لا شك بأن الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك، من أهم الفلاسفة الماركسيين في الوقت الحالي، بل إن هناك من يعتبره امتداداً لأهم الفلاسفة الذين اشتغلوا بالاستناد إلى النظرية الماركسية في التحليل منذ منتصف القرن التاسع عشر.
لا يبتعد جيجك في كتابه "بداية كمأساة وأخرى كمهزلة"، دار طوى/ ترجمة أماني لازار،عن أزمة الرأسمالية، المذكورة سابقاً، فهو يشير في مقدمة الكتاب إلى أنه "يتعامل مع مأساة ومهزلة مختلفتين كلياً، تحديداً الحدثين اللذين يشيران إلى بداية ونهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، والانهيار المالي في عام 2008"، وهما الحدثان اللذان سبقا أحداث وول ستريت بفترة، مؤكداً في مكان آخر من المقدمة على أن الكتاب لا يقدم تحليلات حيادية، بل تحليلات متورطة و"منحازة جداً" إلى النظرية الشيوعية.
جيجك: تحليلاتي متورطة ومنحازة جداً إلى النظرية الشيوعية
ينظر إلى تحويل نظام البنوك إلى نظام اشتراكي في أزمة 2008، بأنه لم يكن سيئاً، طالما أنه خدم استقرار النظام البنكي الرأسمالي، مشيراً إلى أن الصين، على الرغم من أن نظامها شيوعي إلا أنها استخدمت النظام الرأسمالي لفرض نظامها الاشتراكي، مدللاً على أن "مأزق الملكية الفردية"، كان هو السبب الأساسي للانهيار المالي، وأزمة البنوك في 2008، فاليسار الذي كان يظن أنه سيستفيد من الأزمة المالية، بدا "ساذجاً"، لأن المرحلة القادمة لن تشهد "صعود السياسات التحررية"، إنما ستشهد "صعود الشعوبية العنصرية"، والتي لخص عناصرها جيجك، بتزايد أكبر للحروب، وارتفاع نسبة الفقر في بلدان العالم الثالث، وازدياد الانقسام بين الفئات الغنية والفقيرة.
يذهب جيجك في تحليله إلى الاستعانة بالمفاهيم الماركسية القديمة، التي وجد فيها أن مهمة الرأسمالية خلال الأزمة التي مرت بها، كانت "فرض الرواية التي لن تلقي اللوم على النظام الرأسمالي العالمي"، إنما على "الانحرافات الطارئة والثانوية"، فالرأسمالية من وجهة نظره، ليست مفلسة تماماً من الخيارات المتاحة لإنقاذ نفسها، لكن "فهمها فقط هو المشوّه"، ولذلك يمكننا التماس كيفية تشكيل الرأسمالية لنفسها، وتكييفها مع جميع الحضارات "عند مستوى الحقيقة بلا معنى، بوصفه واقعاً لآلية السوق العالمية".
وكما جميع أعماله، يعتمد جيجك في معظم أجزاء كتابه على اقتباسات وإشارات لفلاسفة مثل "كارل ماركس، إيمانويل كانط، آلان باديو"، أو كتاب روائيين، وحتى مخرجين من هوليوود، لدعم نظريته في تآكل النظام الرأسمالي، والتأكيد على أن الفلاسة الماركسيين قد تنبأوا بالأزمة الحالية. كذلك يستمد من كتابات الروائيين الأمريكيين، ما كانوا يطرحون في متن أعمالهم من سرديات، في محاولة منهم لإنقاذ النظام الرأسمالي، وهو ما يعيدنا إلى فيديو سابق، نشر له على موقع "يوتيوب"، عندما تحدث عن طريقة صنع إيمير كوستاريكا لفيلمه "Underground"، ووصف صنع الفيلم بأنه مأساة، مضيفاً بأن المخرج صوّر ما أراد الغرب رؤيته عن منطقة البلقان. التحليلات ذاتها التي بنى من خلالها رؤيته لفيلم كوستاريكا، يسوقها جيجك في كتابه، ولكن هذه المرة من بوابة أبطال هوليوود الخارقين مثل "سبايدرمان" و"باتمان".
يتوجب على الرأسمالية إعادة اختراع الاشتراكية رغبة في إنقاذ نفسها
ينهي جيجك الفصل الأول من كتابه، مثلما بدأه، بالحديث عن الحلول الطوباوية، والتي كان بدأ عصرها في التسعينيات مع بيل كلينتون، وتطلبت "قدراً كبيراً من عنف السوق الإضافي لتؤسس وتصلح شروط تشغيلها".
أما بالنسبة للفصل الثاني، فإن محوره الرئيسي هو النظر إلى الفرضية الشيوعية، التي استمدها من نص فلاديمير لينين "عن صعود جبل عال"، وأنه على "المرء البدء من البداية، ليس من القمة التي قد وصلها المرء بنجاح في الجهد السابق"، فالمشاعات جرت خصخصتها على حساب الطبقة العاملة، مع إمكانية إعادتها إلى المشاعات من دون العودة للنظام الشيوعي، من خلال اشتراكية الدول الرأسمالية، لأن ما يهم الأخيرة في النهاية، حسب رأيه، يكمن في "تجاوز الحل الشيوعي، وإعادة اختراع نوع ما من الاشتراكية في مظهر الطائفية أو الشعوبية أو الرأسمالية بقيم آسيوية".
ويشير جيجك إلى مقال جون ميكام وإيفان توماس "نحن جميعنا اشتراكيون الآن" كمثال، وذلك لقوله "يتوجب على الرأسمالية إعادة اختراع الاشتراكية رغبة في إنقاذ نفسها"، ولذلك يرى بأن يسار اليوم بحاجة إلى جرعة كافية من النموذج اللينيني.
وفي الفصول الأخيرة، يؤكد على الخيار الشيوعي، مستنداً إلى عددٍ من النماذج الثورية لـ "شيوعية ما بعد الحداثة"، لذلك نجده يكتب، في النهاية الكتاب، ما يشبه النداء للشيوعيين الذين تحولوا تدريجياً إلى الخيار الرأسمالي، بالاستناد إلى تجارب اشتراكية، "لا تكن خائفاً، انضم إلينا، عد! لقد حصلت على تسليتك في معاداة الشيوعية، وأنت مُسامح عليها، حان الوقت لتكون جاداً مرة أخرى".