديد للقوى النسوية بالبلاد. ومع أول صدور لبيانها يوم الإثنين 23 أيلول/سبتمبر الجاري، خلقت الحدث بين متعاطف ومناهض، وأعادت نقاش المسكوت عنه للعلن.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. كل شيء ساخن على جبهة الحريات
مغاربة وخارجون عن القانون
"الفكرة أول الأمر كانت للكاتبة المغربية ليلى سليمان والمخرجة صونيا طراب"، تقول كريمة ندير إحدى المشتغلات على البيان الأول للحركة، مضيفة في تصريحها لـ"الترا صوت"، أنه "لا يجب ربط هذه الخطوة مباشرة بقضية هاجر الريسوني"، الصحفية المغربية المتهمة في قضية إجهاض وعلاقة رضائية خارج إطار الزواج.
وأوضحت ندير: "بل الخطوة هي نتاج لما أشاعته القضية الأخيرة من عودة لنقاش الحريات الفردية في المغرب وكذلك ترتبط بالزخم الاحتجاجي العام الذي تعرفه المنطقة العربية ككل. كما لا يمكن عزلها كذلك عن المسيرة النضالية للفعاليات المغربية في هذا الشأن، فهي بالتالي استمرار لخط النضالات الذي طبع تاريخ المغرب الحديث".
ويوم الإثنين الماضي، في الساعة التاسعة صباحًا بتوقيت الرباط، أُعلن عن خروج الحركة للعلن، في بيان مستهله: "نحن مواطنات ومواطنون مغاربة، نعترف بأننا خارجون عن القانون. نعم، نحن نخرق كل يوم قوانين جائرة، قوانين بالية أكل عليها الدهر وشرب. نعم، عشنا أو لازلنا نعيش علاقات جنسية خارج إطار الزواج"، في إشارة إلى الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي، والذي ينص على أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، ويُعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة".
الفصل 490 معروف لدى كل المغاربة، غير أنهم تعلّموا كيفية التحايل والإبداع في خرقه، في مفارقة يستنكرها بيان الحركة، قائلًا: "كيف ندّعي الالتزام بها، ونكذب. لكن، لكم من الوقت بعد؟ كما لو أن الاختباء صار جزءًا من طبيعتنا! كما لو أنها غريزة البقاء تجعلنا نتحايل على النصوص حتى نعيش اختياراتنا وحياتنا!"، وهو تحايل يوقع الكثيرين في براثن المساءلة القانونية وعقوبة السجن، جزاءً عن علاقة لا تخضع للمنصوص عليه.
بلغة الأرقام، في سنة 2018، بالمغرب، حُوكم أكثر من 14 ألفًا و503 شخص بالفصل 490 من القانون الجنائي، كما تمت محاكمة 3048 شخصًا آخرين بتهمة الخيانة الزوجية، هذا إضافة إلى معدل من 600 إلى 800 حالة إجهاض سري في اليوم، حسب ما تعلنه الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري.
في ظل هذا الواقع، يُطلق بيان "خارجون عن القانون" نداءه للتغيير. وتحدد الباحثة في علم الاجتماع، ومديرة موقع مرايانا المغربي، سناء العاجي، هدف هذا النداء في: "إطلاق النقاش مجددًا حول موضوع الحريات الفردية".
وتوضح العاجي: "لا يعقل أن ندخل السجن أشخاصًا بسبب علاقات شخصية رضائية، سواء كانت مثلية أو غيرية"، مشيرةً إلى أن هناك من هو "أحق بالعقاب"، تقصد من "يعتدون على حقوق الغير وسلامتهم من متحرشين ومغتصبين وغيرهم".
زخمٌ في المجتمع المغربي
في حديثها لـ"الترا صوت"، تفكك العاجي ما تعتبره "معالم المغالطة" المقامة في وجه دعوات كالتي نادت بها حركة "خارجون عن القانون"، والتي تربط الدفاع عن صون الحرية الفردية بـ"الفساد الأخلاقي".
وتقول: "احترام الحريات الفردية لا يعني أن الفرد سيكون مجبرًا على القيام بأشياء لا يؤمن بها. على العكس هو أنه لن يفعل ذلك جبرًا بالقانون، بل لأن ذلك يناسب قناعاته واختياراته الشخصية، وهذا يعطي لممارساته قيمة حقيقية، لأنها تصبح نتيجة اختيار وليس خوفًا من الآخر أو من الشرطة. بالمقابل، فالأشخاص الذين لديهم اختيارات شخصية أخرى أو قناعات مختلفة، سكيون من حقهم ممارستها بحرية ودون وصاية من المجتمع أو القانون".
رغم ذلك لازالت هذه المقاربة عسيرة الهضم وسط المجتمع المغربي، ويدل على ذلك ردود الفعل التي أثارها إعلان الحركة التي صحيح أنها حصدت تعاطف أكثر من ستة آلاف وقعوا عليها، بينهم أسماء وازنة إعلاميًا وثقافيًا وفي المجتمع المدني، لكن قسمًا آخر، آثر الرفض أو على الأقل التشكك من هذه الدعوة.
من هؤلاء، الباحث المغربي إدريس الكنبوري، الذي تساءل في تدوينة على فيسبوك: "لماذا خارجون عن القانون؟ المفروض أن هؤلاء يؤمنون بالحداثة، الموضيرنيتي هي الإيمان بالدولة وقداسة القانون واحترامه والمطالبة بتغييره في نفس الوقت".
واعتبر الكنبوري أن "الخروج على القانون هكذا علنًا، وفي بيان تدافع عنه جريدة لوموند الفرنسية من دولة القانون والثورة الفرنساوية، معناه الفوضوية والعدمية والفتنة".
ويوافق هذا الرأي، رشيد عشعاشي، الكاتب والباحث المغربي، كما أوضح في تصريح له لقناة "روسيا اليوم"، معتبرًا أن ما يحدث هو "اختطاف" لقضية هاجر الريسوني، واستغلالها في مطالبات وصفها بـ"البورجوازية" للضغط على الدولة في هذا الخصوص.
ويرى عشعاشي أن الشعب المغربي ليس في حاجة لحريات فردية، بل إلى حقوق اجتماعية، وأن من وراء "خارجون عن القانون" ليسوا إلا أقلية قليلة تمارس ابتزازها للدولة باستغلال الإعلام الدولي والضغط لتحقيق مطللبها.
فيما علق صاحب الصفحة المشهورة "إسرافيل المغربي" على القضية، في تدوينة، قال فيها إن "الذي تغفله الحركة هو أن المسألة ليست إخبار الدولة بوجود هذه الحالات في المجتمع وكثرتها، والتي أجهزتها على علم مسبق بالأمر، بل إقناع المجتمع المغربي الذي يعيش حالة من الانفصام بممارسة الفعل واستنكاره أخلاقيًا بجدوى تلك المساعي".
وفي تفاعل سياسي يتيم مع هذا الزخم الاجتماعي، أعلن عمر بلافريج، النائب البرلماني المغربي عن تحالف فديرالية اليسار، عن نقله مطالب الحركة إلى البرلمان، بتقديمه مقترحات لتعديل القانون الجنائي مع الطرح المرتقب لهذا الموضوع للنقاش والمصادقة.
جاء ذلك خلال البودكاست أسبوعي الذي يقدمه النائب المذكور كحصيلة لأشغاله، والذي قال فيه إنه سيتقدم بمقترحات إلغاء القوانين المقيدة للحريات الفردية، كالفصل 490 (المجرم للعلاقات الرضائية) والفصل 489 (المجرم للمثلية). مؤكدًا على أن "كل مواطن راشد هو مواطن حقيقي وليس بقاصر"، وأنه "ينبغي فتح النقاش داخل المجتمع حول هذه المواضيع لأنه لا يمكن بناء المواطنة دون احترام الراشدين وحماية القاصرين".
المسكوت عنه في وجه التشريع
"نعم هنالك انتقال جنسي في المغرب"، تقول صاحبة كتاب "الجنسانية والعزوبة"، الباحثة المغربية سناء العاجي في حديثها لـ"الترا صوت"، مضيفة: "نلمس هذا على عدة مستويات، أهمها الثقافة الشعبية، فعلى سبيل المثال، يوجد عدد من النكات تأخذ الجنس موضوعًا لها، تسخر من الحياة الجنسية لإمام المسجد، ومن الخيانة الزوجية، ومن البنات اللواتي تدعين الطهرانية والبكارة، في حين أن لهن خبرات عديدة قبل الزواج خارج الجنس المهبلي"، ويمثل هذا هذا بالنسبة للعاجي دليلًا أركيولوجيًا على هذا الانتقال، بما هو اعتراف ضمني بوجود هذه الممارسات وكثرتها، مترجم في خطاب النكتة والسخرية الذي يكشف أكثر ما يستر القضية.
"ما يؤكد هذا كذلك وجود عدة مجموعات مغلقة داخل وسائل التواصل الاجتماعي يتم داخلها تبادل تجارب جنسية واشتراكها بين مرتاديها، ذكورًا كانوا أو نسوة فيما بينهن"، تقول العاجي.
لكن، ما الذي يعنيه هذا؟ تجيب العاجي: "يعني أنه دليل على وجود تلك الممارسات وبكثرة، غير أنها دائما ما تنطق بلغة الصمت: في النكتة أو همسًا داخل الأماكن الضيقة والمغلقة".
وتوضح أن "نفس الأشخاص الذي يشاركون تجاربهم، إذا طلبت منهم تصريحًا صحفيا أو مشاركة تلك التجارب في إطار دراسة بحثية، سينقلبون للإجابة بلغة المحافظة والرفض لهذه الممارسات"، ما يدل حسب المتحدثة على أن "المجتمع المغربي لم يبلغ بعد طور الحداثة، لكن لسنا محافظين كذلك"، ما يجعل نقاش الحريات الفردية والصدامية، حوله سمة لمرحلة انتقالية يعيشها المجتمع، وتحول من طور جنساني إلى آخر.
تحول اجتماعي لا يدخل فقط في إطار صدامية أيديولوجية، بين تيار محافظ وآخر حداثي، بل يتغلغل في ارتباطه بالتشريعات القانونية إلى عمق السؤال السياسي بالمغرب، هذا ما يوضحه علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، في حديثه لـ"الترا صوت".
ويرى الشعباني أن المشرع المغربي في علاقته بهذه المسألة، واقعٌ بين رهانين: الأول هو دين دولة وعادات وتقاليد المجتمع، والثاني هو دسترة المغرب للمواثيق الدولية، بما فيها مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان والحريات الفردية، ما يدفعه إلى توفيق ترسانته القانونية وهذا الخيار الذي اتخذه، "خصوصًا وهناك جمعيات مجتمع مدني وطنية ودولية تضغط بدورها في هذا الصدد"، كما يقول الشعباني.
لكن هل هذه القوانين تواكب التغيرات التي يعرفها المجتمع؟ يجيب الشعباني: "حاليًا، هناك تحفظات عديدة، لكن لا أظنها ستصمد أمام مبدأ آخر وهو مبدأ التطور الاجتماعي. وهذا ما تدل عليه كل التغيرات التي حدثت في القوانين المغربية، من مدونة الأحوال الشخصية التي سنت في بداية الاستقلال إلى مدونة الأسرة التي أقرها المغرب سنة 2004. ومدونة الأسرة بدورها تعرف نقائصًا، لهذا نجد الآن العديد من المطالبات بتغييرها، وستتغير بالضرورة في المستقبل أو تعدل".
ضرورة تغيير أو تعديل للقوانين، لا تمنع أستاذ علم الاجتماع بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، من استصعاب الحديث عن إسقاط تجريم العلاقات الرضائية أو الإجهاض، إذ يرى أن "أول ما يحول دون ذلك هو الدين. لأن الدستور المغربي يقر بالإسلام كدين رسمي للدولة، ورجال الدين بدورهم يناهضون أي تغيير في هذا الصدد. لذلك فالدين والعادات الاجتماعية والثقافة الموروثة ترفض هذا الأمر وتعيقه".
كما يذكر أنه في خرجة إعلامية سابقة له، ربط وزير العدل المغربي ممارسة الحريات الفردية بشرط عدم مصادمة المجتمع، موردًا أن "العلاقات الجنسية الرضائية مثلًا بين راشدين بدون عنف، لا تعني المجتمع، ولكن يجب احترام الآخرين عند ممارستها".
لا تزال فكرة أن الحريات الفردية ليست فسادًا أخلاقيًا، عسيرة الهضم في المجتمع المغربي، ما يكشفه رفض الكثيرين لحركة "خارجون عن القانون"
لكن الأمر ليس بذات البساطة التي أوردها الوزير، هذا ما يدفع الممارسين لتلك الحريات إلى التحايل والاختباء والخوف من تلصص الجيران وهم في بيوتهم، ويمنح الصرخة التي أطلقتها حركة "خارجون عن القانون" معناها في هدف إطلاق نقاش إسقاط تجريم العلاقات الرضائية.
اقرأ/ي أيضًا: