القوات المسلحة تشارك فى إحباط محاولة هجرة غير شرعية فى البحر المتوسط، هكذا عبّر المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية عن رؤية المنظومة لحادث مركب رشيد، مشاركتهم في قتل مواطنيهم غرقًا لمحاولتهم الهرب من قبضتهم الظالمة ومن فكي الدولة الوحشية، ومن نجا منهم قيدوا أرساغه بالأصفاد الحديدية استعدادًا للمحاكمة، كيف له محاولة الهروب من الجحيم؟
أتعجب من درجة الوضاعة والخسة والانحطاط الذي احتل عقول أرباب النظام ورعاعه و"معرّصينه" مَن برروا الحادث وألقوا اللوم على الضحايا وتمنوا للناجين منهم الموت، هؤلاء الهاربين الذين خرجوا عن القانون، القانون الذي لا يُذكر ولا تُطبّق مواده إلا على رقاب الضعفاء، هؤلاء الفارين كانوا يهربون من الموت بالفعل، هم غير أحياء في هذه الدولة اختاروا المخاطرة بحياتهم في سبيل الفرار من مخالبها، ألقوا بأنفسهم بين الأمواج وأفكاك القروش وأرجل الأخابيط فليصارعوهم على لقمة ربما هي المنجية، يعلمون أن هنا موت محقق وهناك إن نجحوا في الوصول فربما يعيشون قليلًا أو يموتون محاولين، وإن لم يكن من الموت بد فليختاروا الميتة التي تريحهم.
مشهد الطفل المصري الغارق وقد شوهت المياة المالحة ملامح وجهه لا يختلف عن مشهد الطفل السوري الغريق الذي سحبته الأمواج إلى سواحل تركيا بل هو أكثر بشاعة
اقرأ/ي أيضًا: هجرات لا تقتفي أثر الأنبياء
تتحدث القوات المسلحة المصرية بكل عنجهية عن جهودها في إحباط محاولات الهجرة غير الشرعية وتشيد بجهود رجال حرس الحدود، المشهد عبثي بالكامل، كيف لرجال انقلبوا على السلطة وعلى الشرعية الدستورية واغتصبوا الكراسي واحتلوا المناصب كيف يتحدثون بهذه النبرة الباردة عن الهجرة "غير الشرعية" هم ذاتهم غير شرعيين، جرائمهم اليومية غير شرعية، التهجير القسري غير الشرعي لأهالي سيناء والاختفاء القسري غير الشرعي للشباب، والتعذيب في السجون ومقار الاحتجاز، وأحكام القضاء المسيّسة، ترصد الحقوقيين، حبس أصحاب الرأي، التصفية للمعارضين، كل ذلك يشير إلى دولة غير شرعية، ومن وضع هذه المقاييس والشروط من الأساس، من رسم الخطوط على الخريطة وقسّم الدول والبلاد، من ادّعى أن سعي البشر لحياة أفضل هي هجرة غير شرعية، وهل هجرة الرجل الأبيض إلى الأمريكتين كانت شرعية؟ الجميع مساجين في هذه الدولة، إما مسجون بأمر نظامي داخل سجون العسكر أو مسجون بالمنع من الرحيل إلى أي مكان آخر، ستبقى هنا جبرًا حتى تقضي نحبك.
مشهد الطفل المصري الغارق وقد شوهت المياة المالحة ملامح وجهه لا يختلف عن مشهد الطفل السوري الغريق الذي سحبته الأمواج إلى سواحل تركيا بل هو أكثر بشاعة، مشهد الناجين من الغرق بثيابهم المهترئة وجلودهم الدامية وعيونهم الباكية لا يختلف عن مشهد الناجين من تحت الأنقاض بل هو أكثر قسوة، على الأقل الناجين من الأنقاض لا تغلّل أيديهم وتُكبّل أرجلهم، مشهد الجثث التي تعفنت فوضعت لتغرق ثانية بعد الموت في مكعبات الثلج لعدم توفر ثلاجات للموتى، هؤلاء القوم كُتب عليهم الشقاء أحياء والمهانة أموات بسبب حظهم العثر الذي جعلهم مصريين.
نشر المتحدث العسكري للقوات المسلحة فيديو من إنتاج الشؤون المعنوية السبت الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2016 بعنوان "كنا هنبقى كده" يتمعن الفيديو من جديد في إذلال الشعب المصري وتذكرته بفضل الجيش عليه وأن لولاه لآل الأمر لحرب أهلية أطاحت بالأخضر واليابس، لربما عليّ أن أذكره في أواخر العام الماضي عُلّقت صورة على مدخل محافظة الإسكندرية للطفل السوري الغريق وكُتب عليها طفل فقد جيشه وبجوارها صورة لطفل مصري يرتدي البدلة العسكرية ويرفع علم مصر وبجواره السيسي في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة وكُتب عليها طفل معه جيشه، أليس الآون قد آن لنضع مكانها صورة الطفل المصري الغريق ونكتب عليها طفل قتله جيشه!
اليوم ملأت حوض الاستحمام عن آخره بالمياه الباردة وألقيت بجسدي داخله ثم تركت رأسي تسقط حتى انقطعت عني الأنفاس غير أني لم أتحمل إلا ثوانٍ قليلة وأخرجت رأسي مفزوعًا ألتقط ما تيسر لرئتي من الهواء، هدأت قليلًا ثم غدوت ألعن البحر -الذي طالما أحببته- وأترحّم على غارقيه، كنت غبيًا عندما أردت أن أعرف ما يشعر به الغارقون.
اقرأ/ي أيضًا:
اضحك الصورة تطلع من "المية"!
مصر.. المسافرون بلا "دولارات" ولا "ماستر كارد"