أصدرت محكمة جزائرية أمس أحكامًا بالحبس بحق 6 من أفراد الطائفة الأحمدية بتهمة "ممارسة نشاط غير قانوني"، من خلال "الجمع غير القانوني للأموال والنشاط في جمعية غير مرخصة وتوزيع منشورات تمس بالمصلحة الوطنية"، حسب اتهامات المحكمة، وحكم على خمسة منهم بالسجن سنة نافذة وستة أشهر غير نافذة، بينما حكم على السادس بستة أشهر غير نافذة، وسبق أن حكمت محكمة ابتدائية عليهم بالسجن بين سنتين وأربع سنوات لكل منهم، في آذار/مارس الماضي.
تنظر السلطات الجزائرية إلى الطائفة الأحمدية كـ"خطر يهدّد الأمن الديني والسلم الاجتماعي للبلاد"
وأعادت الواقعة جدل شرعية حضور الطائفة الأحمدية في الجزائر من عدمها، القضية التي باتت تستقطب اهتمامًا إعلاميًا محليًا ودوليًا متزايدًا في الشهور الأخيرة، وتفتح نقاشًا سياسيًا ودينيًا ساخنًا داخل المجتمع الجزائري.
اقرأ/ي أيضًا: عيد الرضوان.. أقدس أعياد البهائية
كيف تتعامل الجزائر مع الأحمدية؟
لم تكن هي المرة الأولى التي تصدر فيها أحكام سجن ضد أحمديين في الجزائر، إذ منذ بداية 2016 بدأت سلطات قصر المرداية في شن عمليات اعتقال ومداهمة متوالية ضد أتباع الطائفة الأحمدية المتواجدين بعدد من المدن الجزائرية، وأسفرت هذه العمليات عن إيقاف العشرات من الأحمديين، بينهم زعيم الطائفة محمد فالي، الذي أعلن عن نفسه في شباط/ فبراير الماضي، عندما وجّه رسالة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يشكو له فيها "التهجم غير المبرر" على أتباع الطائفة، ويطالب بالسماح لهم بالعمل بشكل قانوني.
وتنظر السلطات الجزائرية إلى الطائفة الأحمدية كـ"خطر يهدّد الأمن الديني والسلم الاجتماعي للبلاد"، كما يقول وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى، الذي يؤكد على أن ملف الطائفة الأحمدية هو "قضية أمنية بحتة"، في إحالة منه على تخوف السلطات من ارتباط هذه الطائفة بجهات سياسية أجنبية، أو محاولتها اختراق العقيدة السنية المالكية لمعظم الشعب الجزائري.
الاتهامات التي ينفيها الأحمديون بالجزائر، ويطالبون الدولة الجزائرية من جانبهم بالامتثال لحرية العقيدة والتدين كما هي مسطرة دوليًا، ووقف الإساءة التي يتعرضون إليها، كما يصرون على حقهم في العمل بشكل قانوني، حيث سبق للسلطة الجزائرية أن رفضت طلبهم بإنشاء جمعية مدنية تابعة للطائفة الأحمدية وافتتاح مسجد.
وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية الصادر حديثًا بخصوص الجزائر، فإن عدد الأحمديين المستقرين بالجزائر يقدر بحوالي 2000 فرد، وتم القبض على أكثر من 280 شخصًا منهم منذ بداية 2016، حكم على ثلثهم بالسجن لمدة تصل إلى أربعة أعوام، وبغرامات تصل مبالغها إلى 300,000 دينار جزائري (أي نحو 2,750 دولارًا). فيما الباقي منهم لا يزال يحاكم في حالة سراح.
وقالت في هذا الصدد، هبة مرايف، مديرة البحوث لشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: إن "قمع الأحمديين على مدى العام الماضي يبعث على القلق، فهذه الحملة التي شملت توقيف الأحمديين وملاحقتهم قضائيًا هي إشارة واضحة على أن السلطات تعمل على تصعيد القيود المفروضة على الحرية الدينية في البلاد"، مطالبة بالإفراج عن الموقوفين وإتاحة لهم ممارساتهم السلمية لشعائرهم الدينية.
بحسب تقرير منظمة العفو الدولية، فإن عدد الأحمديين المستقرين بالجزائر يقدر بحوالي 2000 فردًا، وتم القبض على أكثر من 280 شخصًا منهم
اقرأ/ي أيضًا: حرب المائة عام بين السنة والشيعة
من هم الأحمديون؟
ظهرت الحركة الأحمدية في أواخر القرن التاسع عشر، في قاديان، إحدى قرى إقليم البنجاب في الهند، على يد مؤسسها ميرزا غلام أحمد (1835-1908)، وعقب انشقاق باكستان عن الهند، انتقل أنصار الحركة سنة 1947 من الأخيرة إلى باكستان ذات الأغلبية المسلمة، اعتقادًا منهم أنها الأقرب دينيًا، إلا أنهم ما لبثوا قليلًا حتى بدؤوا يتعرضون لهجمات وحشية من القتل والتخريب من طرف الإسلاميين الأصوليين، ما اضطرهم في الأخير بنهاية القرن العشرين إلى نقل نشاطهم الدعوي إلى لندن، حيث اتخذتها الحركة مركزًا دينيًا لها إلى اليوم.
لا ترى الطائفة الأحمدية نفسها خارجة عن الإسلام، بقدر ما تعتبر ذاتها "حركة إسلامية تجديدية متسامحة"
يؤمن الأحمديون بالقرآن والسنة الحديث، مثلما يعتقدون بأركان الإسلام الخمسة كباقي المسلمين، لكنهم يختلفون في كونهم يعتقدون بأن زعيم الطائفة الأحمدية، ميرزا غلام أحمد، هو الإمام المهدي والمسيح الموعود الذي يجمع الناس من كافة الأديان على الخير، كما يحصرون شريعة "الجهاد" في الدفاع عن النفس فقط، ويؤمنون بالحرية الدينية التامة لكل الناس.
وهذه من المسائل التي يرفضها عامة المسلمين وجميع المؤسسات الإسلامية، التي تنظر إلى هذه الطائفة من الإسلام كفئة "مارقة من الدين"، وكانت "رابطة العالم الإسلامي" قد عقدت مؤتمرًا في 1974 بجدة السعودية، خصيصًا لإعلان قرار يعتبر الطائفة الأحمدية "حركة تخريبية ضد الإسلام والعالم الإسلامي"، ولذلك تحظر البلدان الإسلامية أنشطة هذا التيار الديني.
غير أن الطائفة الأحمدية لا ترى نفسها خارجة عن الإسلام، بقدر ما تعتبر ذاتها "حركة إسلامية تجديدية متسامحة"، تسعى إلى "جعل الدين الإسلامي طريقة عالمية للحياة بتسامح ومحبة مع مختلف الناس من أجل خدمة الإنسانية"، كما يقول موقعها الرسمي على شبكة الانترنت، وتؤكد على سلمية أنشطتها وعدم تدخلها في عمل الحكومات.
لا توجد أرقام دقيقة لعدد منتسبي الأحمدية في العالم، إلا أن الطائفة تقول بأن عددهم يصل لـ 200 مليون، فيما تحصرهم تقارير في 10 ملايين أحمدي، ينتشرون بقوة في أمريكا وبريطانيا وباكستان والهند وأندونيسيا، ويهتم الأحمديون كثيرًا بالعمل الدعوي، حيث ينتشر مرشدو الطائفة بإفريقيا وأوروبا وآسيا لنشر الأحمدية، وقاموا بترجمة آيات مختارة من القرآن إلى أكثر من 52 لغة، علاوة على أنهم ينشطون على الانترنت ويملكون قناة تلفزية تُبث من لندن.
تتميز الطائفة الأحمدية أيضًا بنظام الزعامة الشبيه بالطائفة الاثني عشرية من الشيعة، حيث يقود الحركة كبير حكماء، فبعد وفاة مؤسس الحركة ميرزا غلام أحمد سنة 1908، اختير نور الدين خليفة للأحمدية، ثم ميرزا ناصر أحمد، وبعده ميرزا طاهر أحمد، ليتقلد ميرزا مسرور أحمد إلى اليوم منصب الخليفة الخامس للأحمدية.
اقرأ/ي أيضًا: