لوهلة ظننت أن الحرب الباردة ما زالت قائمة، هذا ما تبادر لذهني عندما سمعت محمود المسلمي عبر أثير راديو بي بي سي العربية البارحة يتلو خبر تهديد الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية للأمريكيين من مغبة استهداف الجيش النظامي السوري، وأن تلك الضربات ستكون بمثابة استهداف للقوات الروسية نفسها، فهل فعلًا تنوي واشنطن القيام بعمل عسكري، ولماذا هذا التصعيد الروسي المفاجئ عقب سنوات طوال من المهادنة لواشنطن.
هل فعلًا تنوي واشنطن القيام بعمل عسكري، ولماذا هذا التصعيد الروسي المفاجئ عقب سنوات طوال من المهادنة لواشنطن؟
واهم من يعتقد أن الولايات المتحدة ممثلة بإدارة أوباما ستتدخل في سوريا عقب الهجوم الوحشي والغطرسة الروسية في الشمال السوري وتحديدًا حلب. فالتهديد الذي أطلقه الروس اليوم لوزارة الدفاع الأمريكية التي ما زالت تناصب العداء لخيار كيري القاضي بالتعاون مع الروس للوصول إلى تسوية سياسية للصراع لا يحتمل التأويل.
تدرك موسكو حجم الخلاف القائم بين وزارتي الدفاع والخارجية، وميل أوباما الواضح لكيري، وتدرك أيضًا حساسية التوقيت بقرب موعد الانتخابات الرئاسية، ناهيك عن انشغال الإدارة الراحلة قريبًا بملفات أكثر أهمية استراتيجية كالملف الصيني.
ما تسعى إليه الولايات المتحدة في هذه الأثناء في أحسن الأحوال هو الحد من تقدم النظام السوري وحلفائه في الشمال
أضف إلى ذلك عدم رغبة واشنطن بالتعامل مع الفصائل المسلحة ذات التوجه الإسلامي وحربها على تنظيم الدولة الإسلامية، كل هذه الأسباب جعلت الروس يقدمون على هذا التهديد في وجه الأمريكيين، لقناعتهم أن واشنطن لن تغامر برمي كامل ثقلها في الملف السوري.
اقرأ/ي أيضًا: فلسطينيو سوريا والمستقبل الغامض
ما تسعى إليه الولايات المتحدة في هذه الأثناء في أحسن الأحوال هو الحد من تقدم النظام السوري وحلفائه في الشمال حتى تأتي الإدارة الجديدة التي لربما تجلب رؤية أخرى لحل وتسوية الصراع، وكما قلت سابقًا إن تسليح المعارضة خيار واشنطن الأكثر نجاعة وسيحقق توازنًا آنيًا من شأنه استدامة الصراع بين الأطراف المتصارعة.
في سياق متصل يبدو أن تحركات ستيفان ديمستورا المبعوث الخاص الدولي لسوريا وتصريحاته الأخيرة بضرورة انسحاب أفراد فصيل جبهة فتح الشام "النصرة" سابقًا من حلب لضمان سلامة المدنيين على حد قوله لم تأتِ من تلقاء نفسه.
يكشف الصمت عن مقترح ديمستورا استراتيجية الانسحاب الأمريكي من الملف السوري وعدم رغبة الأخيرة بتسوية الصراع في القريب العاجل
بل إني أزعم أن واشنطن تؤيد أو أنها على الأقل تقف على الحياد فيما يخص هذا المقترح، الذي يكشف بدوره استراتيجية الانسحاب الأمريكي من الملف السوري وعدم رغبة الأخيرة بتسوية الصراع في القريب العاجل.
في ظل هذا التخبط والاضطراب في المسألة السورية يظهر لنا حجم العجز العربي والتبعية المفرطة لواشنطن -حتى وإن كانت الأخيرة غير مهتمة بالصراع وسبل تسويته- فها هي السعودية تقف مكتوفة اليدين عن فعل أي تحرك يخفف وطأة المعركة عن حلب، وتكتفي بالتصريحات عن حتمية زوال نظام الأسد للانتقال إلى المرحلة الانتقالية، متجاهلة ورقة الجبهة الجنوبية التي يمكن لتفعيلها قلب الطاولة على النظام وحلفائه.
وإلى أن تتضح ملامح رؤية الإدارة الجديدة للبيت الأبيض حول سوريا بعد عدة أسابيع من الآن. سيبقى الدمار والقتل والتهجير الحليف الأقوى للسوريين في قادم الأيام، وستبقى الأزمة السورية وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يتصادم الجهاديون في الشمال السوري؟
عندما تبكي فرح.. الثورة على الذات قبل النظام