في عام 1946 أعار ديفيد أستر، رئيس تحرير صحيفة الأوبزرفر، جورج أورويل منزلًا ريفيًا نائيًا في اسكتلندا كي يكتب فيه كتابه الجديد، 1984. أصبح ذلك الكتاب أحد أهم روايات القرن العشرين. في هذا التقرير يروي روبرت مككرم قصة إقامة جورج أورويل المؤلمة على الجزيرة حيث انخرط الكاتب، قريبًا من الموت ومحاصرًا بشياطين الإبداع، في سباقٍ محموم للانتهاء من كتابه.
____
"كان يومًا باردًا من أيام نيسان بسمائه الصافية، وكانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد الظهر".
بعد ستين عامًا من نشر رائعة جورج أورويل، 1984، مازال وقع ذلك السطر الأول البلوري طبيعيًا وجذابًا كما كان دومًا. لكنك تجد شيئًا آخر عندما ترى المخطوطة الأصلية: قدرًا أقل من الوضوح الرنان، مع قدرٍ أكبر من إعادة الكتابة المحمومة، بأحبارٍ مختلفة، التي تكشف عن المعاناة الشديدة التي تقف خلف كتابتها.
الرواية التي قد تعتبر الرواية المميزة للقرن العشرين، والقصة التي تظل دومًا متجددة ومعاصرة، والتي أصبحت مصطلحاتها مثل "الأخ الأكبر" و"التفكير المزدوج" و"اللغة الجديدة" جزءًا من الاستخدام اليومي، تُرجمت 1984 إلى أكثر من 65 لغة وبيع منها ملايين النسخ حول العالم، ما أعطى جورج أورويل مكانةً فريدة في الأدب العالمي.
أصبحت كلمة "أورويلي" اختصارًا عالميًا لأي شيء سلطوي أو قمعي، ويستمر صدى قصة ونستون سميث، وهو رجلٌ عادي في عصره، في التردد لدى قراء تختلف مخاوفهم بشأن المستقبل بشدة عن تلك التي كانت لدى كاتب إنجليزي في منتصف الأربعينيات.
تشكّل الظروف التي أحاطت بكتابة 1984 سرديةً لا تبرح الذهن تساعد في تفسير سوداوية ديستوبيا جورج أورويل. نحن أمام كاتب إنجليزي، مريض بشدة، يصارع وحيدًا شياطين خياله في بيتٍ اسكتلندي موحش في أعقاب الحرب العالمية الثانية. كانت فكرة 1984، أو "الرجل الأخير في أوروبا"، تسكن عقل جورج أورويل منذ الحرب الأهلية الإسبانية. بدأت روايته، التي تدين بشيء لرواية يفجيني زامياتين الديستوبية "نحن"، على الأرجح في اتخاذ شكلٍ محدد خلال عامي 1943 و1944، في وقتٍ قريب من تبنيه وزوجته لابنهما الوحيد، ريتشارد. صرح جورج أورويل نفسه أن اجتماع قادة الحلفاء في مؤتمر طهران عام 1944 ألهمه جزئيًا. أورد إيزاك دويتشر، وهو زميلٌ لجورج أورويل بصحيفة الأوبرزفر، أن جورج أورويل كان "مؤمنًا بأن ستالين وتشرشل وروزفلت خططوا لتقسيم العالم فيما بينهم" في طهران.
اقرأ/ي أيضًا: مرتضى كزار..الرواية ضرب من التأريخ
عمل جورج أورويل بصحيفة الأوبزرفر المملوكة لديفيد أستر منذ عام 1942، في البداية كناقد كتب ولاحقًا كمراسل. كان رئيس التحرير معجبًا بشدة بـ" استقامة جورج أورويل المطلقة وأمانته ولباقته"، وسوف يكون راعيه خلال سنوات الأربعينيات. تشكل صداقتهما الوثيقة جزءًا محوريًا من قصة 1984.
كانت حياة جورج أورويل الإبداعية قد استفادت بالفعل من ارتباطه بالأوبزرفر في كتابة مزرعة الحيوان. بينما كانت الحرب تقترب من نهايتها، سوف يسهم التفاعل المثمر بين الخيال وصحافة الأحد في الرواية الأكثر سوداوية وتعقيدًا بكثير مما كان يدور في رأسه بعد "قصة الأطفال" المحتفى بها تلك. يتضح من مراجعاته للكتب بصحيفة الأوبزرفر، على سبيل المثال، أنه كان مغرمًا بالعلاقة بين الأخلاق واللغة.
كان هناك عوامل أخرى لعبت أيضًا دورًا: بعد فترةٍ قصيرة من تبني ريتشارد، دمر صاروخٌ ألماني شقة جورج أورويل. أصبح مناخ الرعب العشوائي في الحياة اليومية للندن وقت الحرب جزءًا أساسيًا من الحالة المزاجية للرواية التي كان بصددها. لكن الأسوأ لم يكن قد وقع بعد. في مارس 1945، وبينما كان في مهمةٍ لصالح الأوبزرفر في أوروبا، تلقى جورج أورويل خبر وفاة زوجته، آيلين، تحت التخدير خلال عملية روتينية.
أصبح جورج أورويل فجأة أرملًا وأبًا وحيدًا، يعيش حياة رثة في مسكنه بإزلينجتون، منكبًا على العمل بلا هوادة لسد طوفان الندم والحزن على الوفاة المبكرة لزوجته. في عام 1945، على سبيل المثال، كتب جورج أورويل 110,000 كلمة لصحفٍ مختلفة، منها 15 مراجعة كتاب لصالح الأوبزرفر.
حتى تدخل أستُر. كانت عائلة أستر تمتلك عقارًا على جزيرة جورا الاسكتلندية النائية، بالقرب من إيسلاي. كان هناك منزلٌ، يدعى بارنهيل، يبعد 11 كيلومترًا عن أردلسا بالطرف الشمالي البعيد لإحدى جزر هبريدز الداخلية. في البداية، عرض أستر المنزل على جورج أورويل لقضاء عطلة. متحدثًا إلى الأوبزرفر الأسبوع الماضي، قال ريتشارد بلير (نجل جورج أورويل بالتبني) إنه يعتقد، حسب أسطورة عائلية، أن أستر فوجئ بحماس جورج أورويل.
في مايو 1946، وكان مازال يحاول جمع قطع حياته المحطمة، استقل جورج أورويل القطار في رحلةٍ طويلة وشاقة إلى جورا. أخبر جورج أورويل صديقه آرثر كوستلر أن الأمر كان أشبه "بتجهيز سفينة متجهة إلى القطب الشمالي".
في مايو 1946، استقل جورج أورويل القطار في رحلةٍ طويلة وشاقة إلى جزيرة جورا ليبدأ كتابة روايته التي ستعرف ب"1984"
كانت هذه خطوةً محفوفة بالمخاطر، حيث لم يكن جورج أورويل بصحةٍ جيدة. كان شتاء 1946-1947 واحدًا من بين الأبرد طوال القرن. وكانت بريطانيا ما بعد الحرب أكثر قتامة حتى من أثنائها، وقد عانى جورج أورويل دومًا من مشكلاتٍ بالصدر. منعزلًا عن إزعاج الوسط الأدبي اللندني، أصبح جورج أورويل على الأقل حرًا في التصدي لروايته الجديدة غير مثقل بمهامٍ أخرى. كان جورج أورويل قد أخبر أحد أصدقائه: "مختنقًا تحت وطأة الصحافة، أصبحت أكثر فأكثر مثل برتقالة معصورة".
للمفارقة كان سبب الصعوبات التي يواجهها جورج أورويل هو نجاح مزرعة الحيوان. بعد أعوامٍ من التجاهل وعدم الاهتمام استيقظ العالم على عبقرية جورج أورويل. "كان الجميع يأتون إلى"، اشتكى جورج أورويل لكوستلر، "راغبين في أن أحاضر أو أكتب كتيبٍ ما أو انضم إلى هذا أو ذلك – لا تعرف كم أتوق إلى أن أصبح حرًا من كل ذلك ويصبح لدي الوقت لأفكر مجددًا".
على جورا سيتحرر جورج أورويل من هذه المشتتات لكن وعد الحرية المبدعة على جزيرةٍ من جزر هبريدز كان له ثمنه. قبل سنوات، في مقاله المعنون "لماذا أكتب"، وصف جورج أورويل عناء إكمال كتاب: "إن تأليف كتاب لهو عناءٌ بشع ومجهد. مثل نوبة طويلة لمرضٍ مؤلم. لا يستطيع المرء القيام بمثل ذلك الشيء إن لم يكن مدفوعًا من قِبل شيطانٍ ما لا يستطيع مقاومته أو فهمه. الشيء الوحيد الذي يعرفه المرء أن ذلك الشيطان هو نفس الغريزة التي تدفع الرضيع إلى الصراخ لجذب الانتباه. ورغم أنه من الصحيح أيضًا أن المرء لا يستطيع كتابة شيء صالح للقراءة إلا إذا طمس شخصيته"، ثم مقطعه الختامي الشهير، "إلا أن النثر الجيد يشبه زجاج النافذة". من ربيع 1947 حتى وفاته عام 1950، سيعيد جورج أورويل تمثيل كل جوانب معاناته بأكثر الطرق إيلامًا يمكن تصورها. ربما كان في داخله يستمتع بالتداخل بين النظرية والتطبيق. لقد كان دومًا يجد نفسه وسط المعاناة ذاتية المنشأ.
بارنهيل..المنزل الذي كتب فيه جورج أورويل رواية 1984
في البداية، بعد "شتاءٍ لا يطاق"، استمتع جورج أورويل بالعزلة والجمال البري لجزيرة جزرا. "إنني أكافح لإنهاء الكتاب"، كتب جورج أورويل لوكيله، "وهو ما قد يحدث بنهاية العام – بأي معدل سأتمكن من إكمال الجزء الأكبر منه بحلول ذلك الوقت طالما بقيت بصحةٍ جيدة وبعيدًا عن العمل الصحفي حتى الخريف".
لم يكن بارنهيل، الذي كان يطل على البحر من أعلى طريق مليء بالحفر، كبيرًا، حيث كان يحتوي على أربع غرف نوم صغيرة فوق مطبخٍ فسيح. كانت الحياة بسيطة، بل بدائية. لم تكن هناك كهرباء. استخدم جورج أورويل غاز التدفئة للطبخ وتسخين المياه. كانت المصابيح تستخدم البارافين، وفي المساء كان يحرق أيضًا الخث. كان جورج أورويل مازال يدخن التبغ في سجائر ملفوفة: كان الدخان بالمنزل دافئًا ومريحًا لكنه لم يكن صحيًا. كان مذياع يعمل بالبطارية هو الرابط الوحيد مع العالم الخارجي.
وصل جورج أورويل، الذي كان رجلًا لطيفا غير دنيوي، ولم يجلب معه إلا سرير تخييم وطاولة وكرسيين وبضع أواني ومقالي. كانت حياة رهبنة لكنها وفرت له الظروف التي كان يحب العمل فيها. يتذكره الناس هنا كشبحٍ وسط الضباب، شخصٌ هزيل يرتدي معطفًا مضادًا للمياه.
نشرت 1984 في الثامن من حزريان/يونيو 1949 وتم اعتبارها تحفة أدبية على مستوى العالم تقريبا، حتى من قِبل ونستون شرشل الذي أبلغ طبيبه بأنه قرأها مرتين
كان السكان المحليون يعرفونه باسمه الحقيقي، إريك بلير، رجلٌ طويلٌ شاحب ذو وجهٍ حزين يقلق بشأن كيف سيتأقلم وحده. كان الحل، عندما انضم إليه الطفل ريتشارد ومربيته، هو استقدام شقيقته شديدة الكفاءة، أفريل. يتذكر ريتشارد بلير أن والده "لم يكن ليتمكن من إنجاز المهمة بدون أفريل. لقد كانت طاهية ممتازة وشخصًا شديدة العملية. لا تدرك أيٌ من الشهادات عن الفترة التي قضاها والدي على جزيرة جورا مدى أهميتها".
بمجرد استقرار نظامه الجديد، استطاع جورج أورويل أخيرًا البدء في كتابه. بنهاية مايو 1947 أبلغ جورج أورويل ناشره فريد وربرج: "أعتقد أنني كتبت حوالي ثلث المسودة الأولية. لم أصل إلى ما كنت أتمنى الوصول إليه بحلول هذا الوقت لأنني كنت حقًا في أسوأ حالة صحية هذا العام منذ يناير تقريبًا (صدري كالعادة) ولا أستطيع التعافي منها تمامًا".
منتبهًا لتلهف ناشره للرواية الجديدة، أضاف جورج أورويل: "بالطبع دائما ما تكون المسودة الأولية فوضى مروعة ليس لها علاقة كبيرة بالمنتج النهائي، لكنها في نفس الوقت أهم جزء من العمل". واصل جورج أورويل العمل وبنهاية يوليو كان يتوقع الانتهاء من المسودة الأولية بحلول أكتوبر. بعد ذلك، قال جورج أورويل، سيحتاج 6 أشهر أخرى لتشذيب النص للنشر. لكن كارثةً وقعت بعد ذلك.
كان جزءًا من متعة الحياة على الجزيرة هو أنه كان يستطيع الاستمتاع مع ابنه بالحياة في الخارج، حيث الذهاب للصيد واستكشاف الجزيرة والتسكع في القوارب. في أغسطس، وخلال موجة من الطقس الصيفي الجميل، كاد جورج أورويل وأفريل وريتشارد وبعض الأصدقاء، الذين كانوا عائدين من نزهة على الساحل في زورقٍ صغير بمحرك، أن يغرقوا في دوامة كوريفراكن الشهيرة.
يتذكر ريتشارد البرودة الشديدة للمياه الثلجية، ولم يقم جورج أورويل، الذي كان سعاله المستمر يقلق أصدقاءه، بما يساعد رئتيه. خلال شهرين كان جورج أورويل مريضًا بشدة. كالعادة، كان ما رواه لديفيد أستر بشان نجاته مقتضبًا، بل وغير مكترث.
استمر الصراع الطويل مع "الرجل الأخير في أوروبا". في أواخر أكتوبر 1947، معانيًا من تدهور صحته، أدرك جورج أورويل أن روايته ما زالت "فوضى مروعة وأن حوالي ثلثيها يجب أن يتم إعادة كتابته بالكامل".
كان جورج أورويل يعمل بمعدلٍ محموم. يتذكر زائرو بارنهيل صوت ضربات الآلة الكاتبة بالأعلى في غرفة نومه. ثم، في نوفمبر، عندما كانت أفريل المخلصة تعتني به، انهار جورج أورويل بـ"التهاب الرئتين" وأخبر كوستر أنه "مريضٌ للغاية ويرقد في السرير". قبل عيد الميلاد تمامًا، وفي خطابٍ لزميلٍ له بالأوبزرفر، أبلغه بالخبر الذي كان دومًا يخشاه. لقد تم تشخيص إصابته بمرض السل.
بعد عدة أيام، وفي خطابٍ إلى أستر من مستشفى هيرمريز بمقاطعة لاناركشاير، اعترف جورج أورويل: "ما زلت أشعر بالمرض الشديد"، وأنه عندما أصابه المرض بعد حادثة دوامة كوريفراكن، "مثل الأحمق قررت عدم الذهاب إلى طبيب – كنت أريد إنجاز المزيد من الكتاب الذي كنت أعمل عليه". في عام 1947 لم يكن هناك دواءٌ للسل – كان الأطباء يوصون بهواءٍ نقي وغذاءٍ صحي – لكن كان هناك عقارٌ تجريبيٌ جديد في السوق، يدعى ستريبتومايسين. رتب أستر لشحنةٍ من الدواء من الولايات المتحدة إلى هيرمريز.
يعتقد ريتشارد بلير أن أباه أُعطي جرعاتٍ مكثفة من العقار السحري الجديد. كانت الآثار الجانبية مروعة (قرحة في الحلق، بثور في الفم، سقوط الشعر، تقشر البشرة، وتفكك أظافر اليدين والقدمين) لكن في مارس 1948، بعد برنامج علاجي استمر ثلاثة أشهر، اختفت أعراض السل. "لقد انتهى كل شيء الآن، ومن الواضح أن الدواء أحدث تأثيره"، أبلغ جورج أورويل ناشره. وأضاف: "الأمر أشبه بإغراق السفينة للتخلص من الفئران، لكنه يستحق العناء إذا نجح".
بينما كان يستعد لمغادرة المستشفى، تلقى جورج أورويل الخطاب الذي سيكون، إذا نظرنا إليه بأثرٍ رجعي، مسمارًا آخر في نعشه. "من المهم للغاية"، كتب وربرج لمؤلفه الشهير، "من زاوية مسارك المهني ككاتب أن تنهيها (الرواية الجديدة) بنهاية العام أو قبل ذلك إن أمكن".
في الوقت الذي كان ينبغي عليه أن يقضي فيه فترة نقاهة، عاد جورج أورويل إلى بارنهيل مستغرقًا في مراجعة مخطوطته وواعدًا وربرج بتسليم الرواية في أوائل ديسمبر، ومتكيفًا مع "الطقس القذر" لخريف جزيرة جورا. في أوائل أكتوبر أفضى جورج أورويل إلى أستر: "لقد أصبحت معتادًا على الكتابة في السرير حتى أنني أعتقد أنني أفضلها، رغم أنه من الغريب بالطبع الكتابة هناك. إنني فقط أكافح في المراحل الأخيرة لذلك الكتاب اللعين حول الأوضاع الممكنة إن لم تكن الحرب الذرية حاسمة".
كانت تلك إحدى إشارات جورج أورويل النادرة للغاية إلى موضوع الكتاب. كان جورج أورويل يعتقد، مثل الكثير من الكتّاب، أن مناقشة عملٍ قيد التنفيذ هي فألٌ سيء. لاحقا، وصف جورج أورويل الرواية، لأنثوني باول، بأنها "يوتوبيا مكتوبة على هيئة رواية". أصبحت كتابة النسخة النهائية بعدًا آخر لمعركة جورج أورويل مع كتابه. كلما راجع جورج أورويل مخطوطته "شديدة السوء" كانت تصبح وثيقة هو الوحيد القادر على قراءتها وتفسيرها. لقد كانت، كما أبلغ وكيله، "طويلة للغاية، ربما تصل إلى 125,000 كلمة". بصدقٍ مميز، دوّن جورج أورويل: "إنني لست سعيدًا بالكتاب لكنني لست مستاءً تمامًا... أعتقد أنه فكرة جيدة لكن التنفيذ كان سيكون أفضل إن لم أكتبه تحت تأثير السل".
وكان مازال لم يستقر على العنوان: "إنني أميل لتسميتها 1984 أو الرجل الأخير في أوروبا"، كتب جورج أورويل، "لكنني قد أفكر في شيءٍ آخر في الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين". بنهاية أكتوبر، اعتقد جورج أورويل أنه قد انتهى من الرواية. الآن هو يحتاج فقط إلى كاتب اختزال لإنجاز النسخة النهائية التي سيتم إرسالها.
اقرأ/ي أيضًا: محمد بن جلّول.. يضع الليل على طاولته
لقد كان سباقًا محمومًا ضد الوقت. كانت صحة جورج أورويل تتدهور، والمخطوطة "شديدة السوء" تحتاج إلى إعادة كتابتها، وموعد التسليم في ديسمبر يقترب. وعد وربرج بالمساعدة، وكذلك فعل وكيل جورج أورويل. بسبب الاختلاف حول الضاربين المحتملين على الآلة الكاتبة، نجح وربرج والوكيل على نحوٍ ما في جعل وضعٍ سيء أسوأ بما لا يقاس. شاعرًا بعدم استطاعة أحد مساعدته، قرر جورج أورويل اتباع حدسه كطالبٍ سابق بمدرسةٍ عامة: سوف يقوم بالأمر وحده.
بحلول منتصف نوفمبر، أضعف من أن يستطيع المشي، اعتزل جورج أورويل إلى السرير للقيام بـ"المهمة المروعة" وهي كتابة الكتاب على "آلته الكاتبة الكسيحة" بنفسه. مستعينًا بالكثير من السجائر والقهوة والشاي القوي ودفء مدفأة البارافين، ومع ضرب العواصف لبارنهيل، صباحًا ومساءً، كافح جورج أورويل لإنجاز مهمته. بحلول الثلاثين من نوفمبر 1948، كانت الرواية قد انتهت تقريبًا.
احتج جورج أورويل، الذي شارك قديمًا في حملاتٍ سياسية، لدي وكيله بأن "الأمر لم يكن يستحق كل ذلك الضجيج. كل ما في الأمر أنني لا أستطيع الكتابة بعنايةٍ كبيرة وأن أنجز الكثير من الصفحات يوميًا لأن الجلوس في وضعٍ صحيح لأي مدة من الوقت يتعبني". علاوةً على ذلك، أضاف جورج أورويل، كان من "الرائع" كمية الأخطاء التي قد يقوم بها ضارب آلة كاتبة محترف، و"في هذا الكتاب هناك صعوبة أنه يحتوي الكثير من الألفاظ الجديدة".
وصل النص المطبوع على الآلة الكاتبة لرواية جورج أورويل الأخيرة لندن في منتصف ديسمبر، كما وعد. أدرك وربرج جودته على الفور ("من بين أفضل الكتب المرعبة التي قرأتها على الإطلاق") وكذلك فعل زملاءه. ذكرت مذكرة داخلية "إن لم نستطع بيع ما بين 15 إلى 20 ألف نسخة فإنه يجب إعدامنا رميًا بالرصاص".
بحلول ذلك الوقت كان جورج أورويل قد غادر جزيرة جورا وسجل دخوله إلى مصحةٍ للسل بتلال كوتسوولدز. "كان يجب علي القيام بذلك منذ شهرين"، أبلغ جورج أورويل أستر، "لكنني أردت إنهاء ذلك الكتاب اللعين. مرة أخرى تدخل أستر للإشراف على علاج صديقه لكن الإخصائي الذي كان يعالجه كان متشائمًا.
يظل العنوان الذي اختاره جورج أورويل لرواية "1984" لغزًا. يقول البعض إنه كان يلمح إلى مئوية الجمعية الفابية، والتي تم تأسيسها عام 1884
مع بدء أخبار 1984 في الانتشار، تدخل حدس أستر الصحفية وبدأ يخطط لنشر ملف تعريف (بروفايل) عنه بالأوبزرفر، وهو ما كان تكريمًا كبيرًا لكن جورج أورويل تأمله مليًا "بنوعٍ من الحذر". مع دخول الربيع كان جورج أورويل يصاب بنفث الدم (السعال الدموي) و"يشعر أنه في حالةٍ سيئة أغلب الوقت" لكنه كان قادرًا على المشاركة في طقوس ما قبل نشر الرواية، مسجلًا "ملاحظاتٍ جيدة" بشعورٍ من الرضا. قال جورج أورويل لأستر على سبيل المزاح إنه لن يفاجأ إذا "اضطر إلى تحويل ملف التعريف ذاك إلى نعى".
نُشرت 1984 في الثامن من يونيو 1949 (وبعد ذلك التاريخ بخمسة أيام في الولايات المتحدة) وتم اعتبارها تحفة أدبية على مستوى العالم تقريبًا، حتى من قِبل ونستون شرشل، الذي أبلغ طبيبه بأنه قرأها مرتين. استمرت صحة جورج أورويل في التدهور. في أكتوبر 1949، تزوج جورج أورويل سونيا براونيل بغرفته في مستشفى جامعة كوليدج، حيث كان ديفيد أستر هو الإشبين. كانت لحظة سعادة عابرة؛ استمر جورج أورويل بالمستشفى حتى أتى عام 1950. في الساعات الأولى من الحادي والعشرين من يناير أصيب جورج أورويل بنزيفٍ حاد توفي على أثره وحيدًا بالمستشفى.
أذاعت بي بي سي الخبر في الصباح التالي. سمعت أفريل بلير وابن أخيها، الذين كانوا مازالوا على جزيرة جورا، التقرير على المذياع الصغير في بارنهيل. لا يتذكر ريتشارد بلير ما إذا كان اليوم مشمسًا أم باردًا لكنه يتذكر صدمة الخبر: لقد توفي والده، عن عمر 46 عامًا.
رتّب ديفيد أستر دفن جورج أورويل في فناء الكنيسة بقرية ساتون كورتناي بمقاطعة أوكسفوردشاير، حيث مازال قبره هناك باسم إريك بلير.
لماذا 1984؟
يظل العنوان الذي اختاره جورج أورويل للرواية لغزًا. يقول البعض إنه كان يلمح إلى مئوية الجمعية الفابية، والتي تم تأسيسها عام 1884. بينما يقترح آخرون أنه إشارةٌ إلى رواية العقب الحديدية لجاك لندن (والتي تصل فيها حركة سياسية إلى السلطة عام 1984) أو ربما إلى أحد قصص كاتبه المفضل جلبرت كايث تشيسترتون "نابليون نوتينج هيل"، والتي تقع أحداثها عام 1984.
في نسخته للأعمال المجمعة (والمكونة من 20 جزءًا)، يشير بيتر دافيسون إلى أن ناشر جورج أورويل الأمريكي ادعى أن العنوان مستمد من عكس تاريخ 1948، لكن ليس هناك أدلة موثقة تدعم ذلك. يجادل دافيسون أيضًا بأن تاريخ 1984 يرتبط بتاريخ ميلاد ريتشارد بلير عام 1944، ويشير إلى أنه في مخطوطة الرواية تقع الأحداث في أعوام 1980 و1982 وأخيرًا 1984، على الترتيب. ليس هناك لغزٌ فيما يتعلق بقرار التخلي عن عنوان "الرجل الأخير في أوروبا". كان جورج أورويل نفسه غير متأكد منه دومًا، وكان ناشره فريد وربرج هو الذي اقترح أن 1984 عنوانٌ تجاريٌ أكثر.
اقرأ/ي أيضًا: