يبدو من الواضح أن المواجهة مع جائحة كورونا التي ضربت العالم قبل سنة تقريبًا، قد اتخذت مسارًا مختلفًا في الأسابيع الأخيرة. خاصة مع بدء الحديث عن وصول أكثر من شركة أدوية للقاحات محتملة وشبه مؤكدة للفيروس، بعد إجراء الاختبارات السريرية الأولية والحصول على نتائج مشجّعة. فريق الاستجابة الأمريكي لكورونا أعلن مؤخرًا أنه لا توجد آثار جانبية للقاحي " فايزر" و "موديرنا"، وتوقّع أن تعود الحياة لطبيعتها إلى حد ما في شهر نيسان/أبريل أو أيار/مايو 2021.
عادت الأرقام المرتفعة في الحالات المسجلّة وأعداد الوفيات نتيجة فيروس كورونا إلى الظهور من جديد في أكثر من بلد أوروبي بالترافق مع اعتماد بعض اللقاحات واقتراب توزيعها
وكان مطوّرو اللقاح الروسي Sputnik V أكّدوا أن منتجهم فعّال بنسبة 95%، ولا يسبّب آثارًا جانبية كبيرة، إلا أنهم بحاجة لإجراء بعض التجارب الجماعية للوصول إلى نتائج أكثر دقة. السباق بين اللقاحات الأمريكية والروسية من أجل الوصول إلى اللقاح الأفضل والأكثر فعالية، يعيد إلى الأذهان ذكريات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. إذ تحاول اليوم كلا الدولتين أن تلعب دور "البطل" الذي أنقذ العالم من الفيروس الذي كان يهدد مصيره، ناهيك عن الطمع بالمردود المالي الكبير الذي يُتوقّع تحقيقه من بيع اللقاحات.
بريطانيا أول دولة غربية تبدأ ببرنامج التلقيح
أعلنت المملكة المتحدة أنها ستبدأ بتطبيق برنامج التلقيح ضد فيروس كورونا يوم الثلاثاء 8 كانون الأول/ديسمبر 2020. وكان وزير الصحة البريطاني مات هانكوك قد أكّد في قبل أيام أن بلاده تستطيع أن تسبق باقي الدول الأوروبية في البدء باستخدام لقاح Pfizer/BioNTech، مستفيدة بذلك من خروجها من الاتحاد الأوروبي على حد وصفه، حيث كانت المملكة المتحدة قد أعلنت في السابق رفضها المشاركة في خطة شراء اللقاح المشترك مع دول الاتحاد الأوروبي، حيث يؤمن البريطانيون بقدرتهم على تأمين الجرعات نفسها وبوتيرة أسرع في حال عملوا بشكل منفرد.
اقرأ/ي أيضًا: منظمة الصحة العالمية: لن نوصي بأي لقاح دون التأكد من سلامته
فيما أشارت مؤسسة Institute For Government على موقعها الإلكتروني، إلى أن بريطانيا قررت إعطاء الجرعات الأولى من لقاح Pfizer/BioNTech ابتداءً من السابع من كانون الأول، لتكون أول دولة غربية في هذا المجال. وقد برّرت المملكة المتحدة قرارها بالمبادرة فورًا باستخدام اللقاح، إلى النتائج السريرية الممتازة التي أعطتها هذه اللقاحات، وبالتالي فإن الفرصة مؤاتية لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، في وقت يحصد فيه الفيروس مئات الضحايا البريطانيين يوميًا.
وبالرغم من أنها الدولة المصنّعة للقاح فايزر بيونتيك، إلا أن عملية توزيع اللقاح في الولايات المتحدة الأمريكية ستتأخر لأسبوع آخر. أسباب كثيرة تقف وراء هذا التأخير، أبرزها عدم ثقة الأمريكيين بفعالية اللقاح، وتخوّفهم من الآثار الجانبية لتناوله. وكان عدد من المشاهير الأمريكيين قد أعلنوا عن استعدادهم لأخذ اللقاح بصورة علنية، لبث الثقة في صفوف المواطنين، وأبرزهم الرؤساء السابقين باراك أوباما، جورج بوش، وبيل كلينتون والرئيس المنتخب حديثًا جو بايدن.
في ذات السياق أعلن الاتحاد الأوروبي عن شراء 300 مليون لقاحًا من شركة Pfizer/BioNTech، إلا أن عملية توزيع اللقاحات ستتأخر حتى نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي، بسبب مشاكل بيروقراطية ترافق عملية التوزيع وتبريد اللقاح، خاصة في ظل الفروقات في الإمكانيات بين دول الاتحاد.
اقرا/ي أيضًا: خبراء: لقاح كورونا لن يتوفّر على نطاق واسع قبل نهاية 2024
وتواجه اليوم أكثر من دولة أوروبية الموجة الثانية من الفيروس، حيث عادت الأرقام المرتفعة في الحالات المسجلّة وأعداد الوفيات المرتفعة إلى الظهور من جديد. فعلى سبيل المثال سجّلت إيطاليا الثلاثاء الماضي 993 حالة وفاة، وهو الرقم الأعلى منذ وصول الجائحة إلى الدولة المتوسطية. فيما سجلت إسبانيا 8745 حالة جديد الخميس الماضي، وقد فاق عدد الإصابات فيها حتى الآن المليون ونصف المليون إصابة، أي حوالى 3.5 % من إجمالي عدد السكان فيها.
روسيا تطلق برنامجها والانتظار سيد الموقف
في هذا الوقت، كانت روسيا قد بدأت برنامجها لتوزيع لقاح Sputnik V وكانت البداية في عدد من عيادات العاصمة موسكو، حيث أعطيَت اللقاحات الأولى لحالات تعاني وضعًا حرجًا. وكان اللقاح الذي أنتجه مركز الأبحاث الروسي المختص بعلم الأوبئة والأحياء الدقيقة، قد حصل على موافقة وزارة صحية في شهر آب/ أغسطس الماضي. وقد أصبحت روسيا يومها رسميًا، أول دولة في العالم تعطي الضوء الأخضر لأحد اللقاحات، حتى قبل الاختبارات النهائية.
مع العلم أن آلاف المواطنين في روسيا قاموا بتسجيل أسمائهم للحصول على أول جرعتين من اللقاح نهاية الأسبوع الماضي. لكن التحدّي الحقيقي الذي تواجهه روسيا اليوم، هو قدرتها على إنتاج الكمية المطلوبة من اللقاحات في الفترة المقبلة. عمدة موسكو سيرجي أوبيانين أعلن أن الفرق المختصة في المدينة حدّدت 13 مليون مواطن ستكون لهم الأولية للحصول على اللقاح، حيث سيتم التركيز في الفترة الأولى على العاملين في المجال الصحي والاجتماعي، إضافة إلى الكبار في السن وذوي الأمراض المزمنة. بذلك، تستمر شركات متعددة في خوض غمار التجارب المتعلقة باللقاح، وينتظر العالم نتائج هذا السباق أن تصبح أكثر موثوقية وفعالية. بينما يبقى مصير وصول اللقاحات بعد نجاحها، أو تفوق أحدها، غير مؤكد إلى أغلب بلدان العالم. وكانت منظمة الصحة العالمية قد قالت في وقت سابق من هذا العام إنها "لن تقدم توصية بخصوص أي لقاح قبل الاطلاع بشكل كامل على البيانات الخاصة بالاختبارات التي أجريت على اللقاحات ونتائجها، والتأكد من فعاليتها في توليد الأجسام المضادة للفيروس، إضافة إلى ضمان سلامتها على الأشخاص الذين يحصلون على تلك اللقاحات". فيما توقع خبراء أن لقاح فيروس كورونا لن يتوفر على نطاق واسع قبل سنة 2024.
اقرا/ي أيضًا: