لم تكن وجهة نظر ضمن منشور افتراضي على منصة فيسبوك الاجتماعية فحسب، عندما كتبت الصحفية الفلسطينية مرام سالم إن "حرية التعبير في أوروبا وهم"، بل دليل لِما ستمارسه قناة "دويتشه فيله" الألمانية، الوسيلة الإعلامية العريقة، من عنصرية صارخة وقمع لحرية التعبير بحق الصحفية التي تعمل لديها، الأمر الذي أثار تفاعلًا واسعًا ودعمًا عربيًا قويًا ومتجددًا للقضية الفلسطينية، على مواقع التواصل الاجتماعي.
أثار فصل الصحفيين العرب استهجانًا واسعًا بين أوسط حقوقية وصحفية عربية وعالمية
إنها بلاد الحريات، هكذا تعرّف عن نفسها، لكن بمنأى عن القضية الفلسطينية ومناصرتها، فما إن يطرح حق الفلسطينيين بأرضهم، واعتبار إسرائيل كيانًا معتديًا، حتى تتلاشى إضاءات الحرية، وتخيّم عتوم الدكتاتورية، وهذا ما يبدو جليًا عندما أصدرت الوسيلة الألمانية قرارًا بفصل 5 صحفيين يعملون بالقسم العربي، وهم مرام سالم، وفرح مرقة، وباسل العريضي، وداوود إبراهيم، ومرهف محمود، بادعاء "معاداة السامية".
وبحسب "DW"، نفى تقرير اللجنة المستقلة المكلفة بالتحقيق من قبلها في اتهامات بمعاداة السامية، أي "وجود ممنهج" لذلك في القسم العربي بالقناة، وأوضح أن الأمر يقتصر على حالات محدودة وأخطاء فردية، وعليه، اتخذت الإدارة إجراءات "صارمة"، ووضعت خطة عمل لمنع وقوع ذلك مستقبلًا، وفق رؤيتها.
وكان المدير العام لمؤسسة دويتشه فيله، بيتر ليمبورغ، أوقف بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الصحفيين الذين وجهت إليهم ادعاءات عن العمل، كما كلف لجنة خبراء للتحقيق في الادعاءات، لكن المفارقة كانت أن ضمن المكلّفين بالتحقيق، الاختصاصي النفسي الفلسطيني أحمد منصور، أي وُجّهت التهم لصحفيين عرب بمعاداة السامية، من قبل فلسطيني عربي مثلهم.
وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع قرار فصل الصحفيين، معتبرين أن ما ارتكبته ألمانيا من فظائع بحق اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، تعاقب عليه الفلسطينيين حاليًا.
المغرّد جودت سوالمة، تحدث في غريدة له عن استمرار عقدة ألمانيا اتجاه واقعة محرقة اليهود "الهولوكوست" منذ أربعينيات القرن الماضي، وعدّ محاباة إسرائيل محاولة من ألمانيا لـ"تنظيف" تاريخها على حساب الفلسطينيين.
من جهتها، كتبت الصحفية الفلسطينية، مجدولين حسونة عبر تويتر، "بربكم قولوا لي أين نذهب من كل هذا القمع لحرية الرأي؟ في بلادنا يقمعنا الاحتلال والسلطة، ثم حين نلجأ لأوروبا ونصطدم بانتهاك ما ونعتقد أننا بأمان ومن حقنا أن نقول حرية الرأي في أوروبا وهم يتم اتهامنا بمعاداة السامية".
كما أشار الكاتب الفلسطيني ساري عرابي، إلى ما سمّاه "ابتزاز" حريات الناس بأرزاقها، حيث يُفصل الصحفيون من عملهم، ويخسرون رزقهم، بسبب إبدائهم الرأي، فإما الصمت ودعم إسرائيل، أو خسارة الوظيفة.
فيما تقول الصحفية الأردنية هبة الحياة عبيدات إنه "وفي الوقت الذي تروج (دويتشه فيله) لخطاب يدعو لاحترام حرية التعبير والحريات العامة، وتحاول تقديمه في منطقتنا عبر برامجها المتعددة، فإنها تنهي عمل 4 صحفيين عرب ومنهم الزميلة فرح مرقة لانتقادهم سياسات الاحتلال"، في إشارة إلى ازدواجية المعايير لدى الوسيلة الإعلامية الألمانية.
وتساءل مغرّدون آخرون عما جاء بتوصيات لجنة التحقيق في دويتشه فيله، التي تشير إلى أن "التربية والتجارب الشخصيّة للصحفيين العرب، تصنع آرائهم تجاه إسرائيل، لذلك من المهم القيام بتدريبات دوريّة لهم لتجاوز ذلك وتغييره"، معلقين "هل سيعيدون تربيتهم!"، كما وصفوا تلك التوصيات بالـ"الوقاحة".
بدوره، تضامن الصحفي اللبناني محمد محسن مع زملائه المفصولين، معتبرًا قرار فصلهم تشريف لهم، وإهانة للحريات في ألمانيا.
"دويتشه فيله بدها تجبر موظفيها على الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، و كذلك توسيع مكتب القدس (المحتلة) وتفعيله لتصوير المزيد من التقارير هناك، بهدف إيصال صورة معتدلة وحقيقية عما يجري.... لما تتحوّل المؤسسات الإعلامية إلى أبواق أنظمة متوحشّة، وجب مقاطعتها" كتبت الناشطة النسوية مروة فطافطة.
وفي سياق التفاعلات، لفت الصحفي اليمني عبد الرحمن الأهنومي إلى "نفاق" الغرب حول الحريات، خصوصًا أمام قضايا التضامن مع فلسطين أو اليمن.
وكتب المغرّد مصطفى شلش عبر تويتر، "اللافت للنظر أن النسخة العربية للقناة موجهة لتمرير اجندات هندسة إجتماعية وصنع أكبر قدر من الصخب الفارغ المبني على الصواب السياسي والتفتيش في نوايا الناس"، مؤكدًا أن مَن يُشعل النار عليه أن يدرك أنها ستحرقه.
وكانت الصحفية الفلسطينية مرام سالم كشفت عن عزمها مقاضاة "دويتشه فيله" أمام القضاء الألماني، معتبرة ما حدث معها محاولة لقمع الصحافي الفلسطيني وإسكاته، وفرض الرواية الإسرائيلية فقط، في وسائل الإعلام الدولية، وفقًا للعربي الجديد. كما قدم ناصر شروف، رئيس القسم العربي في "دويتشه فيله"، استقالته على وقع هذه التطوّرات وإمعان إدارة القناة على المضيّ قدمًا في خطوات تهدف بحسبها إلى التخلص من ثقافة معاداة السامية بين موظفي القسم والمتعاونين فيه.
اقرأ/ي أيضًا:
كين لوتش: أنا مع فلسطين رغم توظيف تهمة "معاداة السامية" ضدي
كيف تفاعل الناشطون مع إقالة تالا حلاوة من بي بي سي؟