أشار تقرير نشرته وكالة رويترز بتاريخ 11 أبريل نيسان من هذا العام، إلى وثائق جديدة كشفت عن استهداف كبار المسؤولين في المفوضية الأوروبية، من خلال البرنامج التجسسي الإسرائيلي "بيغاسوس". ومن هؤلاء المسؤولين، بحسب ما أفادت الوثائق التي راجعتها وكالة رويترز، ورد اسم مفوض العدل الأوروبي، ديدييه رايندرز وهو من رجال الدولة في بلجيكا. وأدانت المفوضية الأوروبية جميع أشكال القرصنة غير القانونية للأجهزة في أعقاب فضائح بيغاسوس.
مفوض العدل في الاتحاد الأوروبي، ديدييه رايندرز، كان صرح العام الماضي أمام البرلمان الأوروبي "إن الأمن القومي لا يمكن أن يكون شيكًا على بياض لعدم احترام الحقوق الأساسية للمواطنين"، وأضاف "أي محاولة من قبل أجهزة الأمن الوطني للوصول بشكل غير قانوني إلى بيانات الأفراد، سواء كانوا محامين أو صحفيين أو مدعين أو نشطاء مجتمع مدني أو معارضين سياسيين، أمر غير مقبول على الإطلاق"، وذلك في الوقت الذي تستمر فيه التحقيقات لمعرفة مدى استخدام البرنامج من قبل الحكومات لغايات استخباراتية.
وفي العام الماضي أيضًا، كشفت مجموعة من الوسائل الإعلامية، بما فيها صحيفة الغارديان البريطانية، عن استخدام برنامج بيغاسوس ضد الصحفيين والنشطاء السياسيين في العديد من البلدان حول العالم. وقد استند التحقيق حينها، والذي شاركت فيه 17 مؤسسة إعلامية، إلى تحليل للهواتف وقاعدة بيانات مسربة تضم 50 ألف رقم هاتف جوال. يذكر إلى أنه من ضمن الشخصيات التي تمت مراقبتها والتجسس عليها، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميتشيل، وغيرهم من رؤساء الدول وكبار المسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين والعسكريين في 34 دولة حول العالم، بحسب ما أشارت وكالة euronews.
ودعا مركز مراقبة حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي إلى حظر برنامج بيغاسوس Pegasus للتجسس التابع لشركةNSO GROUP الإسرائيلية. وأفاد المركز الأوروبي إلى أن استخدام برنامج بيغاسوس يمكن أن يؤدي إلى مستوى غير مسبوق من اختراق الخصوصية، مشيرًا إلى أن البرنامج قادر على التدخل في جوانب الحياة الخاصة للأفراد. وأضاف المركز في بيانه إلى أن فرض حظر على انتشار البرنامج في الاتحاد الأوروبي سيكون "الخيار الأكثر فعالية لحماية حقوقنا وحرياتنا الأساسية"، وتابع البيان "الجدل حول برنامج بيغاسوس يثير أسئلة خطيرة للغاية حول التأثير المحتمل لأدوات التجسس الحديثة على الحقوق الأساسية للأفراد، وخاصة على حقوق الخصوصية وحماية البيانات الخاصة والديموقراطية وسيادة القانون".
يشار إلى أن البرنامج تتم زراعته بشكل خفي في الهواتف المحمولة بغرض التجسس. وقد أشارت المعلومات الصادرة عن عدة دول ووكالات استخبارات عالمية ومؤسسات حقوقية كبرى ومنها تقرير صحيفة النيويورك تايمز عن استخدام البرنامج من قبل العديد من الدول للتجسس على معارضين وصحفيين وناشطين اجتماعيين وسياسيين حول العالم. ويعتبر بيغاسوس من أخطر برامج التجسس وأكثرها تعقيدًا، وهو يستهدف بشكل خاص الأجهزة الذكية التي تعمل بنظام التشغيل iOS لشركة Apple العملاقة الرائدة في مجال اللكنولوجيا، وكما توجد منه نسخة مختلفة بعض الشيء لأجهزة الأندرويد.
وأضاف مسؤولون في الاتحاد الأوروبي بأن المفوضية أصبحت على علم بالرسائل النصية التي أرسلتها شركة آبل العملاقة الرائدة في مجال التكنولوجيا، وتتضمن الرسائل التي وصلت إلى آلاف مالكي أجهزة أيفون، تحذيرات تفيد بكونهم مستهدفون من قبل أجهزة حكومية.
فيما تشير معلومات أن الاتحاد الأوروبي بصدد إطلاق لجنة تحقيق حول القضية هذا الشهر وتحديدًا بتاريخ 19 نيسان /أبريل، بحسب ما أوردت المشرعة في الاتحاد الأوروبي، صوفي إنفيلد. وأضافت بالقول "علينا حقًا أن نصل إلى حقيقة الأمر حول هذه القضية". وسيتطرق التحقيق إلى ما إذا كان سيسمح باستخدام البرنامج في أوروبا، في الوقت الذي تواجه الشركة المصنعة للبرنامج التجسسي دعاوى قضائية في عدة دول، وكما تم إدراجها على "اللائحة السوداء" من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بتهمة انتهاك حقوق الإنسان.
ومطلع العام الجاري، كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أن البرمجة الخاصة ببرنامج التجسس بيغاسوس يمكن تحميلها خلسة على الهواتف المحمولة. وأكد التقرير أنه بمجرد تحميل برنامج التجسس على الجهاز يصبح العميل قادرًا على تحويله إلى أداة مراقبة قوية وفعالة من خلال الوصول الكامل إلى الكاميرا والمكالمات والصور ومقاطع الفيديو والميكروفون والبريد الإلكتروني والرسائل النصية، وغيرها من الخاصيات، مما يتيح مراقبة الشخص المستهدف وجهات الاتصال. وأضافت المنظمة "هذه تقنية هجوم متطورة ومعقدة، وفعالة في اختراق الأجهزة، ويصعب أيضًا على المستهدف اكتشافها أو منعها".
وأعلنت المنظمة عن استهداف موظفة لديها ببرمجية التجسس بيغاسوس مما "يؤكد الحاجة الملحة إلى تنظيم التجارة العالمية في تكنولوجيا المراقبة"، وأضافت "على الحكومات حظر بيع وتصدير ونقل واستخدام تكنولوجيا المراقبة حتى تطبق ضمانات حقوقية". وكانت مديرة قسم الأزمات والنزاعات ومديرة مكتب بيروت في هيومن رايتس ووتش، لما فقيه، قد تعرضت للاستهداف ببرمجية التجسس بيغاسوس 5 مرات بين نيسان/ أبريل وآب/ أغسطس من العام الماضي 2021. وقالت فقيه في هذا السياق "ليست صدفة أن تستخدم الحكومات برمجيات تجسس لاستهداف النشطاء والصحفيين، وهم الذين يكشفون عن ممارساتها التعسفية"، وأضافت "يبدو أنها تعتقد أن ذلك يساعدها على تعزيز سلطتها، وإسكات المعارضة، وحماية تلاعبها بالحقائق".
من جهتها، صرحت الباحثة والمدافعة في مجال الحقوق الرقمية في هيومن رايتس ووتش، ديبرا براون "تستخدم الحكومات برمجيات التجسس التي تطورها NSO GROUP لمراقبة وإسكات الحقوقيين، والصحفيين، وغيرهم ممن يكشفون الانتهاكات"، وتابعت بالقول "السماح لها بالعمل دون عقاب بوجود أدلة قاطعة على الانتهاكات لا يقوض جهود الصحفيين والمنظمات الحقوقية لمحاسبة أصحاب السلطة فحسب، بل يعرض أيضًا من يحاول حمايتهم لخطر جسيم".
وفي تموز /يوليو 2021، كشف مشروع مشترك نسقته فوربيدين ستوريز، وهي مؤسسة إعلامية غير ربحية مقرها باريس، وبدعم فني من منظمة العفو الدولية، أن برمجية بيغاسوس قد استخدمت لاختراق أجهزة عشرات النشطاء والصحفيين، وشخصيات معارضة في دول متعددة كبولندا والمجر (حكومتي البلدين اشترتا برنامج بيغاسوس لكنهما تنكران أي مسؤولية لهما في عمليات التجسس).
في المقابل، أعلنت الشركة المصممة للبرنامج أن "لديها إجراءات وقائية لمنع إساءة الاستخدام"، وأشارت إلى "إنها لا تتحكم في كيفية استخدام العميل للمنتج ولا يمكنها الوصول إلى البيانات التي يجمعونها"، وتابعت بالقول "إذا تم تحديد إساءة استخدام من قبل أحد عملائنا، فسوف نتخذ إجراءًا فوريًا، بما في ذلك إنهاء عقد العميل ونظامه"، وأشارت إلى أن "منتجها ساعد في منع الهجمات الإرهابية والعنف المسلح وساعد في تفكيك عصابات الاعتداء الجنسي على الأطفال وتهريب المخدرات". غير أن هذا التصريح تدحضه عشرات التقارير والتحقيقات التي أكدت وأثبتت عكس ذلك، وخاصة بعد اعتراف عدة دول بشراء البرنامج من ضمن صفقات التسلح وبغية مراقبة المعارضين السياسيين مثل المجر وبولندا والهند وغيرها من الدول.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل، الدولة المنتجة للبرنامج، تعرضت لضغوط عالمية بسبب سوء استخدام برنامج بيغاسوس. وقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن برنامج التجسس السري تم تحويله أيضًا إلى مواطني الدولة داخل إسرائيل، بما في ذلك أولئك الذين لم يشتبه في قيامهم بنشاط إجرامي ودون تصريح من المحكمة. وفي هذا السياق ذكرت صحيفة كالكاليست اليومية للأعمال أن الشرطة استخدمت برنامج التجسس لاختراق هواتف نجل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، إلى جانب مساعديه وأعضاء أخرين من دائرته المقربة.