رغم تعقد الموقف السياسي في لبنان، والتحديات التي تواجه الانتفاضة الشعبية، ورغم حوادث الاعتداء على المتظاهرين، إلا أن ميادين التظاهر لم تخلُ من أجواء كرنفالية، مزجت بين الاحتفال والاحتجاج، ومواقف التضامن بين الطوائف والمناطق، بعد أن كسرت بشكل واضح، جمود الطائفية والمناطقية في بلد يقوم نظام حكمه على هذا الأساس.
مثلت الأجواء الاحتفالية في الاحتجاجات اللبنانية سمة رئيسية لتفردها في ظل موجة الاحتجاجات العالمية والإقليمية
وفي حين بدا غريبًا بعض الشيء لبعض المتابع من الخارج؛ مثلت الأجواء الاحتفالية في الاحتجاجات اللبنانية سمة رئيسية لتفردها في ظل موجة الاحتجاجات العالمية والإقليمية.
اقرأ/ي أيضًا: التظاهرات اللبنانية.. احتجاج بالفكاهة
أرجيلة ودبكة وحفلات زفاف
لم تغب الأرجيلة، واسعة الانتشار في لبنان بشكل عام، عن المشهد الاحتجاجي. فقد حرص متظاهرون على تدخين الأرجيلة على أرصفة ميادين الاحتجاج، فيما وجده البعض رسالة منهم للتأكيد على البقاء في الميادين.
كما انتشرت حلقات الدبكة في الساحات على نغمات الأغاني مختلفة المواضيع. وكان لافتًا انتشار أغاني المهرجانات المصرية الشعبية في عدد من التجمعات، والتي جذبت كثيرًا من الشباب في لبنان، إلى جانب أغانٍ ثورية أخرى للشيخ إمام وكايروكي ورامي عصام.
من جهة أخرى، تحولت ساحات الاحتجاج إلى أماكن احتفال بالزفاف، بمشاركة عرسان فرحتهم مع المتظاهرين، فقد شهدت ساحة الشهداء في بيروت، مركز التظاهر والاعتصام، وكذا منطقة برجا بمحافظة جبل لبنان، حفلات زفاف استقبلها المتظاهرون بالدف والطبل والزغاريد، وانتشرت لها مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
راقصة الميدان
راقصة الميدان كانت واحدة العلامات المسجلة للانتفاضة اللبنانية، إذ ظهرت راقصة ببدل رقص شرقي، في ساحة الشهداء أمام جامع الأمين ببيروت، ترقص فوق إحدى السيارات وسط تجمع من المتظاهرين.
وكما أثار المشهد جدلًا بين المتابعين للاحتجاجات من خارج لبنان، أثار جدلًا داخل لبنان انعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، بين موافق ورافض على ما فعلته الراقصة "سماهر".
وفي حين أبدى قطاع اعتراضه، أكد آخرون على أن من حق الراقصة وغيرها إبداء التضامن مع مطالب المتظاهرين بالطريقة التي تريدها. بينما شكك آخرون في أن تكون الراقصة قد أرسلت لميدان التظاهر لـ"تشويه" الاحتجاجات، الأمر الذي استثمر فيه بعض المحسوبين على الطرف الآخر، المناهض للاحتجاجات، خاصة مع تردد أقاويل عن تعاقدها مع ثلاثة برامج بقناة "OTV" التابعة للتيار الوطني الحر، الذي يرأسه جبران باسيل.
الشيخ الراقص
في سياق متصل، انتشر مقطع فيديو من المظاهرات في طرابلس، تُظهر رجل دين بكامل زيه الديني، محمولًا على الأكتاف، يتراقص مع المتظاهرين على وقع مزيجٍ من الأغاني.
الفيديو الذي أثار بعض الجدل وتباينٍ في المواقف منه، علق عليه بطله، الشيخ عيّاش أحمد، ويعمل في المحكمة الشرعية بحلبا، قائلًا في تصريحات صحفية: "أنا من الداعمين لثورة الأرز ضد الفقر والحرمان، وقد نزلت إلى شارع الثورة في ساحة النور، لأنني لا أتمنى أن يأتي يوم اضطر فيه للوقوف على باب مسؤول من أجل الدخول إلى المستشفى، أو من أجل شراء قسيمة دواء، أو من أجل تعليم أولادي، ونزلت حتّى لا أتعرض للذلة والمهانة".
وأضاف عياش أحمد: "هناك من حاول أن يصطاد بالماء العكر وسوّق لفكرة أن شيخًا يرقص بالتظاهرة حتّى يتهجموا عليّ. لكنني مستمر في الاعتصام مع الثّوار، ولن يضرنا أيّ نقد أو دسائس أو مؤامرات، مهما تعرضت للتجريح الشخصي وللكلام النابي وهم يفعلون ذلك من أجل إبقاء الناس في بيوتها".
طرابلس.. عروس الثورة في لبنان
وفي طرابلس، ذات الأغلبية السُنية، لم تخل ساحة النور من المتظاهرين خلال أسبوع الثورة. وقد وصفت بـ"عروس الثورة في لبنان"، خاصة بعد سنوات من التشويه الذي طال المدينة بوصفها "معقل للإرهابيين".
وعلى ذلك، علقت الكاتبة اللبنانية نهلة الشهال بقولها إن مدينة طرابلس التي "نعت أهلها بأبشع الأوصاف" و"عاملها ساسة هذا البلد بفوقية واحتقار وإهمال"؛ هذه المدينة في هذه الاحتجاجات "انتقمت لنفسها بمناسبة هذه الانتفاضة الشعبية الهائلة، وأظهرت وجهها الذي يعرفه أهلها لو كان غاب عن سواهم: متمردة ولكن حقّانية"، على حد تعبيرها.
أبرز المتظاهرون في طرابلس، تضامنًا كبيرًا مع رفاقهم المتظاهرين في المناطق اللبنانية ذات الأغلبية الشيعية بعد الاعتداء عليهم
وفي هذا الصدد، يُذكر أن المتظاهرين في مدينة طرابلس، قد أبرزوا تضامنًا كبيرًا مع المتظاهرين في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، خاصة النبطية وصور، بعد الاعتداء على المتظاهرين من قبل قوات أمن وعناصر مسلحة. وبصورة عامة، ساد هتاف: "درزي مسيحي سنة شيعة.. هادي الثورة ما بنبيعها".
اقرأ/ي أيضًا: