ألترا صوت - فريق التحرير
جرجي زيدان (1861- 1914) كاتب مثير للجدل، لطالما أثار معارك وعواصف فكرية، خصوصًا في سلسلة روايات التاريخ الإسلامي التي تجاوزت العشرين رواية، وكذلك في مقالاته في "الهلال" التي أنشأها، أو في كتاب "تاريخ آداب اللغة العربية" الذي ما إن صدر حتى بدأت المقالات تتالى في نقده أو في تقريظه.
يقول زيدان في مقدمته: "نعني بتاريخ آداب اللغة العربية تاريخ ما تحتويه من العلوم والآداب، وما تقلبت عليه في العصور المختلفة، أو هو تاريخ ثمار عقول أبنائها ونتائج قرائحهم، وهاك أغراضنا منه:
- بيان منزلة العرب بين سائر الأمم الراقية من حيث الرقي الاجتماعي والعقلي.
- تاريخ ما تقلبت عليه عقولهم وقرائحهم، وما كان من تأثير الانقلابات السياسية على آدابهم باختلاف الدول والعصور.
- تاريخ كل علم من علومهم على اختلاف أدواره من تكونه ونشوئه إلى نموه ونضجه وتشعبه وانحلاله حسب العصور والأدوار.
- تراجم رجال العلم والأدب مع الإشارة إلى الآخذ التي يمكن الرجوع إليها لمن يريد التوسع في التراجم.
- وصف الكتب التي ظهرا في العربية باعتبار موضوعاتها، وكيف تسلسلت بعضها من بعض، وبيان مميزاتها من حيث حاجة القراء إليها ووجه الاستفادة منها.
- لا نهتم من هذه الكتب إلا بما لا يزال باقيًا منها، ويمكن الحصول عليه. فإذا كان مطبوعًا ذكرنا محل طبعه وسنته، وإذا لم يطبع أشرنا إلى المكاتب الكبرى التي يوجد فيها".
هذا ما كتبه جرجي زيدان في مقدمة كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، من أجل تبيين الغرض من تأليفه. وفعلًا يمثل هذا الكتاب، كما بقية الكتب الذي برزت في باب تأريخ الأدب العربي، بوصفه دائرة معارف تشمل تاريخ الروح والعقل العربيين من خلال سير وتجارب الكتاب والشعراء والعلماء.
يقسّم الكتاب حسب العصور، يقول المؤلف: "قسّمنا هذا الكتاب إلى تاريخ آداب اللغة العربية قبل الإسلام وتاريخها بعده، وقسمناها في الإسلام إلى عصور حسب الانقلابات السياسية، لبيان ما يكون من تأثير تلك الانقلابات فيها، فبدأنا بعصر صدر الإسلام، فالعصر الأموي، فالعباسي، فالمغولي، فالعثماني، فالعصر الحديث، وقسّمنا كلًّا منها إلى أدوار حسب الاقتضاء".
خلال فصول الكتاب يرى القارئ أنّ زيدان تناول كل علم على حدة، فحيث بدأ باللغة تجده يراجع تاريخها قبل الإسلام، وما دخلها من الألفاظ الأعجمية، وكيف كانت لما جاء الإسلام، وفروعها ومميزاتها عن سائر اللغات، ثم الأمثال وأنواعها وما ألّف فيها. وفي الشعر تراه يبحث في أصل هذا الفن، وعدد الشعراء وتأثير الأقاليم والبيئات في طباعهم وأفكارهم، ويقسم الشعراء إلى تيارات ومدارس، ويقسمهم إلى حكماء وعشاق وفرسان وشواعر، ويذكر ميزة كل طبقة من هؤلاء، والأمر نفسه ينطبق على كل ممثلي الفنون والعلوم الأخرى، في مختلف العصور التي يناقشها الكتاب، سواء كانوا رواة للشعر أو ناثرين أو علماء في علم من العلوم أو مؤرخين أو مفكرين.. إلخ.
كتب شوقي ضيف في تقديم هذا الكتاب: "لا تكاد تلمّ بهذه الأجزاء حتى ترى المؤلف يأخذ نفسه بأساليب البحث الحديث، فهو يدرس العلل والأسباب السياسية والاجتماعية التي أثّرت في آدابنا على مر الأحقاب والعصور، وهو يفرد فصولًا لحياتنا العقلية بجميع فروعها العلمية، ليتبين أصداءها في الحياة الأدبية، فالأدب الخالص ليس شعبة منقطعة عن شُعب الحياة والفكر في الأمة، بل هو فاعل فيها ومنفعل بها، لا يتم تاريخه ولا تصوره بدونها".
اقرأ/ي أيضًا: