22-أكتوبر-2024
جيش الاحتلال الإسرائيلي

تفتقد إسرائيلية لرؤية واضحة حول إدارة غزة ما بعد انتهاء الحرب (رويترز)

تُروّج بعض الأوساط في إسرائيل لفكرة إسناد السيطرة المدنية على قطاع غزة لشركات أمنية أميركية، ويأتي طرح هذه الفكرة في وقتٍ يتزايد فيه الحديث إسرائيليًا عن اليوم التالي للحرب في غزة، وفي ظل عدم تمكّن حكومة نتنياهو من الإقناع بتصوّرٍ لحكم القطاع المدمّر.

فكرة إسناد السيطرة المدنية على القطاع لشركات أمنية أميركية، طُرحت من طرف النائب السابق لرئيس الساحة الفلسطينية في قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، أفرايم غانور، الذي يرى أن فكرة استقدام شركات أمنية أميركية خاصة للسيطرة على الجوانب المدنية في قطاع غزة، هي أفضل حل إسرائيلي لمعالجة فشل الاحتلال، والذي يتمثل في الحد من استمرار سيطرة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مدنيًا على القطاع، رغم مرور أكثر من عامٍ على العدوان الإسرائيلي.

ويذهب مهندس هذا الاقتراح في تبريره إلى القول في مقال على صحيفة معاريف:"إنّ هذا الحل الانتقالي يهدف لمنع تحول الاحتلال المدني الإسرائيلي إلى واقعٍ دائم، مع ضمان استمرار الاحتلال العسكري لقطاع غزة".

توجد عقبتان أمام صياغة التصور الإسرائيلي لما بعد الحرب هما: الرقابة الأمنية والرقابة المدنية، أو بمعنى آخر السيطرة العسكرية وتسيير الشؤون المدنية بالقطاع.

المرحلة الانتقالية: مقدمة ضرورية لترتيب اليوم التالي

يعتبر أفرايم غانور أن السؤال الأبرز لدى القيادة الإسرائيلية خلال الحرب على غزة كان "ماذا بعد انتهاء الحرب؟"، أي كيف ستتعامل إسرائيل مع غزة بعد انتهاء العملية العسكرية؟"، مؤكدًا في سياق الإجابة عن هذا السؤال المركّب أنّ "الانتقال من الحرب إلى مرحلة ما بعد الحرب -أو ما بات يعرف باليوم التالي للحرب- لن يحدث دون مقدمات، بل سيتطلب مرحلةً انتقالية ضرورية، لوضع أسس الواقع الجديد في القطاع".

وبحسب غانور، توجد عقبتان أمام صياغة التصور الإسرائيلي لما بعد الحرب، وهما "الرقابة الأمنية والرقابة المدنية"، أو بمعنى آخر السيطرة العسكرية وتسيير الشؤون المدنية بالقطاع.

لكن غانور يعتقد أنّ "العقبة الرئيسية التي تعدّ تحدي المرحلة هي مسألة الرقابة الأمنية، حيث لا توجد قوة دولية مستعدة لتحمل المخاطر في غزة، بينما لا تزال حماس تسيطر على أجزاء منها، إضافة إلى ذلك، فإن الرقابة المدنية تشكل تحديًا لإسرائيل، التي لا ترغب في أن يتحمل جنودها مسؤوليات مدنية مثل توزيع المساعدات، خوفًا من تعريض حياتهم للخطر".

ليخلص غانور من هذا كله إلى أنّ "الحل الأمثل" للعقبتين السالف ذكرهما، يتمثل في: "استقدام شركات أمنية أميركية خاصة"، ومن المهم عند المسؤول الإسرائيلي أن تكون الشركات الخاصة أميركية، لأنها في نظره "تتمتع بخبرة واسعة في إدارة مناطق النزاعات، برزت من قبل في العراق وأفغانستان" على حدّ قوله.

ويرى غانور أنّ "الهدف هو أن تتولى هذه الشركات تسيير الأمور المدنية في غزة، تحت إشراف إسرائيلي، على أن يقتصر دور إسرائيل على توفير غطاء أمني شامل في القطاع".

كما أوضح غانور أن هذه الشركات الأمنية "ستعمل فقط في مناطق إنسانية محددة، معزولة عن مناطق القتال، مثل شمال غزة، مما سيمكنها من إدارة توزيع المساعدات، وقطع صلة حماس بالسكان" على حدّ توصيفه.

يكشف غانور في مستوًى آخر من مقترحه، أن الهدف الأساسي منه هو  ما يسمّيه "خصخصة السيطرة المدنية" في غزة، حيث ستتولى الشركات الأمنية الخاصة مسؤولية الإشراف على الجوانب الإنسانية والمدنية، دون التدخل في العمليات العسكرية، قائلًا إنّ "هذا النهج يتيح لإسرائيل الحفاظ على سيطرتها الأمنية، دون أن تتورط في تفاصيل الحياة اليومية لسكان غزة، مما يحول دون تحوّل الحل المؤقت إلى وضع دائم".

ويتطلّب هذا بالتأكيد حسب غانور تعاونًا أميركيًا، فمن دونه لا يمكن أن يتحقق هذا المقترح، كما يضيف أنّ السبب في التركيز على الشركات الأمنية الأميركية الخاصة، هو كون الولايات المتحدة "قوة يمكن الاعتماد عليها في إسرائيل".

ويفترض غانور أن الأميركيين الذين يقولون في العلن إنهم "يعارضون إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط"، قد يجدون في "استخدام شركات أمنية خاصة" ضالّتهم، خاصةً أنّ مثل هذه الشركات ـ وفق تصور غانور ـ "أثبتت نجاحها في توفير الدعم اللوجستي والعسكري في مناطق نزاع أخرى".

مخاوف من تحول المرحلة الانتقالية إلى وضعٍ دائم:

من بين "المخاوف" التي عبّر عنها غانور في مقترح إسناد السيطرة المدنية على غزة لشركات أمنية خاصة، هي أن تتحول المرحلة الانتقالية إلى وضع دائم، مما يجعل "إسرائيل" حاكمة لمدنية لغزة، بما يترتب على ذلك من مسؤوليات قانونية في إدارة السكان، ولذلك فهو يؤكد أن "الهدف هو جعل الحل محدودًا زمنيًا، حيث ستتولى الشركات الأميركية المهمة لفترة معينة، قبل التوصل إلى نظام دائم ومستقر".

ويرى غانور في ختام مقترحه أنّ الحل الذي يقدمه "سيؤدي إلى إضعاف حماس تدريجيًا، عن طريق قطع صلاتها بالسكان ومواردها الاقتصادية"، مضيفًا في ذات الصدد أيضًا أنّ "تطبيق هذا النموذج قد يسهم في تغيير معادلة التعامل مع المختطفين الإسرائيليين، مما قد يؤدي إلى زيادة الاستعداد داخل غزة لإطلاق سراحهم"، مؤكدًا في نهاية المقترح أنّ "مقاربة الاعتماد على الشركات الأمنية الأميركية لملء فراغ السلطة المدنية في القطاع، وتجنب تحميل إسرائيل مسؤوليات إضافية، توفر حلًّا مؤقتًا، وتفتح الباب أمام نقاشٍ أوسع حول مرحلة ما بعد الحرب في غزة"، متسائلًا عن مدى قدرة إسرائيل على "التوصل إلى تسوية طويلة الأمد تضمن أمنها واستقرار المنطقة؟" وفق قوله.