تأليه الزعيم ظاهرة شرقية بامتياز، ابتكرتها شعوب المنطقة قبل آلاف السنين، نجدها في مصر القديمة وبابل وسوريا القديمة وغيرها من حضارات الشرق، فالحاكم لدينا كان عبر كثير من المحطات التاريخية هو مبعوث العناية الإلهية إلى الشعب.
الاستقلال العربي لم يتم إلا بعد أن أوصل المستعمرُ الحاكمَ العسكري الدكتاتوري إلى سدة الحكم
ورغم انحسار هذه الظاهرة إلا أنها أخذت تجليات كثيرة عبر العصور لعل نسختها المعدلة ظهور شخصية "القائد الملهم والمعلم"، الذي فرض وجوده على عالمنا العربي على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين. لكن الخطورة في شخصية هذا الحاكم أن ظهوره جاء مع بدايات تكوّن فكرة الدولة الوطنية الحديثة في عصر ما بعد استقلال الدول العربية عن المستعمر، لدرجة تدفع بالاعتقاد أن الاستقلال لم يتم إلا بعد أن أوصل المستعمر الخارجي الحاكم العسكري الدكتاتوري إلى سدة الحكم، ويفرض سلطانه على المجتمع ليكون أشبه بسلطة احتلال محلية حكمت البلاد بالنار والحديد.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تحاول السلطة المصرية ملء فراغ الإسلاميين؟
وبالإجمال يمكن القول إن فكرة نشوء الدولة الوطنية عربيًا ترافقت بعاملين متناقضين؛ الأول الإعلان عن قيام "دولة إسرائيل"، والثانية نشوء "سلالة" الحكام العسكر في عالمنا العربي، تلك السلالة التي أذاقت الشعوب العربية مرارة الهزيمة تلو الهزيمة، وباعتهم وَهم الانتصارات على امتداد نصف قرن، وصولًا إلى تدجين المؤسسة العسكرية من جيوش تذود عن حدود الدولة من الأعداء الخارجيين إلى جيوش تحمي الطاغية من شعبه.
جهاز المخابرات
هذه الحالة تزامنت مع تجربة مأسسة جهاز المخابرات على يد الزعيم جمال عبد الناصر، في خمسينيات القرن الماضي، وتعميم التجربة على دول العالم العربي، والتي كان محصلتها ابتلاع أجهزة المخابرات للدولة ومؤسساتها وجعل النظام هو الدولة، لحد أصبح انهيار النظام هو كابوس على المجتمع يهدد بانهيار الدولة.
كان لا بد أمام هذه التطورات وتفرد العسكر في الحكم من خلق شخصية كارزمية تتمتع بكل مقومات السيطرة على الشارع، ولكن الكارثة كانت أن سيطرة تلك الشخصية على المجتمع لم تأت من قدرتها على الإقناع، وإنما من قدرتها على القتل والتخويف، لذلك أصبح وجودها مرهونًا بحجم العنف الذي تمارسه فبه تكون قادرة على السيطرة، وتضمن الديمومة في حكم مجتمعها، فكان الخوف والعنف هو "الملاط" الذي بنى عليه الطاغية أركان حكمه.
لكن عصر انهيار زمن الطغاة أثبت أن الجيوش والقبضة الأمنية الحديدية إنما كانت حماية للطاغية من شعبه، وهذا تجلى بوضوح في حكمهم ابتداء بجمال عبد الناصر، وليس انتهاء بصدام حسين وحسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي وحافظ الأسد وابنه بشار الأسد.
خلال الربيع العربي اكتشف العالم مدى التشابه المدهش في بنية الأنظمة العربية وردود فعل حكامها إزاء ثورة شعوبهم
اللافت أنه خلال الربيع العربي اكتشف العالم مدى التشابه المدهش في بنية هذه الأنظمة وردود فعل حكامها إزاء ثورة شعوبهم المطالبة بـ"الحرية والديمقراطية"، لكن تلك الثورات رغم كل العنف الموتور الذي شهدنا أكثر فصوله ألمًا في سوريا أدت إلى زعزعزة أسطورة "القائد الملهم" الذي يتبعه الشعب كالقطيع المطيع، وشهدنا فصول تحطمها وتمزيقها مع تحطم أصنام وصور تلك الشخصية على امتداد الوطن.
اقرأ/ي أيضًا: المعتقلون قضية وليسوا ملفًا.. تلك هي المسألة!
لكن وخلال مسيرة الثورة السورية ظهر مؤشر خطير هو ظاهرة استدعاء فكرة "تأليه الحاكم" من الموروث الشرقي، التي تجلت بلحظات تقديس الرئيس وتأليهه على الهواء مباشرة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ذاك الاستدعاء الذي بدا في البداية أنه ردة فعل على تحطيم صور وأصنام الحاكم المستبد من جهة، ولعبة صنعتها أجهزة مخابراته لشدّ أزره ورفع معنوياته أمام هول عمليات تحطمه.
سوريا الأسد... القائد خالد
على مرّ عقود أربعة كانت عبارة "سوريا الأسد" تزرع في عقول الأجيال المتلاحقة، وكانت هي العنوان الأبرز لاختصار صورة وطن يمتد عمر الحضارة فيه لما يقارب 12 ألف عام بشخص القائد "الأول الرمز الملهم"، نجح حافظ الأسد بقبضة أمنية حديدية وعقاب لا يرحم بتكريس هذه الصورة، وأصبح هتاف بـ"الروح بالدم نفديك يا حافظ"، ومن بعده "بشار" لازمة ولائية يمكن أن يقضي أي شخص استهزأ بها عمره خلف القضبان إن نجا من الموت، وأصبحت النقابات التي تم تدجينها تجعل من شخصية "القائد الملهم" منطلقًا لمعتقداتها، وأصبحت صورة حافظ الأسد بالنسبة للصحافيين النقابيين هي صورة لـ "الصحفي الأول" وكذلك في نقابة المهندسين ونقابة المعلمين وغيرها.
لكن مظاهر المهابة التي فرضها حافظ الأسد على شخصيته قبل موته وإضفاء صفة "الخلود" عليه بعد "وفاته" بعبارة "القائد الخالد"، حطمها الشارع الثائر في سوريا في محاولة للخروج من الـ"كفن" الذي حاول به القائد "الخالد" دفن المجتمع به، والتي وجدنا أبرز فصولها في صورة مجلس الشعب الذي ناح أعضاؤه ولطموا بطريقة هستيرية، ورئيس المجلس عبد القادر قدورة يتلو بيان وفاة "زعيم الأمة"، وزعم البعض أنه يرى صورته ترتسم على "القمر" عندما يصبح بدرًا، ورغم كل تلك المظاهر إلا أن الأمر لم يصل بـ"حافظ الأسد" إلى حد "عبادته"، كما فعل ابنه.
عبدة القائد الملهم
قبيل آب/أغسطس 2011، انتشرت ظاهرة هزت الوجدان السوري، وهي الحالة التي اختصرت تسميتها بـ"عبادة بشار". فخلال تلك الأشهر انتشرت صور وأفلام على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، تظهر مؤيدين للرئيس السوري "القائد الملهم والأوحد"، وهم يرددون عبارات من قبيل "لا إله إلا بشار"، وأخرى لعناصر أمن يضربون شابًا ويجبرونه على قول تلك العبارة، وصور لمتظاهرين يضعون على الأرض صورة كبيرة لـ"القائد المفدى والملهم بشار الأسد" ثم يسجدون عليها، وآخر يمسك صورة الرئيس ويقبلها بحرقة والدموع تنسكب من عينه ثم يضمها ويدور حول نفسه قبل أن تتصاعد حالته ويدخل في "هستيريا" يتخلل هتافات المجتمعين حوله "بالروح بالدم نفديك يا بشار" ثم يضع صورة الرئيس على الأرض ويسجد لها.
منذ آب/أغسطس 2011، انتشرت ظاهرة هزت الوجدان السوري وهي الحالة التي اختصرت تسميتها بـ"عبادة بشار"
شخص آخر يقول عن الرئيس بشار على شاشة إحدى الفضائيات نحن كشعب سوري "قبل الله نعبده". تظهر مقاطع أخرى لقاء مع "فنان سوري" كما يعرّفه مذيع القناة الفضائية السورية الرسمية ليدلي بمداخلة على شاشة التلفزيون الرسمي في نيسان/أبريل 2011 يبدأها بمقطع شعري:
"اسألوا آبائي اسألوا جدي اسألوا نسبي
اسألوا الشموخ اسألو الواحد الأحد
اسألوا من شئتم فأنا البعث ديني
وربي بشار الأسد.."
هنا اضطر مذيع الحلقة، علاء الدين الأيوبي، إلى مقاطعة الفنان عن مداخلته ليكلف نفسه عناء شرح الأبيات السابقة: ما قاله أخي الفنان، هو تداعيات شعرية.. ومن فيض حبه استخدم المجاز في المسألة.
اقرأ/ي أيضًا: عن "الحَلَق" الذي لم يهتم به الرئيس!
أكثر من ذلك ظهر عدد من المدافعين عن النظام السوري واستخدموا في توصيفهم للحالة السورية عبارات من قبيل ما استخدمه عضو مجلس الشعب خالد العبود في تعليقه عن بداية ظهور الانشقاقات في الجيش العربي السوري، قائلًا على شاشة المنار التابعة لحزب الله اللبناني: "يمكن للملائكة أن تنشق وهذه المؤسسة لا تنشق".
ثم خرج عضو مجلس الشعب أحمد شلاش في تعليقه على الضغوط التي تتعرض لها سوريا قائلًا على ذات الشاشة: "من يحشرنا في الزاوية نحشر الله يلي خلفه كله على بعضه"، وفي رد الخبير الاستراتيجي السوري طالب إبراهيم على اتهامات الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، خلال حلقة الاتجاه المعاكس على شاشة الجزيرة، التي وجه فيها الأخير اتهامًا للأمن السوري بقتل وتقطيع فتاة تدعى زينب الحصني، قال "أتحداك وأتحدى يلي خلقك أن تثبت أن الأمن السوري هو من قطعها"؟
يظهر فيديو آخر كتيبة من عناصر القوات الخاصة وهي تردد شعارات حماسية من قبيل: "نار نار نار، كلنا ثوار، أرواحنا قلوبنا فدى الأسد بشار"، هم لم يستخدموا في هتافهم أنهم فدا "سوريا بل فداء للقائد الملهم".
ويبدو أن البشر في مراحل تاريخية معينة يتواطؤن على إنتاج تلك الشخصية لظرف تاريخي، أو لمؤامرة تخاط له، وقد استطاع الفيلسوف اليوناني أرسطو أن يفكك شخصية الطاغية وغاياتها قبل آلاف السنين (راجع كتاب الطاغية ص 120) إذ يقول: "الغاية النهائية للطاغية، لكي يحتفظ بعرشه، هي تدمير روح المواطن، وزرع الشك وانعدام الثقة فيما بينهم، وجعلهم عاجزين عن عمل شيء أو فعل أي شي! كذلك تعويد الناس الخسة والضعة، والعيش بلا كرامة، بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا الذل والهوان، كما يعمد الطاغية إلى القضاء على البارزين من الرجال، وأصحاب العقول الناضجة، ويجعل من التعليم لونًا من الدعاية للحاكم، ومنع المواطنين من التجمع لأغراض ثقافية أو أي تجمع مماثل".
الرئيس يبررعبادته
في الخامس والعشرين من آب/أغسطس 2011 دعا الرئيس السوري بشار الأسد علماء دمشق ومشايخها إلى حفل إفطار رمضاني، كان واضحًا أن الرئيس حاول في كلمته التي لم تلق الاهتمام الكافي من التحليل، التقليل من حجم ظاهرة "عبادته" إضافة إلى محاولته إقناع خطباء دمشق وعلمائها بضرورة أن يكون لهم دور في تهدئة الشارع الثائر.
لا تكاد تنتهي خطبة أو لقاء لبشار الأسد إلا ونشاهد إعادة إنتاج لها عبر تقليد صوته، إضافة لعشرات الصور الكاريكاتيرية
جاء تبرير الرئيس بأن من قال: "لا إله إلا بشار" أو "ركع على صورته"، هي حالات فردية ويجب عدم تحميل كل الجيش أو كل الأمن مسؤولية هذا الخطأ، أو "الكفر"، لأننا بهذا "التعميم" نخالف مبدأ "تحميل نفس وزر أخرى"، ويضيف: أنا كرئيس أستطيع أن أعاقب هذا الشخص لأنه أساء للرئيس، لنفترض أننا عاقبناه، ودخل إلى السجن شهر، بعدها!! راح الكفر... سيبقى كافر!! أما من وجهة نظر دينية فأنا أتمنى أن يكون العمل على "إرشاده" لأن الرسول كان يهدف في بداية رسالته إلى "هداية المشركين قبل قتالهم".
اقرأ/ي أيضًا: لا أحد سينسى "الداندو"
السخرية من الرئيس
تعج صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية من الرئيس، فهناك عشرات الصور والأفلام التي تسخر منه ومن تصريحاته، فلا تكاد تنتهي خطبة من خطبه أو لقاء من لقاءاته مع وسائل الإعلام إلا ونشاهد إعادة إنتاج لها عبر تقليد صوته، إضافة لعشرات الصور الكاريكاتيرية، وربما كان فنان الكاريكاتير السوري علي فرزات واحدًا من أوائل من سخر من الرئيس، وأظهره في رسوماته بطريقة كاريكاتيرية، وهو ما أسهم إلى حد كبير بكسر الصورة "المقدسة" للرئيس، وفي الوقت نفسه تسببت للفنان فرزات بـ"كسر يديه" التي رسم بها صورة القائد "المقدس" المنزه عن الأخطاء كما يعتقد مؤيدوه.
كما كان لصفحة "الثورة الصينية ضد طاغية الصين" على الفيسبوك التي انتشرت انتشارًا واسعًا، دورًا كبيرًا في تحطيم الصورة النمطية لشخص الرئيس المقدس. وإن نجحت هذه الأمور في تكسير "صنم" الرئيس الأب وصور الرئيس الابن، ونجاحها في تكسير "مملكة الخوف" في نظر الثوار، إلا أنها زادت مؤيديه و"عبدته" تمسكًا به حتى في اللحظة التي نشرت بها صحف غربية ما أسمته بـ"فضائح الرئيس الجنسية"، وتحدثت عن عشيقات له وعن صور جنسية لهن في إيميلاته الشخصية، وتحدثت عن البذخ الذي يحيط به الرئيس وزوجته نفسيهما في شراء حاجات شخصية بعشرات آلاف الدولارات، في وقت يعيش فيه كثير من أبناء الشعب السوري بأشد حالات العوز والفقر والحرمان.
بين المقدس والمدنس
بين هتافات مؤيدي النظام "الشعب يريد بشار الأسد"، و"بالروح بالدم نفديك يا بشار"، و"الله سوريا بشار وبس"، وهتافات معارضيه "الشعب يريد إسقاطك بشار" و"الله سوريا حرية وبس"؛ تصاعدت وتيرة العنف في البلاد وزاد من حدتها إصرار الأسد على التمسك بالسلطة.
الثوار لا يريدون الأسد وعائلته بالحكم، والأسد وعائلته ربطوا مصير البلد بمصيره وأصبحت العبارة التي رددها مؤيدوه "الأسد أو نحرق البلد" عنوانًا لما يجري في سوريا، فالأسد أهم من سوريا في نظرهم، وكان واضحًا من البداية أن حديث المؤامرات الخارجية للنيل من سوريا المقاومة والممانعة، ليست أكثر من حملات إعلامية روج لها النظام كعادته منذ ما يقارب النصف قرن، وأن الصراع في سوريا هو حول "هل يستمر بشار الأسد في حكم سوريا، أم يرحل؟"، بسبب ذلك نال البلد ما ناله من الضعف والوهن لدرجة أصبحت أمام لحظة تاريخية تهدد كيانه.
المشكلة الأساسية التي عانت منها المعارضة السورية عمومًا، والمسلحة خصوصًا، هي الفشل الذريع في إنتاج شخصية كارزمية
المعارضة والشخصية الكارزمية
المشكلة الأساسية التي عانت منها المعارضة السورية، وما تعاني منه المعارضة المسلحة هي الفشل الذريع في إنتاج شخصية كارزمية، يمكن لها أن تجمع شتات المعارضين تحت لوائها، ولم يعد خافيًا بعد أن انتشرت فضائحهم في السرّ والعلن أن ذاك مرده إلى تضارب المصالح والشخصنة التي أغرق بها المعارضون نشاطهم السياسي، ومحاولة الاستحواذ على أكبر قدر من المناصب والمكاسب في سوريا ما بعد الأسد، والأهم عدم وجود شخصية "كارزمية" تقنع الثوار ممن قام على كاهلهم قيام الثورة وتحملوا كل آلامها ومعاناتها قتلًا واعتقالًا وتشريدًا وجوعًا.
اقرأ/ي أيضًا: الحكومة في الجزائر.. طوبى للفاشلين
لم يعد خافيًا على أحد أن اللاعبين الدوليين حاولوا فرض شخصية أو شخصيات من المعارضة لتكون هي ممثل المعارضة، لكنها فشلت لتضارب مصالح الدول ذاتها. لكن الكارثة أن عجز إنتاج مثل هذه الشخصية انتقل إلى الكتائب والجماعات المسلحة التي حاولت الانضمام تحت مسمى "الجيش الحر"، لكنها لم تنجح بسبب اختلاف مصالحها ومصادر تمويلها وسعي كل منها لفرض سيطرته تمهيدًا للاستحواذ على نصيب الأسد في الصراع، وليس ببعيد أن نشهد صراعات دموية داخلية بين هذه المجموعات، وربما هذا ما دفع ببرهان غليون أحد أبرز قادة المعارضة السياسية للقول في دراسة له إنه "من دون توحيد معايير التمويل والتسلح سنجد أنفسنا أمام تشكيل ميليشيات خاصة، سوف تخضع شئنا أم أبينا في القريب لإرادة مموليها، وفي وضع تزداد فيه شروط الحياة قساوة سيزيد احتمال تحول الميليشيات إلى مشاريع تحقيق مصالح وأهداف خاصة". بهذا المعنى فإن عملية الانتقال تشي بانتقال خطير من "عصر الطاغية" إلى "عصر الطغاة".
النظام يخلق للمعارضة شخصية كارزمية
اللافت أن النظام نفسه هو من سعى لخلق شخصية يختصر فيها الحراك الثوري الذي يواجهه، والذي تجلى في شخصية الشيخ السلفي عدنان العرعور واختصر تسمية جماعة هذا الشيخ ومؤيديه، أو كل ما يمت للحراك الثوري بـ"العراعير" ليصبغهم بالصبغة السلفية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الدفع بطريقة مدروسة باتجاه "أسلمة الثورة" والنحو بها منحى التطرف، وهو ما تم اليوم بنجاح باهر.
وإن كان ذلك لا يرضي بعض أطراف المعادلة لأن لكل منهم زعيمه الذي يتمتع بشخصية كارزمية بالنسبة له، أصبح لكل منطقة "أمير" على مجموعة، وبيده صلاحيات مطلقة في منطقته التي يسيطر عليها يصنعها مدى تشابك علاقته مع أجهزة مخابرات الدول المؤثرة في الصراع، ومدى قدرته على تأمين "شوالات الدولارات" منها، وهذا يرتبط حتمًا بمدى توافقه وخدمته لأجندة تلك الدول.
الكواكبي: "الأمة في رحلة خلاصها من المستبد واستبداده قد تزيحه بمستبد أقوى شوكة من الأول"
أخيرًا
يقول أفلاطون "إن الرجل الطاغية يشبه دولة الطغيان.. والشعب سيدرك بحق، مدى الحماقة التي ارتكبها حين أنجب مثل هذا المخلوق ورعاه، ورباه (يقصد الشعب الذي ولده)، حتى أصبح هذا المخلوق أقوى من أن يستطيع الشعب أن يطرده".
وهنا يبدو أن ما حذر منه عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، أشبه بناقوس خطر، فالكواكبي يحذر من أن "الأمة في رحلة خلاصها من المستبد واستبداده قد تزيحه بمستبد أقوى شوكة من الأول، عندها لا تلبث الحرية أن تنقلب فوضى، ولهذا قرر الحكماء أن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، وأما التي تحصل على أثر ثورة حمقاء فقلما تفيد شيئًا، لأن الثورة غالبًا تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولًا".
اقرأ/ي أيضًا: