يثير فضولي حكايات أمي عنّا، عن النساء كيف أنهنّ قديمًا كنّ تخجلن من أجسادهنّ. أقرأ مقالات عن ختان الأنثى. قشعريرة خوف، قرف، غضب يعتريني. يا إلهي! كيف بالإمكان أن يستأصلوا جزءًا من بدن إنسانة، فقط كي لا تستمتع، ويكونوا هم أسياد الموقف بجدارة؟ مَن أعطاهم الحق بأن يقرروا نيابة عنهنّ هكذا قرار مصيري؟
الجنس كلمة سحرية تُفتح أمامها كل القلاع والحصون النفسية والعقلية، مفردة أمست أقدس وأكثر تلاوة وتفكّرًا من أيّ مقدّس آخر
أعرف قصص نساء يختنّ بدون ختنٍ جسدي، ختان روحي ونفسي للرغبات أقسى وأفظع من الختان الجسدي. يستحضرني ذاك الجسد القمحيّ الذي جُلِد بلهيب شمس أيلول/سبتمبر تجري دماء الحياة فيه.
اقرأ/ي أيضًا: فوبيا النساء في العالم العربي
رويدًا رويدًا تلك الدماء تثور لتنهال بغزارة في أوردة وشرايين، فتستثير غرائز هي محرمة على جسد أنثوي. غرائز فطريةٌ تملّكوها وأصبحت حكرًا على ذكوريتهم، ذكورية فاعليتها وإثبات ذاتها باتت مقتصرة على النهم والتفرد بالدوافع الجنسية.
الجنس كلمة سحرية، تُفتح أمامها كل القلاع والحصون النفسية والعقلية، مفردة أمست أقدس وأكثر تلاوة وتفكّرًا من أيّ مقدّس آخر. هي هاجسهم ورغيفهم. يقول ماركس "الدين أفيون الشعوب". آهٍ ماركس! لو كنت تدري ما تفعله غرائز شعوبنا الذكورية بهم لما كنت تجرّأت على اقتراف هذه الغلطة. لو كنت تدري أننا نغلف غرائزنا بغلاف الدين والسماء والهواء والتراب كي ننفّث عن تلك الرغبات التي لا تستطيع أيّة أنثى الإفصاح عنها، فقط لأنها أنثى، لا تستطيع أيّ امرأة المطالبة بحقوقها القانونية والفيزيولوجية، لأنها كانت وستظل مفعولًا بها، سالبة هي في هذه المعادلة الحيوية، أما المطالبة بها، فتحوّلها لعاهرة دنسة كل همّها شهوتها.
أتساءل: العُهر هواية أم مهنة؟ ومَن يجعل من العاهرة عاهرة؟ أليس ذاك الفاجر المختلّ نفسيًا وفكريًا مَن يلجأ للعاهرة، ليُثبت لنفسه قبل غيره أنه عاطل، عاجز، غير منكفئ ذاتيًا وغرائزيًا؛ لتراه يبحث لنفسه عن مغامرات دون جوانيّة تمنحه إثرها استحقاقات الذكورة ولن أقول الرجولة؟
تُراني أكتب هذه الأسطر، قارئها بماذا يشعر؟ بماذا يفكّر؟
- عاهرة تتحدث عن غرائز ورغبات؟
- فاسقة تدعو إلى الانحلال؟
- نسويّة مقيتة، لا تعرف من الحرية غير جسد المرأة؟
حسنٌ! العاهرة ليس بإمكانها التحدث بهذه الأمور، لأنها اعتادت أن يكون جسدها جسرًا لكسب قوت عيشها، ولن يخطر لها أو لن تفكر يومًا بأنها يجب عليها أن تعيش هذه النعمة، لأنه بحسب ماسلو "غريزتها للبقاء في سلم أولوياتها". قائل سيقول: الغرائز هي أيضًا في سلم الأولويات.
دعني أسأل إذًا: عندما توشك على الموت جوعًا أو عطشًا ألن تدفع بأغلى ما تملك كي تبقى على قيد الحياة، ولو اضطررت أن تدفع بجسدك كسلعة؟ هذا تمامًا ما تفعله العاهرة، بيع رغباتها وغرائزها ثمنًا كي تبقى على قيد التنفس!
أما عن كوني فاسقة تدعو للانحلال، متى كان الدفاع عن "نِعَم" وهبها الله لنا والمطالبة بها انحلالًا وفسقًا؟ ألسنا نستميت دفاعًا عن حقنا في الوجود، السعادة، الفرح؟ أوليس الذي أتحدث عنه وجه أكثر جمالًا للسعادة؟
ثم أعتقد بأنني لست نسوية، لأن النسويّة أخذت من المرأة أكثر مما أعطتها، لأنها نتاج رأسمالية أوروبية كانت في حِقبة ما بحاجة للأيدي العاملة فأطلت علينا بهذه الشعارات الخدّاعة كي تحول المرأة إلى ماكينة إنتاج دون النظر أو التفكّر بقدراتها.
أعتقد بأني لن أخوض أكثر في ترهات ومهاترات الدفاع، لكن متى سنتعلم أن بوح المرأة بمثل هذه الأمور ليست من المحرّمات؟ أليس لتستوستيرون (1) وكذلك الاستروجين (2) هرمونات مقسّمة بالعدل بين الرجال والنساء؟
تفرّدتم لأنفسكم هذا الأمر كما السياسة، الدين، والقلم. أيّ ذنب اقترفته هي كي تمارس عليها الاغتصاب كل ليلة لتتصنّع تأوّهات هي ذاتها تعرف أنها كاذبة، إنما تفعلها كي تُشعِر ذاك الحيوان الكامن على جسد روحها بأنه سيد الفتوحات.
أجمل المُتع ما حُصل عليها عند العطاء الأكثر، لا ما أُخذ بالقوة دون مقابل
كلما حاولتْ القول بأنها لم تأخذ حظها من حقها من المتع واللذة تراه يتهجّم عليها، يهدّدها بجحيم وويل وسَقر! لأنه يشعر عندها بإهانات تصفعه، هل أنا ناقص، عاطب، لا جدوى مني؟ ولكي يسدّ هذه الثغرة من عقد النقص تراه يتماهى أكثر في العنف والتسلط والهيمنة. أيّة هيمنة يا هذا، وهذا الجسد كما جسدك خلقه الله ملأه جنونًا توقًا وميلًا.
اقرأ/ي أيضًا: تصفيح الفتيات في تونس.. العلاقة بين الحائط والخيط
تحسّس مكامن الحبّ والألق كي تطفو على سحب من النيرفانا، كي تحصل على انتشاء روحي قبل الحصول على انتشاء جسدي. الانتشاءات الجسدية هي هنيهات فانية. الهزّات الروحية هي ما تلامسنا في العمق، في الصميم.
أجمل المُتع ما حُصل عليها عند العطاء الأكثر، لا ما أُخذ بالقوة دون مقابل.
هوامش
1- التستوستيرون: هو هرمون جنسي، يعد هرمون الذكورة الرئيسي لدى الرجل، لكن المرأة أيضا تفرزه، وهو يلعب دورًا مهمًا في الخصوبة وكتلة العضلات وتوزيع الدهون وإنتاج خلايا الدم الحمراء.
ينتج بشكل أساسي من الخصيتين في خلايا تسمى خلايا ليديغ – Leydig cells، أما لدى المرأة فينتجه المبيضان، ولكن بكمية أقل.
2- الاستروجين: هو هرمون أنثوي، يفرزه المبيض، ويؤثر في تطور ووظيفة الجهاز التناسلي الأنثوي.
اقرأ/ي أيضًا: