بدأ التنافس يشتد بين وسائل الإعلام العربي، في نقل حيثيات ويوميات وطرائف الانتخابات الرئاسية الأمريكية حتى قبل أن يفصل الحزبان اللذان سيؤثثانها في من سيكونان فارسيهما فيها، إلى درجة أن بعض هذه المنابر الإعلامية خصصت مكاتب خاصة في واشنطن لتزويدها بالجديد يوميًا، بكل ما يقتضيه الأمر من مال وجهود ووجوه وعلاقات.
استقلت النمسا بحكم نفسها على عهد أمراء يابنبرج سنة 976، قبل أن تُكتشف أمريكا بخمسة قرون
في المقابل مرت الانتخابات الرئاسية في جمهورية النمسا التي استقلت بحكم نفسها على عهد أمراء يابنبرج سنة 976، أي قبل أن تُكتشف أمريكا أصلًا بخمسة قرون، مرور اللئام الذين يمرون على الآثار الكبيرة فلا يتركون إلا آثارًا صغيرة. ولئن كان هذا الاهتمام الإعلامي العربي من باب إدراكه دور الإدارة الأمريكية في تحريك القضايا العربية، خاصة في إطار التجاذب الإيراني/العربي، فإنه كان مطالبًا بأن يهتم بالانتخابات النمساوية من باب الحاجة العربية إلى إدراك دروسها وعبرها السياسية والحضارية في ظل افتقاد المشهد العربي اليوم إلى هذه القيم.
اقرأ/ي أيضًا: الإعدام في فلسطين.. الجدل الساخن والمهم
أولى هذه العبر وصول الخضر المدافعين عن البيئة إلى الرئاسة، من خلال السيد ألكسندر فان دير بيلين، 72 عامًا، بالموازاة مع خلو البرلمانات والحكومات العربية من حزب أخضر واحد في حدود ما أعلم، بل إن تأثير جمعيات المجتمع المدني العربي المتخصصة في الدفاع عن البيئة لم يرقَ حتى إلى فرض الجدية في رفع القمامة في وقتها بالطريقة التي تجب والتخلص منها بالطريقة المناسبة في المكان المناسب، وما رائحة تجربة بيروت في هذا الباب بخافية على الأنوف، علمًا أنها ليست التجربة العربية الوحيدة.
ثاني هذه العبر أن الفارق بين الرئيس الفائز ومنافسه السيد نوربرت هوفر مرشح اليمين، 45 عامًا، ليس ثلاثمائة وصوت أو ثلاثة آلاف وعشرة أصوات أو ثلاثمائة ألف وعشرة آلاف صوت أو ثلاثة ملايين ومائة ألف صوت، بل 31 صوتًا لا غير، في ظل فوارقَ عربية في "الانتخابات" الرئاسية، تصل أحيانًا إلى عدد السكان كلهم لصالح "مرشح الشعب"، ومن أطرف ما تسرب بعد التحولات التي وقعت بعد 2011 أن زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك كانا يجلسان قبل الرئاسيات ليناقشا النسبة التي "يتصدقان" بها على المنافس إلى جانب كونه "حظي" بشرف المنافسة.
قررت النمسا قبول 37500 لاجئًا سوريًا خلال عام 2016، وكانت أكثرَ الدول الأوروبية تظاهرًا من أجل حقوق اللاجئين
اقرأ/ي أيضًا: الإذاعة التي صارت محكمة في غزة
ثالث العبر مسارعة السيد هوفر إلى صفحته الفيسبوكية لإعلان اعترافه بفوز السيد بيلين الذي أضحى رئيسَه، وتقديم واجب التهنئة له ولأنصاره، في ظل واقع عربي نشأت فيه انشقاقات وحروب وفتن راح ضحيتها ثلث الشعب، بسبب عدم اعتراف أحد الطرفين بالنتيجة، وما تجربة علي عبد الله صالح بخافية عنا في اليمن رد الله عليه سعادته.
رابع هذه العبر يأتي في شكل معلومات تشكل أحلامًا لقطاع واسع من العرب، منها أن النمسا التي انضمت إلى فضاء شنغن عام 1995 بلغ فيها الناتج المحلي الإجمالي الأسمى للفرد الواحد 46330 دولارًا عام 2012، وتحتل المرتبة التاسعة عشر من حيث مؤشر التنمية البشرية، وقررت النمسا قبول 37500 لاجئًا سوريًا خلال عام 2016، وكانت أكثر الدول الأوروبية تظاهرًا من أجل حقوق اللاجئين في الفضاء الأوروبي، حتى إنها تحملت وصفها بالغباء من طرف حكومة هنغاريا بسبب "عدم تفريقها بين الغباء والتضامن".
اقرأ/ي أيضًا: