"كافكا ليس فالزر، وإنّما هو شابّ في براغ يحمل الاسم بالفعل"، بهذه الكلمات أنهى فرانز بلاي الجدل الذي دار حول هويّة فرانز كافكا الذي ظنّه البعض عند نشرهِ مجموعة من كتاباته للمرّة الأولى، اسمًا مُستعارًا للكاتب السويسريّ روبرت فالزر بفعل التقاطع والتشابه الحاصل بين أسلوب كافكا وأسلوبه لجهة المهارة في التعامل مع الانطباعات واللقطات اللحظيّة كما يذكر الألمانيّ راينر شتاخ مؤلّف سيرة الكاتب التشيكيّ في كتابه "كافكا: السنوات الأولى".
تأخّر وصول روبرت فالزر طويلًا إلى العربية، باستثناء بعض القصص القصيرة المُترجمة والمنشورة في المواقع والصُحف وبعض المجلّات
المقارنة بين فالزر وكافكا تصحُّ على أعمال الأخير الأولى فقط، إذ إنّه ابتعد عن الأسلوب الذي جمعه به فيما بعد لصالح آخر يخصّهُ وحدهُ، ولكن رغم ذلك، يعتبر الكاتب الألمانيّ إلياس كانيتي في كتابه "مُحاكمة كافكا الأخرى" أنّه لا وجود للكاتب التشيكيّ دون فالزر، بينما اعتبر مارتن فالزر أنّ روبرت فالزر تؤام كافكا الروحيّ، فيما رأت الكاتبة الأمريكيّة سوزان سونتاغ في مقالة لها بعنوان "صوت فالزر" أنّ الكاتب النمساويّ روبرت موزيل كان يقرأ كافكا انطلاقًا من اعتباره حالة خاصّة من فالزر الذي تراهُ حلقة مفقودة بين هاينريش فون كلايست وكافكا، بالإضافة إلى أنّه هجين من ستيفي سميث وصمويل بيكيت أيضًا، مُعتبرةً أنّ الشخص الذي عليه أن يُقدِّم فالزر إلى جمهور لم يسبق لهُ أن اكتشفهُ، سيجد نفسهُ حتمًا إزاء ترسانة كاملة من المُقارنات المُجدية.
اقرأ/ي أيضًا: بول أوستر: أمل جديد للموتى
عربيًّا، تأخّر وصول روبرت فالزر طويلًا، فباستثناء بعض القصص القصيرة المُترجمة والمنشورة في المواقع والصُحف وبعض المجلّات العربيّة خلال السنوات الأخيرة القليلة، لم يصدر لهُ عمل كامل إلّا قبل 6 سنوات من الآن، حينما أصدرت "دار النسيم" سنة 2014 مجموعة قصصيّة لهُ بعنوان "البرلينيّة الصغيرة" ترجمة خليل كلفت، ولكنّ اكتشافه من قبل القرّاء العرب لم يحدث على نحوٍ واسع إلّا مع حكايته الطويلة "مشوار المشي" التي نقلها نبيل الحفّار إلى اللغة العربيّة وأصدرتها "منشورات الجمل" عام 2018.
خلال العام التالي لإصدار "مشوار المشي"، تُرجمت مجموعة واسعة من قصص روبرت فالزر إلى العربيّة بشكلٍ مُتفرّق بدا عندهُ أنّ الاهتمام بالكاتب السويسريّ أخذ منحىً أكثر جديّة، تُرجم هذا العام بإصدار "دار مرايا" مُختارات نثريّة لهُ بعنوان "رماد وإبرة وقلم رصاص وعود ثقاب" ترجمة أحمد الزناتي، ولكنّ الحدث الأهمّ تمثّل في إصدار "منشورات تكوين" بالتعاون مع "دار الرافدين" و"دار ممدوح عدوان" لروايته الشهيرة "ياكوب فون غونتن" ترجمة نبيل الحفّار، وذلك في الوقت الذي يستعدّ فيه "مركز المحروسة للنشر" لإصدار الرواية ذاتها أيضًا خلال الأيام القادمة بترجمة مُختلفة.
"ياكوب فون غونتن" العمل الأكثر شهرة لفالزر، كما أنّها الرواية المُفضّلة لكافكا وسونتاغ وغيرهما ممّن رأوا فيها العمل الأكثر قدرة على التعبير عن خصوصيّة الكاتب السويسريّ، والمدخل الأفضل لأعماله واكتشاف أسلوبه وبعض تفاصيل حياته أيضًا، إذ منح بطلهُ الكثير من تفاصيل سيرته الذاتيّة وحياته الشخصيّة وأفكاره وفلسفته أيضًا، ليبدو البطل نسخة مُعدَّلة عن المؤلّف، يؤمن مثله بمجموعة أفكار بسيطة، ولكنّها تتحوّل إلى سلسلة أفكار مُتشعِّبة ومُعقَّدة ما إن تُصبح جزءًا من تأمّلاته التي تُشكِّلُ أساس الرواية التي تدور أحداثها في معهد بنيامنتا الذي ما إن وصل إليه البطل، حتّى شرع يُحاول أن يُصبح لغزًا أمام نفسه أوّلًا، والآخرين ثانيًا.
"ياكوب فون غونتن" العمل الأكثر شهرة لفالزر، كما أنّها الرواية المُفضّلة لكافكا وسونتاغ وغيرهما ممّن رأوا فيها العمل الأكثر قدرة على التعبير عن خصوصيّة كاتبها
إنّ دخول روبرت فالزر ضمن اهتمامات الناشرين العرب، تجعل من فرصة اكتشافه، بما يمثّله من قيمة أدبيّة أوروبيًّا وعالميًّا سانحة بالنسبة للقرّاء العرب، خصوصًا وأنّه يمثّل تيّار أدبيّ لا بدّ من التعرّف عليه واكتشافه بصفته تيّارًا يفتح للقرّاء العرب أبوابًا جديدة على بيئة لطالما كان التعرّف عليها واكتشاف عوالمها أمرًا مُغريًا، إن كان بسبب تاريخها وتركيبتها وتنوّعها لغويًا وثقافيًّا، بالإضافة إلى اكتشاف خصوصيّة هذا الكاتب الذي يصف نفسه بالروائيّ الحرفيّ، ولا يعتبر نفسه، عكس ما هو سائد، مؤلّف حكايات قصيرة أو نثر.
اقرأ/ي أيضًا: توماس برنهارد في "صداقة مع ابن فيتغنشتاين".. التأمل من منظور المصحات
إنّه، وفقًا لما يعتقدهُ مؤلّف يُثبِّت بالمسمار سطورًا أكثر ما يهمّه منها هو أن يفهم الناس محتواها سريعًا، أو كاتب يذهب إلى عمله ومعه مخرطة ليُقدِّم كتابات يصفها بأنّها عبارة عن لصق ورق حائط. وبجملةٍ أخرى، يقول فالزر إنّ الرواية التي يكتبها بلا انقطاع هي الرواية نفسها دائمًا؛ إنّها كتاب عن نفسه تمّ تقطيعه إلى شرائح أو تمزيقه إلى مجموعة أجزاء بأشكال مُختلفة.
اقرأ/ي أيضًا: