الهاتف الذكي الأول، هكذا رآه الناس حتى قبل أن يصبح هذا التعبير رائجًا، ويصبح الهاتف، هو فقط الهاتف الذكي، وقبل أن نرى نهاية الهاتف العادي (الأرضي) في البيوت والعديد من المصالح التجارية. ففي عام 1996، عرضت شركة نوكيا الرائدة حينها هاتفها "نوكيا 9000" (9000 Communicator)، في معرض تكنولوجيا المعلومات "سيبيت"، والذي كان حتى فترة طويلة من أكبر معارض تقنية المعلومات والإلكترونيات في العالم، وأقيم بشكل سنوي منذ العام 1970 حتى 2018 في هانوفر الألمانية.
طرح هاتف نوكيا 9000 في 15 آب/أغسطس 1996
وقد لفت الهاتف أنظار الجميع في المعرض، وصار حديث جميع المهتمين بمستقبل الهواتف في العالم، وهو ما دفع الشركة إلى التعجيل في طرحه في 15 آب/أغسطس من ذلك العام، ووصف الجهاز بأنه قادر على نقل مكتبك إلى جيبك، ليتفوق في شكله وسهولة استخدامه على جهازين سابقين في السوق، وهما جهاز "آي بي أم سايمون"، وجهاز إتش بي "أومني جو".
وقد كان جهاز نوكيا 9000 هاتفًا ذكيًا حتى قبل أن تتم صياغة الكلمة وشيوع المفهوم، وظل هاتف نوكيا 9000 على مدار عقد كامل يمثّل ما كان يجب أن يكون عليه الهاتف الحديث في نظر الناس الذين حرصوا على اقتنائه، خاصة في الدول المتقدمة، واستمر ذلك حتى ظهور أول جهاز "بلاكبيري"، والذي كان المثال الأفضل الذي سرعان ما حلّ مكان نوكيا 9000، وظل مهيمنًا إلى حد كبير إلى حين اللحظة التقنية الكبرى اللاحقة، مع ظهور أول جهاز آيفون من آبل عام 2007، والذي أحدث ثورة حقيقية في القطاع.
كان لهاتف نوكيا 9000 شكل كاللابتوب الصغير، يفتح على مصراعين، بلوحة مفاتيح صغيرة، وشاشة عرض بحجم 4.5 إنش، وبلغت شهرة هاتف نوكيا 9000 وقتها أنه استخدام في بعض الأفلام والأعمال الدرامية، وخاصة في فيلم "القديس" (The Saint)، في نسخته الأمريكية الأحدث.
اقرأ/ي أيضًا: هاتف نوكيا 8110.. هل يمكن أن تغرينا الذكريات؟
وقد تميز هاتف نوكيا 9000 بشكله المستقبلي اللافت، لأنه كان أول جهاز يوفر عدة عناصر في جهاز واحد، وهي لوحة المفاتيح العملية، والشاشة الجيدة، وحزمة الإنترنت والأعمال، في مكان واحد، وهو ما جعل نوكيا 9000 الهاتف الأول الذي يمكن وصفه بأنه "حاسوب صغير"، حيث يمكن استخدامه لإرسال الإيميل واستقباله، وتصفح الإنترنت، والفاكس، ومعالجة بعض الملفات، كما يفعل جهاز الكمبيوتر.
بدايات خارقة في الزمن الجميل
رغم أنه كان يعدّ جهازًا خارقًا حينها، إلا أن مواصفات هاتف نوكيا 9000 تبدو متواضعة جدًا، أو ربما مثيرة للضحك، لو قورنت بمواصفات الأجهزة الحديثة اليوم. فذاكرة هاتف نوكيا 9000 كانت بحجم 8 ميغابايت، أما المعالج فكان بسرعة 33 ميغاهيرتز. ومن ناحية الشاشة، فقد كانت شاشة LCD بلونين، وبدقة وضوح 640×200. ولو فكرت باستخدام الهاتف لتصفح الإنترنت، فستضطر إلى الانتظار 30 ثانية على الأقل حتى يتحقق ارتباط الهاتف بالشبكة، قبل أن يبدأ المحتوى (النصي غالبًا) بالتحميل على سرعة 9.6 كيلوبايت بالثانية.
بلغ وزن الأجهزة المنافسة لنوكيا 9000 حوالي 500 غم، بينما لا يتجاوز معدل الهواتف الذكية الحديثة 170 غم
أما وزن هاتف نوكيا 9000 فبلغ 397 غم، وكان بسماكة 3.5 سم. وهذا تطوّر حينها على الأجهزة التي سبقته، مثل جهاز "سايمون" من آي بي أم، والذي بلغ وزنه نصف كغم تقريبًا، وبمساحة تخزين لا تتعدى 1 ميغابايت فقط، وببطارية لا تكفي للاستخدام سوى لساعة واحدة قبل إعادة الشحن.
أما الهواتف الحديثة اليوم، فيكاد معدل وزنها يصل إلى 170 غم فقط. وحتى الهواتف الأكبر، مثل هاتف سامسونج "فولد" الذي يأتي بأبعاد 160*63*15.5 فيبلغ وزنه 263 غم فقط، إلا أن العالم احتاج العديد من السنوات بعد هاتف نوكيا 9000 للوصول إلى هذه التطورات المذهلة على مستوى الحجم والوزن والمواصفات فائقة الجودة في السرعة ووضوح الشاشة وسهولة الاستخدام. وقد حاولت نوكيا الفنلندية التجديد بالجهاز بعد أن أوقفت إنتاجه عام 2000، فطرحت نسخة جديدة منه بموديل 9210، إلا أن الشركة أخفقت في هذا القطاع، ولم تستطع المنافسة في سوق الهواتف الذكية في العقد الثاني من الألفية الجديدة.
رغم التلاشي المادي لهواتف نوكيا إلا أنها تبقى أجهزة تشكّل موضوعًا للحنين المستمر للماضي
ورغم هذا التلاشي المادي لهواتف نوكيا، سواء في جهاز نوكيا 9000، أو بالهواتف اللاحقة الأخرى الأكثر شهرة، وخاصة نوكيا 3310، وهاتف نوكيا 1200 الأصغر منه، إلا أنها تبقى هواتف تشكّل موضوعًا للحنين والذكريات الجميلة لدى الكثير من الناس، حيث العالم كان يبدو أقل سرعة وأكثر هدوءًا من عالم اليوم. وهو حنين مستمرّ، غامض وغير عملي ويبدو أحيانًا غير مفهوم ولا مبرّر، بالنظر إلى السهولة البالغة التي توفّرها الأجهزة الأحدث اليوم، إلا أنّه حنين جميل، صار لدى كثيرين أهمّ تركة معنويّة ورمزيّة لنوكيا وهواتفها.
اقرأ/ي أيضًا:
نوكيا 6.1 الجديد.. عودة هواتف "زمان" بأسعار تناسب الجميع
تيك توك التطبيق الأكثر تنزيلًا على الإطلاق خلال العام