ضمن استراتيجيتها للضغط على إثيوبيا، تحركت القاهرة نحو بناء تحالفات إقليمية من شأنها أن تعزز، حسب مسؤولين مصريين، من موقف مصر تجاه تشغيل سد النهضة الإثيوبي من جديد دون التفاوض مع دول المصب للتوصل إلى قواعد حول ملء السد وتشغيله.
وشملت التحركات المصرية مؤخرًا نسج خيوط تعاون عسكري ودبلوماسي، مع كل من الصومال وجيبوتي، بهدف منع إثيوبيا من الحصول على منافذ بحرية عبر إقليم أرض الصومال غير المعترف به دوليًا، في ظل مخاوف من أن يؤدي تعزيز مصر لوجودها العسكري في القرن الإفريقي إلى مواجهة عسكرية مع القوات الإثيوبية المتمركزة هناك.
تقليص النفوذ الإثيوبي
تعمل مصر، منذ فترة ليست بالقصيرة، على تشكيل تحالفٍ عسكري بين 4 عواصم، هي القاهرة ومقديشو وأسمرا وجيبوتي. وبالتوازي مع هذا المسعى، تركز مصر أيضًا على توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع أوغندا.
تسعى مصر إلى تشكيل تحالف عسكري رباعي يضم الصومال وجيبوتي وإريتريا للضغط على إثيوبيا
والهدف من هذه التحركات المصرية هو تحجيم النفوذ الإثيوبي في المنطقة قدر الإمكان، الأمر الذي سيقلل من قدرة أديس أبابا على المناورة.
وكثفت مصر من تحركاتها بسبب اقتراب موسم الجفاف، حيث تبرز بشكلٍ جلي حسب المسؤولين المصريين تداعيات سد النهضة، خاصةً مع توقع القاهرة أن السلطات الإثيوبية سترفض السماح بمرور الحصص التاريخية لدول المصب. وأمام هذه المعطيات، يؤكد مسؤول مصري لصحيفة "العربي الجديد" أن بلاده "لن تتراجع عن استخدام كل الأدوات المتاحة لضمان مصالحها المائية".
ويشار إلى أن إثيوبيا أكملت تشييد سد النهضة بنسبة 100%، وقامت بعمليات الملء عدة مرات بالرغم من التحذيرات المصرية السودانية، وتنوي أديس أبابا الاستمرار في فرض سياسة الأمر الواقع تلك غير آبهة بالموقف المصري والسوداني الذي يزداد حدةً مع اقتراب موسم الجفاف، حيث من المتوقع أن تتفاقم أزمة المياه.
وكانت مصر قد سلكت عدة مسالك دبلوماسية لثني أديس أبابا عن الإضرار بمصالحها المائية، بما في ذلك التوجه لمجلس الأمن وقبول وساطات بهذا الشأن، أهمها الوساطة الجزائرية والسعودية والتركية، لكن من دون تحقيق نتيجة. وأمام فشل هذه الأساليب الدبلوماسية، بدأت القاهرة منذ نحو سنة في تجريب أساليب "خشنة" قد تتطور إلى "صراع عسكري".
رهان مصري على عودة ترامب
في العام 2020، قام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية على أديس أبابا، في رسالة فُهم منها أن موقفه أقرب للجانب المصري. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، تعمل القاهرة على كسب تأييد أميركي صريح لموقفها.
وكان الموقف السلبي الأميركي إزاء أديس أبابا نابعًا من رفض إثيوبيا عام 2019 التوقيع المبدئي على الاتفاق الفني النهائي لتشغيل وإدارة سد النهضة، الذي اقترحته كلٌ من وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهو الاتفاق الذي وقعه عن مصر حينها وزير خارجيتها سامح شكري في البيت الأبيض، لكن إثيوبيا حينها رفضت الحضور أصلًا إلى واشنطن، ما أثار غضب ترامب الذي وجه انتقادات لأديس أبابا ردت عليها الأخيرة بقولها إنها "دولة ذات سيادة ولا ترضخ لضغوط من أي جهة أو دولة كانت".
لكن الرهان المصري على دعم ترامب قد لا يكون في محله. وفي هذا الصدد، يقول وزير الموارد المائية والري المصري السابق، محمد نصر الدين علام، في تصريح لصحيفة "العربي الجديد"، إن "التعويل على ترامب قد يكون غير واقعي من الناحية السياسية، إذ ما هي دوافع ترامب لدعم مصر ضد حليف استراتيجي مثل إثيوبيا، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل؟". وإجابةً على هذا السؤال الاستنكاري، يقول علام إنه "لا يعتقد أن ذلك ممكن أو واقعي. وباختصار، يمكن فهم ما يجري من خلال التساؤل عن: لماذا ترامب يخدم مصر ويساندها ضد الحليف الإثيوبي-الإسرائيلي؟".
ذات وجهة النظر يتقاسمها مع علام أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، حيث يرى أن "الوضع الحالي يمنح إثيوبيا قوة تفاوضية أكبر"، مضيفًا "نعم، من المرجح أن مصر ستسعى لإعادة إحياء الدور الأميركي الذي كان أقرب تفهمًا للموقف المصري خلال إدارة ترامب الأولى. لكن أعتقد كذلك أن القاهرة تدرك أن هذا غير كافٍ، خصوصًا أن السد بات واقعًا يمنح أديس أبابا قوة تفاوضية أكبر".
ويضيف: "ما تعول عليه مصر أكثر في تقديري هو الوجود العسكري في الصومال وتعطيل مشروع إثيوبيا البحري في القرن الأفريقي، باعتبار أن هذا يمنح مصر ورقة مساومة قوية في مواجهة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد. ما زال من المبكر الجزم بنجاعة هذا الرهان، لكنه يظل أكثر تحرك جاد قامت به القاهرة في مواجهة سياسة فرض الأمر الواقع الإثيوبية".