تفاجأ المغاربة بأزمة دبلوماسية جديدة بين بلادهم وهولندا، تسبب فيها سعيد شعو، تاجر مخدرات معروف، وبرلماني سابق عن حزب العهد. ووصل مدى الأزمة إلى حد استدعاء المغرب لسفيره في هولندا للتشاور في الموضوع، وذلك قبل أن تلقي السلطات الأمنية الهولندية القبض على سعيد شعو صباح اليوم الخميس.
وكانت السلطات المغربية قد اتّهمت سعيد شعو بتمويل حراك الريف ضمنيًا بلا إشارة واضحة إلى اسمه، وذلك بعد خروج شعو إلى العلن يهاجم فيه حزب الأصالة والمعاصرة، قبل أسبوع. فمن هو سعيد شعو؟ وما علاقته بحراك الريف؟
المغرب يهدد وهولندا ترد
صباح اليوم الخميس، أوقفت السلطات الأمنية الهولندية، في مدينة روزندال، المغرب سعيد شعو، المتهم بالاتجار الدولي في المخدرات. وكان وزير الخارجية المغربي، قد أعلن في المجلس الحكومي الذي انعقد اليوم الخميس، أن السلطات الهولندية ستسلم سعيد شعو للسلطات الأمنية المغربية، لتجري محاكمته بتهم تبييض الأموال ومحاول القتل، والاتجار الدولي في المخدرات.
تسبب سعيد شعو في اندلاع أزمة دبلوماسية بين المغرب وهولاندا التي يقيم فيها، بسبب مطالبة المغرب لهولاندا بإلقاء القبض عليه وتسليمه
وعلى مدار الأيام الماضي، تسبب سعيد شعو في اندلاع أزمة دبلوماسية بين المغرب وهولندا، كانت على وشك أن تتصاعد، لولا أن ألقت السلطات الهولندية القبض عليه اليوم، بعد رفضها ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: حراك الريف وأزمة العقل السياسي المخزني
ووفقًا لبيان وزارة الخارجية المغربية، فقد صدر بحق سعيد شعو مذكرتا بحثٍ دوليتان، بعد التبليغ عنه من طرف السلطات المغربية، بتهمة "تكوين عصابة إجرامية منذ عام 2010، والاتجار الدولي في المخدرات منذ 2015".
وأكّد بيان الخارجية المغربية على أنّه "تم إرسال معلومات دقيقة إلى السلطات الهولندية تفيد بتورط المهرب المذكور في تمويل وتقديم الدعم اللوجيستي لعدد من الأوساط شمال المملكة"، في إشارة غير مباشرة للحراك الشعبي في الريف.
وكان المغرب قد وصف سعيد شعو بـ"المهرب الذي يرتزق من الاضطرابات"، ما اعتبره البعض إشارة أُخرى إلى الاحتجاجات في منطقة الريف المستمرة منذ شهور. كما أكّدت السلطات المغربية على "حقها في اتخاذ كافة الإجراءات الدبلوماسية والسياسية اللازمة، التي قد يكون لها أثر على العلاقات مع هولندا"، وعلى إثر ذلك استدعى المغرب سفيره في العاصمة الهولندية لاهاي، فيما اعتبر وقتها بداية تصعيد المغرب في هذا الملف.
من جانبها ردت هولندا على البيان المغربي ببيان مشترك بين وزارتي الخارجية والأمن والعدل في الحكومة الهولندية، أكّدت فيه التزامها بالتعاون مع المغرب، "شريطة أن يكون هذا التعاون مبنيًا على أسس القانون الدولي، ومحميًا به"، واصفةً البيان المغربي بـ"غير المفهوم والذي لا ضرورة له".
سعيد شعو وحراك الريف
سعيد شعو الذي كان برلمانيًا عن حزب العهد، هو عضو حركة "18 سبتمبر" المطالبة باستقلال الريف، والتي تأسست في هولندا. وكثيرًا ما يُشار إليه كمحرك بشكل ما وراء تصعيد الاحتجاجات في منطقة الريف، وهو من قال في كلمة له عبر مقطع فيديو نشر على شبكة الإنترنت، بلهجة ريفية وعربية، إن "الحل الأمثل للوضع الذي يعيشه الريف، هو كسر الوساطة بين الريف والملك".
وأضاف سعيد شعو في نفس المقطع المسجل، إن "الريف لا يحتاج إلى وساطة مع المؤسسة الملكية، وأن وساطة صديق صديق الملك وصديق صديق صديق الملك هي أصل التوتر"
ولم يتردد سعيد شعو في انتقاد حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من البلاط الملكي، رغم أن لسعيد شعو صلة قرابة بالأمين العام للحزب ورئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة، كما تشير وسائل إعلام محليّة. فشن سعيد شعو هجومًا لاذعًا على الحزب بقوله، إن "ناصر زفزافي كان عليه أن يُسمي مثل هذه بالعصابة السياسية عوض الدكان السياسي، لأن هدف قادته في الريف ليس المساهمة في تنمية المنطقة كما فعل الاستقلاليون في فاس، وإنما ترهيب وتركيع الريفيين"، على حد تعبيره
وفي اتهامٍ منه بفساد قادة الحزب، قال سعيد شعو إنّه يعرف كافة قياداته، وأنه في سنة 2010 لم يتجاوز رأسمال أكثرهم ثراءً 100 مليون سنتيم، "والآن يتصرفون في مشاريع بالمليارات"، على حد قوله.
واعتبر سعيد شعو أنّ المصالحة الحقيقية مع الريف، لابد أن تبدأ بالتنمية الشاملة للمنطقة، و"رفع تسلط حزب الأصالة والمعاصرة على الريفيين، عوض الانجرار وراء العصابة الموازية"، بتعبيره، متحدثًا على لسان الاحتجاجات الريفية بقوله، إن "رسالة الحراك الأساسية تقول إن الريفيين لن يصبروا أكثر عن طغيان حزب الأصالة والمعاصرة الذي سرق الريف وخلق الفتنة".
سعيد شعو بين المهجر والمغرب
لم يحصل سعيد شعو الذي هاجر إلى هولندا في الثمانينات، على شهادة الباكالوريا، لكنه كان يطمح بمتابعة دراسته، وإلى جانب هذا الطموح، شغله الاهتمام بالشأن السياسي المغربي من أرض المهجر، فانخرط في عمل جمعوي من هناك.
وفي 2002 دخل سعيد شعو المغرب بما يفترض أنه رجوع نهائي لبلاده، وذلك لإدارة استثمار في الريف الذي هو موطنه الأصلي. ثم في 2003 دخل غمار السياسة، وبصحبته تصريحات مثيرة انتقد فيها العمل السياسي في الريف وعموم المغرب، من بينها: "النقود هي سلاح الانتخابات في المغرب، والسياسيون هم أناس وصوليون يسعون وراء مصالحهم الشخصية فقط".
وفي أرض المهجر هولندا، امتلك سعيد شعو مقهى كان يقدم فيه لزبائنه "الحشيش المغربي"، كما يقول بنفسه، وذلك في ظل سماح القانون الهولندي بتعاطي الحشيش في المحال المرخص لها بذلك، ورغم ذلك أغلقت السلطات مقهى سعيد شعو لمشاكل قانونية.
في 2002 عاد سعيد شعو للمغرب لإدارة استثمار في الريف، وفي 2003 غاض غمار السياسة وترشّح لعضوية البرلمان
وبعد سنوات من إقامته في المغرب، اتهمته السلطات بتهريب المخدرات، لكنه استطاع الخروج إلى هولندا ليستقر فيها من جديد. ثم عاد لواجهة الساحة السياسية المغربية، بحديثه عن حراك الريف، لتتهمه السلطات المغربية بشكل غير مباشر بتمويل وتحريك الاحتجاجات التي يؤكد نشطاؤها على أنهم غير انفصاليين، وأن البعد الاجتماعي هو الحاكم لمطالبهم.
اقرأ/ي أيضًا: العقلية البوليسية تدير المغرب مجددًا
هذا ومن المعروف أن في هولندا ما يقارب 48 ألف مغربي، ينحدر أغلبهم من أصول ريفية، ويعود عدد كبير منهم لبلادهم لقضاء عطلة الصيف في أرض الريف، خصوصًا الحسيمة وما يجاورها، والتي تشهد حراكًا شعبيًا متصاعدًا منذ نحو ثمانية أشهر، تخللتها اشتباكات مع قوات الأمن، واعتقالات في صفوف المحتجين.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف يدفع المغاربة تكلفة تهرب الأغنياء من الضرائب؟
البرلمان المغربي "بنك خيري".. امتيازات ريعية للنواب بلا مقابل!