فاضت الثورة المصرية برسوم "الغرافيتي" وفي إحدى مليونيات التحرير، رسم أحد الفنانين في ميدان التحرير رسمًا أشبه بملصق لمنتج سماه "قناع الحرية". وهو قناع يضعه شخص يتحول إلى مسخ وقد سُد فمه بكرة صغيرة، وخرج له جناحان من رأسه. يومها سخر كثر منه. لكنهم عرفوا لاحقًا أنه عبّر عنهم، هؤلاء الذين كممت أفواههم واضطهدوا في ساحات التظاهر.
لكن ما عرفه الغرافيتي، ازدهر أيضًا بخجل في عالم "الكوميكس"، الذي عرف صوتًا متفردًا في مصر، اسمه: عمرو عكاشة، والذي دفع برسومه إلى الواجهة، فخاطبت ما يثور في داخله وما يعبر عن هواجسه وهواجس جيله.
يعدّ عمرو عكاشة واحدًا من الأسماء اللامعة في مجال الكوميكس العربي
اختبر عكاشة دراسة اللغات الشرقية والمسرح، من بين مجالات أخرى، وانتهى به الحال إلى قسم الفنون المتحركة بالمعهد العالي للسينما (أكاديمية الفنون). وبالتزامن مع الدراسة، سيبدأ أولى خطواته المهنية بتلوين خلفيات لأفلام رسوم متحركة. لكن هذا "التلوين" سيمتد لما هو أبعد من "الأنيميشن". سيحضر عكاشة (1989) بوصفه رسّام كوميكس وكاريكاتير وصانع رسوم صحافية، عند أبعد نقطة عن مهاترات "التخصص" التي تجاوزها الزمن، أو على حد تعبيره: "أنا عايز أرسم على أي حاجه".
هذا الطموح الكبير بالرسم على أية مادة وبأية أدوات، على مسافة من أي رقيب أو محرر، سيجد تحققه الأقصى في الأعمال الجماعية، التي سيشارك فيها عكاشة آخرين، خصوصًا الجداريات.
اقرأ/ي أيضًا: ستيف ديلون .. صانع خيالات "الكوميكس"
وعرفت القاهرة جداريات كثيرة في السنوات الأخيرة (كان أشهرها في شارع محمد محمود في وسط البلد)، لكنها عرفت أيضًا جهدًا لا يلين في محوها من قِبل إدارات الأحياء تحت دعاوى التجميل والحفاظ على الممتلكات، أو تحت دعاوى أمنية واضحة. وعكاشة، الذي رسم جداريات بين عامي 2013 و2016، أقسى فترات تقفيل المجال العام، يدرك حجم المخاطرة التي يقدم عليها هو وزملاؤه، حتى لو كانت رسوماتهم على غير صلة مباشرة بالسياسة.
فيما يخص النشر، لدى عكاشة أرشيف كبير ومتنوع يتوزع بين صحف ومواقع مصرية، كـ ديلي نيوز إيجيبت" و"الصباح" و"دوت مصر" و"مراسلون"، ومجلات عربية مختصّة من قبيل "سكفكف"، كما شارك في إصدارات عن مؤسسة الفن التاسع (القاهرة)، وورش عمل في الدار البيضاء وميونخ.
ويعد "الكوميكس" فنًا جديدًا على الثقافة العربية، صحيح أن له بذورًا شهدتها الثقافة العربية من خلال فناني الكاريكاتير والرسم، وبعض أعمال كبار الفنانين من رسامي الكاريكاتير المصريين منذ النصف الأول من القرن الماضي، إلا أن الفن بمفهومه ونشأته وملامحه الخاصة "فن غربي" بامتياز. نشأ وازدهر في أوروبا وأمريكا أولًا، ثم في بلدان آسيا وتحديدًا اليابان ومنها إلى بلاد العالم كلها بعد ذلك، مواكبًا تطورات الحياة المدنية الحديثة في الغرب، وهو من هذه الزاوية يمكن اعتباره بحق "فنًا مدنيًا وحداثيًا" بامتياز.
اقرأ/ي أيضًا: