إثر وفاة الشاعر المخضرم ديريك والكوت (1930-2017)، نشر ريتشارد ليا في "الغارديان" مقالًا حول الحياة الشعرية لصاحب "أوميرو"، وردود أفعال بعض الشعراء والكتاب حول منجزه الشعري الذي أثّر في عمق الشعرية الغربية.
أعاد الشاعر والكاتب المسرحي ديريك والكوت تشكيل اللغة ودوافع الشاعرية الغربية بمعالجاته المتعددة لأكثر من نصف قرن. توفي عن عمر يناهز السابعة والثمانين. إنتاجه الشعري الضخم، مثل قصيدته الملحمية "أوميرو"، وهي ملحمة شعرية تمثل إعادة تخيل للأوديسة الإغريقية، تلك القصيدة التي أمنت له مكانة كبيرة وسمعة عالمية قادته إلى الحصول على نوبل عام 1992.
أعاد ديريك والكوت تشكيل اللغة ودوافع الشاعرية الغربية بمعالجاته المتعددة لأكثر من نصف قرن
كان والكوت أيضًا قد أسس لحياته المهنية مسيرة مسرحية عريقة، كتب وأخرج خلالها 80 عرضًا مسرحيًا تحدثت في مجملها عن إشكالية الهوية الكاريبية على خلفية الصراع العرقي والسياسي. إن أحاسيسه شديدة الثراء ولها تأثير ممتد وامتداد كتاباته التاريخي والأدبي يكاد يكون لا نهائيًا، خاصة في قصيدته الهوميرية "أوميرو"، حيث تعطي عمله في الوقت الحاضر كل الصدى الممكن، سيظل متوجًا على عالمه، بل ومتوجًا على العالم كله. الشاعر الذي سبقه في الحصول على نوبل أندرو موشن أرسل تحية لروحه يقول فيها: تحية إلى رجل حكيم وسخي ورائع". وأضاف موشن "بصفتي واحدًا ممن ينتمون للجيل الشعري لنوبل الذي يشمل برودسكي وهاينه، فلقد قام والكوت بالكثير ليستحق احترامًا عالميًا لما قدمه للهوية الكاريبية ما تحتاجه من الاهتمام والعناية والآن هو يجني ثمرته".
اقرأ/ي أيضًا: رباعيات الخيام وتشكيل العلمانية الغربية
أما بالنسبة للشاعر الجامايكي كاي ميللر، فقد كانت مساهمة والكوت الأكثر أهمية هي تأكيده على هويته الكاريبية واستطاعته الانطلاق منها إلى العالمية، قال: "والكوت أصر دائمًا أنه كان كاتبًا كاريبيًا رغم أنه لم يعتبر أن هناك حدًا يحده، ولم يجعل أعماله ضيقة الأفق"، ويضيف: "لطالما قلت إنني أريد أن أكتب أدبًا كبيرًا يعبر عن بقعة جغرافية صغيرة، وكان والكوت تجسيدًا لذلك أكثر من أي أحد آخر". ويستطرد: "بينما كانت التجربة الاستعمارية رهيبة، أرجع والكوت إليها اللغة التي أصبحت مملكته، كان شعره طَموحًا بشكل لا محدود. كان يأخذ من شكسبير ومن تشوسير ومن دانتي، كل هؤلاء كان يعتبرهم أسلافه، وكان يضع نفسه في مرتبتهم، هكذا كانت كتابته العظيمة، وهذا ما أراد أن ينتجه، أراد أن يقف إلى جانبهم".
قال الناقد وكاتب السيرة الذاتية هيرميون لي إن العالم سيتذكره بصفته: "كاتب ملحمة عظيم، حول بقعته الجغرافية الصغيرة إلى مسرح أحداث ملحمة كلاسيكية أعيد كتابتها وهي ملحمة أوميرو، التي سيظل العالم يتذكرها طويلًا، وكأنه حرفي أو رسام، أبدع في رسمها بأقصى درجة ممكنة من اللون والحنان، الحيويه والطاقة، وسيظل يتذكر كاتبها ككاتب ذي إيقاع عظيم".
وُلد والكوت في سانتا لوثيا، ولعل أصوله التي انحدرت من الكاريبي هي التي نسجت الخيوط الرئيسة لتاريخ الكاريبي وإرثه الذي وصفه وصفًا شهيرًا في قصيدة كتبها في الثمانينيات "مملكة ستار أبل"، بقوله "أحمل في داخلي الهولندي، الزنجي، الإنجليزي/ إما أنني لا أحد/ أو أنني أمة بأكملها".
يقال إن جدتيه تنحدران من أصول العبيد. والده الذي توفي وهو في عامه الأول كان رسامًا، وأمه كانت مديرة لمدرسة ميثودية، وهو أمر كاف ليجعله يقول في إحدى قصائده "تعليم استعماري سليم". نشر مجموعته الشعرية الأولى -بتمويل من والدته- وهو في التاسعة عشر، وبعد عام، تحديدًا في 1950، مثّل مسرحيته الأولى وذهب لدراسة الأدب الإنجليزي والفرنسي واللاتيني في الجامعة، التي كانت وقتها حديثة التأسيس، جامعة جزر غرب الهند في جامايكا.
بعد تخرجه عام 1953 انتقل إلى مدينة ترينيداد، وهي جزيرة تركها مؤخرًا الشاعر ف. س. نابيول الذي كان معاصرًا لوالكوت، وشاركه حلم الأدب والطريق نحو نوبل. كان نايبول الأول في العثور على ناشر في لندن، أما والكوت فكان الأول الذي وجد طريقًا في الأكاديمية السويسرية، لكن نهج كل منهما المغاير في رؤية إرث الإمبراطورية جعل صداقتهما تتوتر في وقت مبكر، وما جعل العداء يصل ذروته كان في 2008 عندما قرأ والكوت هجومًا صريحًا في مهرجان كالاباش في جامايكا في بيت يقول: "تم عضي/ ويجب علي أن أتفادى العدوى/ وإلا سأكون ميتًا/ كخيال نايبول".
ديريك والكوت: إما أنني لا أحد أو أنني أمة بأكملها
واصل والكوت مشروعه الشعري لإعادة تجديد القوالب الشعرية الغربية بحيث تصبح ملكه تمامًا، واستدعى في سبيل ذلك أرواح شكسبير ووردورث ويتس وإليوت في مجموعته التي أعادت اكتشاف مكانته بين "القبارصة اليونانيين وآلهة الأفارقة". قراره الكتابة على الطريقة الإنجليزية الكلاسيكية المعتادة جلب له هجومًا وانتقادات من حركة البلاك باور، أو القوة السوداء، في السبعينيات، والتي أجابها والكوت في قصيدته بقوله: "أنا لا وطن لي الآن إلا الخيال/ بعد أن لفظني الزنجي والأبيض/ عندما رجحت القوة كفتهم/ وضعوا الأغلال في يدي ثم اعتذروا/ والتاريخ كان التالي الذي قال/ بأنني لست أسود كفاية لأليق بفخرهم".
اقرأ/ي أيضًا: مدونة أمبرتو إيكو.. حدود المعرفة وفضاء الخيال
عام 1981 عزز ماك آرثر روابط والكوت مع الولايات المتحدة من خلال زمالة بجامعة روكفيللر التي بدأت عام 1957، وعمله بالتدريس في بوسطن، في جامعة كولومبيا، ومن ثم روتجرز ويال، وكانت طريقة تدريسه كما وصفها بأنها "شخصية جدًا ومكثفة" قد أوقعته في ورطة، إذ اتهمته طالبتان في جامعتين مختلفتين بالتدخل في تحصيلهما العلمي بعد أن رفضتا محاولاته. إحدى الحالات تم حسمها في قاعة المحكمة، ولكن قيل إن هذه المحاولة استخدمت ضده وكان هدفها ألا يحصل على جائزة شعرية عام 1999، وقد كانت أيضًا محل تداول في حملة تشويه مجهولة المصدر أجبرته على سحب ترشيحه لمنصب أستاذ للشعر في جامعة أوكسفورد في الحملة الانتخابية عام 2011 التي أقيمت على المنصب، والتي أدت إلى انسحاب خصمته روث بادل، ولم تمض سوى تسعة أيام حتى تبين أنها قد أرسلت تفاصيل كتاب مناقشة الحالتين لصحفي في جريدة إيفننج ستاندرد. ربح والكوت جائزة الشاعر ت. إس. إليوت عام 2011 بعد عامين عن مجموعته الشعرية "أبناء الماء الأبيض".
في 2012 أخبر جريدة "الغارديان" أنه يشعر انه ما زال يعرف ككاتب الأفريقانية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. "إنه أمر مثير للسخرية قليلًا، تلك التفرقة بين المسرح الأبيض والمسرح الأسود لا تزال قائمة، ولا أريد أن أكون جزءًا من هذه التعريفات، أنا كاتب كاريبي".
اقرأ/ي أيضًا: