استحوذ رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك على شركة تويتر في صفقة بلغت قيمتها 44 مليار دولار أمريكي. قد لا يكون ماسك مهتمًا في المقام الأول بجني المزيد من الأموال من تويتر، إلا أن الخطوة لا تخلو من مقامرة خطيرة، قد يكون لها انعكاساتها على مستقبل أعمال الرجل حول العالم، وتحديدًا في الصين.
تشير التقديرات إلى أن العائد الذي قد يحققه إيلون ماسك من هذا الاستثمار التاريخي في شركة للتواصل الاجتماعي مثل تويتر قد لا يتجاوز 1%
تشير التقديرات إلى أن العائد الذي قد يحققه إيلون ماسك من هذا الاستثمار التاريخي في شركة للتواصل الاجتماعي مثل تويتر قد لا يتجاوز 1%، وهو بالمناسبة ليس أول رجل أعمال يدخل إلى ميدان الإعلام والأخبار بدعوى الاهتمام بالصالح العام وحريّة التعبير وحق الوصول إلى المعلومة. فماسك يقول إنّه في تويتر من أجل حرية التعبير، والتي يبدو ماسك مهتمًا بها بشكل صادق، إلا أنّ دخوله إلى هذا الميدان محفوف بالمخاطر السياسيّة، ويتضمّن مجازفة حسّاسة للغاية قد يترتب عليها تبعات وخيمة.
مقالات قد تهمّك:
إيلون ماسك يستحوذ على تويتر.. هذه أهم 6 تغييرات سيجريها على المنصة
ما هو تكتيك حبة السم الذي لجأت إليه تويتر لمنع إيلون ماسك من الاستحواذ عليها؟
لا بدّ من التذكير أولًا بالعلاقة التقليدية المتوتّرة بين تويتر والصين، منذ اندلاع حركة الاحتجاج الواسعة في شوارع هونغ كونغ، والهجوم الصيني المضاد لكبح المحتوى الذي سنشر على منصات التواصل الاجتماعي الأجنبية. وقد تعاملت تويتر مع ذلك على نحو صارم هي الأخرى فعمدت إلى حذف مئات آلاف الحسابات الصينية، وبدأت بوسم الحسابات الصينية الرسمية والإشارة إلى أنها حسابات مموّلة من الحكومة الصينية. كما توقفت إدارة تويتر عن قبول طلبات الإعلانات من وكالات أنباء صينية، ولم تبد أي استعداد للتعاون مع هيئات حكومية صينية والتعاطي مع طلباتها. كما بدا وأن تويتر في المقابل ترحب بشكل خاص بالحسابات التي تنتقد بكين. وقد بلغ الأمر بالسلطات الصينية إصدار قانون جديد يدعى "قانون الأمن الوطني"، والذي يستهدف بشكل خاص أشكال التعبير التي تثير "الفتنة" من مواقع أجنبية، مثل تويتر.
وول ستريت جورنال: هذا ما جنته تيسلا من الصين وما جنته الصين من تيسلا
لكن الحكومة الصينية لا تستطيع التحكّم بتويتر، لا بخوادمها ولا كوادرها ولا مستخدميها. لكنّ الوضع قد يختلف قليلًا الآن بعد استحواذ إيلون ماسك عليها. فشركة تيسلا تعتمد بشكل أساسي على مصنعها في الصين، والذي يعد مسؤولًا عن نصف منتجات الشركة من المركبات حاليًا، وتوفّر له حوافز ضريبية، وتعتمد عملياته على مصادر محليّة لتوفير المكونات الأساسية في العملية التصنيعية. أما السوق المحلي في الصين فيستوعب 25 بالمئة من مبيعات سيارات تيسلا، وهو ما يعادل 4.7 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، وهو ما أشارت إليه صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية عبر حسابها على تويتر، بعد ساعات من إعلان الصفقة بين تويتر وماسك.
#Tesla generated $4.65 billion in China in Q1, 2022, a year-on-year increase of 52.8%. China is now Tesla's second-largest market, accounting for 24.8% of the company's revenue. pic.twitter.com/QnXeOwrN7u
— Global Times (@globaltimesnews) April 26, 2022
من المتوقع أن تجري تعديلات واسعة على تويتر فيما يتعلق بالخطاب السياسي عليها تحت إمرة ماسك، وهو أمر لطالما بشّر به خلال الفترة الماضية، مشيرًا إلى أنّه لن يجد مشكلة في استيعاب أشدّ الأصوات المنتقدة له على المنصّة في حال تمكّن من الاستحواذ عليها، ضمن عقيدته التي تؤمن بالحرية المطلقة للتعبير. فقد نرى قريبًا عودة دونالد ترامب إلى تويتر، رغم أن الأخير قد ألمح إلى أنّه قد يرفض العودة إلى المنصّة بعد أن طرد منها، كما يمكن أن تلجأ بكين إلى الضغط من جانبها على إيلون ماسك من أجل تخفيف الضغوط عن الحسابات التي ترتبط بها وبأذرع البروباغاندا المحسوبة عليها. إلا أن الضغط الصيني لن يقف هنا على الأغلب. فالإدارة الصينية لا تشارك ماسك موقفه بشأن حرية التعبير والحق بها. ومن غير المستبعد أن ترفع الصين إلى ماسك ملاحظة حول "الحسابات الوهمية" التي تستهدفها من خارج الصين، وضرورة أن تتعامل تويتر مع هذه المسألة، وفي حال لم يتجاوب ماسك مع ذلك، فإننا قد ندخل في مرحلة مثيرة بين الطرفين، وقد تقرر بكين استهداف أعمال إيلون ماسك الضخمة في شنغهاي وتوريطها في سلسلة من "المشاكل التنظيمية". أما لو استجاب ماسك لمطالب الصينيين، فيسجد نفسه في مساءلة صعبة أمام الكونغرس الأمريكي.
الإدارة الصينية قادرة على التأثير في مواقف إيلون ماسك كمالك لشركة تويتر عبر الضغط على أعماله داخل الصين
صحيح أن ماسك لا يسعى وراء المال في صفقته مع تويتر، والتي تراجعت أرباحها في السنوات القليلة الماضية، إلا أنّ الأمر مختلف مع تيسلا، الأعلى قيمة على الإطلاق في قطاع السيارات، وأرباحها تنمو إلى جانب النموّ المتوقع في أعمالها وحجم تصنيعها. وصحيح أن حرية التعبير حق يجدر الدفاع عنه، إلا أن المساهمين في تيسلا لن يقبلوا بدفع ثمن هذه المغامرات الأخلاقية التي يخوضها الرئيس التنفيذي للشركة.