ما من مدينة حظيت باهتمام كما حظيت القدس ثقافيًا وروحيًا وسياسيًا. مثقفون من مختلف المشارب؛ رجال دين وسياسيون وأدباء كتبوا عنها وفيها، ما جعل تاريخها مسجّلًا من كافة جوانبه. هنا ثلاثة كتب تناولت القدس في ثلاثة أزمنة مختلفة، كتبها ثلاثة من الأعلام من ثلاثة بلدان: العراق وسوريا وفلسطين. الأول ذو طابع ديني، الثاني يقع في باب أدب الرحلة، وأما الثالث ففي علم التاريخ.
فضائل القدس
عندما انتزع الصليبيون مدينة القدس، ثم أعادها صلاح الدين، أخذ المؤلفون يُكثرون من وضع الكتب في فضلها ومكانتها، ولما كان ابن الجوزي قد بلغ في الربع الأخير من القرن السادس للهجرة مكانة في العلم، سأله أحد المقدسيين أن يذكر له فضائل بيت المقدس، فكتب "فضائل القدس"، وجعل أكثره مسندًا كما لو كان يكتب كتابًا يروي فيه الحديث النبوي. وابن الجوزي هو أبو الفرج، جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، فقيه حنبلي بغدادي، ينتهي نسبه أبي بكر الصديق.
وكتب بعد ابن الجوزي عن فضائل القدس كثيرون، منهم بهاء الدين بن عساكر في "الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى"، وأمين الدين بن هبة الله الشافعي في "كتاب الأنس في فضائل القدس"، وبرهان الدين النفزاوي، المعروف بابن فركاح، في "باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس".
وبحسب مقدمة موقع "الوراق" بنى ابن الجوزي كتابه على (27) بابًا موجزًا، معظمها لا يتجاوز الصفحة والصفحتين".
الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية
يتضمن كتاب "الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية" وصف رحلة الشيخ عبد الغني النابلسي إلى فلسطين. ولد الشيخ النابلسي في دمشق 1641. يعد من شيخ الصوفية الدمشقية. تعرف هذه الرحلة بالرحلة الصغرى، تمييزًا لها عن رحلته الكبرى إلى مصر والحجاز. انطلق الشيخ في الرحلة عام 1690، سالكًا طريق داريا سعسع القنيطرة، فجسر يعقوب، وصولًا إلى نابلس، بلد آبائه، وهناك مكث عدة أيام، وبعدها اتجه إلى القدس، حيث نزل في المدرسة السلطانية التي بناها الملك قايتباي، وبعد أن زار كل ما في بيت المقدس اتجه إلى اريحا وسواها من المدن والبقاع الفلسطينية. من الأمور اللافتة أنه كان يعطي قبور الصالحين والصحابة والأولياء وصفًا فائقًا.
يقول في وصف المسجد الأقصى: "توجهنا إلى أبواب المسجد الأقصى، وهي سبعة أبواب على صفٍ واحدٍ قبالة القبلة، والأوسط منها أكبر الجميع، وبظاهر الأبواب السبعة رواق على سبعة قناطر، كل باب قبالة قنطرة، ولتلك القناطر أربعة عشر عامودًا من الرخام مبنية غير السواري، وله من جهة الشرق باب صغير يسمى باب الخضر، وباب آخر من جهة الغرب، والباب العاشر يُدخل منه إلى الأقصى العتيق، بالقرب من جامع المغاربة، فدخلنا فوجدناه بناءً عظيمًا مشتملًا على قبة مرتفعة عند الحائط القبلي مزينة بالفصوص الملوّنة، وطرفها مبني على الحائط القبلي والطرف الآخر على أربعة أعمدة: عمودين متلاصقَين بينهما مقدار الشبر في جهة الغرب، وعمودين كذلك في جهة الشرق، والعامّة يمُرُّون بين هذين العمودين ويعتقدون أنّ الذي يمكنُه المرور لا ذنْب عليه، والمذنب لا يقدر يمر بينهما، وتحت القبة المنبر من الخشب المرصع بالعاج والآبنوس، وبجانبه المحراب".
تاريخ القدس عارف العارف
عارف العارف (1891 - 1973) مؤرخ فلسطيني من عائلة مقدسية. درس في إسطنبول والتحق بالجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى. من مؤلفاته "نكبة فلسطين والفردوس المفقود" وهو كتاب مرجعي في بابه. ومن كتبه أيضًا: "تاريخ الحرم القدسي"، "تاريخ غزة"، و"الموجز في تاريخ عسقلان". أما "المفصل في تاريخ القدس" فيقع في 8 أبواب تناول خلالها تاريخ القدس منذ اليبوسيين وحتى زمانه.
وألقى العارف في كتابه الضوء على أهم الأحداث التاريخية وأبرز الأمم التي حكمت المدينة، وفصّل ما شهدته من عمارة بكل أنواعها وأشكالها فما ترك نقشً ولا مبنى ولا حجر من حجارة المدينة أو حدث أو فترة تاريخية إلا وعكف على قراءتها وفهمها.
يكتب زياد العناني: "يضم كتاب المفصل في تاريخ القدس الكثير من المعلومات التي التزمت بالمنهج العلمي الحديث الذي يوجب اثبات المصادر والمراجع بأمانة ودقة وعرض الاحداث بأسلوب موضوعي بريء من العصبية رغم الموضوعات الدقيقة التي تداخلت فيها السياسة بالدين والنزعات الفردية بالنزعات القومية الامر الذي شوه الكثير من الكتب التي الفها بعده وحط من مكانتها العلمية بحسب مقدمة وشهادة اسحق موسى الحسيني الذي يرى ان كتاب المفصل يعد كتاباً فريداً لا نظير له في اللغة العربية ولا في اللغات الغربية".
اقرأ/ي أيضًا: