تعتبر إشكالية إصلاح نظام المقاصة المغربي من أصعب التحديات المطروحة في المشهد السياسي والملف الاقتصادي بالمغرب، بحكم أن أي إصلاح لصندوق المقاصة/الدعم سيكون ملزمًا بأن يستجيب للإكراهات الاقتصادية، وتوصيات المؤسسات المالية الدولية، مما قد يهدد الاستقرار الاجتماعي في المغرب.
إصلاح نظام المقاصة/ الدعم يعتبر من أصعب التحديات المطروحة أمام المغرب لما قد ينجر عنه من احتجاجات شعبية
ويقصد بصندوق المقاصة، صندوق "الدعم الاجتماعي"، وهو يتمتع باستقلالية مالية. وظيفته الأساسية تتمثل في دعم سعر المواد الأولية/الأساسية في المغرب، مثل الدقيق والسكر والزيت، والمحروقات النفطية والغازية، مثل غاز البوتان، لكي لا تتأثر بالأسعار الدولية وتبقى مستقرة لتتماشى مع القدرة الشرائية للمغاربة.
اقرأ/ي أيضًا: حفاظًا على مصلحة محدودي الدخل
ارتباك حكومي
أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، خلال تقديمه للبرنامج الحكومي وسط البرلمان المغربي، أنه عازم على إصلاح وضع صندوق المقاصة، من خلال رفع الدعم تدريجيًا عن المواد الأساسية المتبقية (الدقيق والسكر والغاز)، وبهذا سيسلك النهج نفسه الذي بدأه سلفه عبد الإله بنكيران.
وتداولت وسائل الإعلام المغربية الخبر على نطاق واسع، مما أثار الكثير من ردود الفعل السلبية من طرف المغاربة، فضلاً عن تساؤلات كثيرة، أبرزها إلى أي مدى ستتأثر القدرة الشرائية للمغاربة؟
وقد نفت الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة، ما تم ترويجه في وسائل الإعلام المحلية. وشددت على أن "الحكومة لم تحسم بعد في سيناريو إصلاح صندوق المقاصة، وأن هذا الحسم سيتم بعد تشاور عميق مع مختلف الفرقاء المعنيين".
في ذات السياق، يقول محمد المرابط، الباحث الاقتصادي، لـ"الترا صوت": "رئيس الحكومة أعلن عن مبدأ إصلاح صندوق المقاصة، لكن رفع الدعم عن المواد الأساسية لا يمكن أن تتخذه دون العودة للفرقاء والمتداخلين في هذا الملف خاصة وأن الأمر جد حساس، ويؤثر مباشرة على القدرة الشرائية للمغاربة".
احتقان شعبي مرتقب؟
يطالب خبراء الاقتصاد المغاربة أن يتم رفع الدعم على أسعار المواد الأساسية وفق رؤية مدروسة لتجنب المس من القدرة الشرائية للمواطن
من المعروف أن الدعم الذي توفره الدول لصندوق المقاصة، للحفاظ على أسعار المواد الأساسية ثابتة، هو من الامتيازات الاجتماعية القليلة التي لا تزال توفرها الدولة للمغاربة، لهذا "رفع الدعم بشكل مباشر دون رؤية شاملة قد يسبب احتقانًا شعبيًا"، يتابع محمد المرابط، الباحث الاقتصادي.
وتتطرق الحكومة إلى ضرورة توجيه الدعم للأسر المعوزة دون غيرها، لكن تطرح هنا إشكالية عن كيفية تحديد هذه الأسر المعوزة ووفق أي مقياس. يقول المحلل الاقتصادي أحمد التازي لـ"ألترا صوت": "المغرب يواجه الكثير من التحديات، فهو مقبل على تعويم أو تحرير الدرهم، إذ أن قيمة هذا الأخير ستنخفض لتخلف ارتفاعًا في مجمل الأسعار، خصوصًا وأن المغرب يستورد جزءًا مهمًا من حاجاته الغذائية من الخارج، والتي سترتفع أسعارها بانخفاض الدرهم، وبالتأكيد القدرة الشرائية للمغاربة ستتأثر، لهذا يجب على الحكومة أن تملك رؤية واضحة ومدروسة، مع احترام جميع الفرقاء والنقابات الأكثر تمثيلية".
اقرأ/ي أيضًا: تجارب 3 دول دمر قرض "النقد الدولي" اقتصادها
لا مفر من الإصلاح..
وفقًا لتصريحات سابقة لأعضاء حكومة عبد الإله بنكيران فإن ما يعرف بـ"إصلاح صندوق المقاصة" ضروري وهو أيضًا مرتبط بشروط المؤسسات المالية الأجنبية، إلا أن الحسابات الانتخابية للأحزاب كانت دائمًا العائق أمام تفعيلها.
وسبق أن كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن حقائق وصفت بـ"الخطيرة" حول مآل أموال صندوق المقاصة، وحول الفئات والقطاعات والمؤسسات التي تستفيد بشكل مباشر من دعم الدولة الذي يتم إنفاقه من هذا الصندوق، وحول طبيعة وتركيبة أسعار المواد المدعمة وأسباب تفاقم تكاليفها المالية، التي أصبحت عبئًا على الميزانية العامة للدولة.
حيث أكد التقرير أن مختلف فئات المواطنين لا يصلها إلا 15% من أموال الدعم، في حين تستفيد الشركات والمؤسسات الإنتاجية والقطاعات الاستهلاكية الأخرى من أزيد من 85% من دعم هذا الصندوق، وهذا يعني حسابيًا أنه خلال عشر سنوات أنفقت الدولة 250 مليار درهم، واستفاد المواطنون منها بأقل من 40 مليار درهم في حين استفادت الشركات والقطاعات الإنتاجية والاستهلاكية والضيعات الفلاحية الكبرى بنحو 210 مليار درهم، ودعا المجلس بذلك إلى إعادة ترشيد هذا الدعم وتوجيهه لمستحقيه.
اقرأ/ي أيضًا: