12-مايو-2024
جانب من السيمنار

جانب من السيمنار (المركز العربي)

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 8 أيار/مايو 2024، الأستاذ علي عبد الرءوف، الباحث ومستشار بناء القدرات والبحث والتطوير بإدارة التخطيط العمراني بدولة قطر والأستاذ الزائر بجامعة حمد بن خليفة، والذي قدّم ورقةً ­بعنوان "ربع قرن من إشكاليات الحداثة والعولمة والاستدامة والهوية: تفكيك مسارات المدن الخليجية المعاصرة". تناول السيمنار التحديات التي واجهتها المدن الخليجية على مدار العقود الماضية، مقدمًا نظرة شاملة عن مسارات التحضر والتمدن في الخليج، وسبل تطوير المدن الخليجية بوصفها سياقات حضرية آمنة وعادلة ومستدامة.

افتتح عبد الرءوف السيمنار بالإشارة إلى النقد القاسي الذي تعرضت له مدن الخليج المعاصرة من خبراء ونقاد العمارة والعمران، متهمين إياها بفقدان الهوية وطمس الثقافة وتغريب العمارة والعمران. وقدم رؤية حول الديناميكيات التي شكلت مدن الخليج، موضحًا كيفية تجاوز الاعتماد على النفط والتحضر السريع. كما تطرق إلى الاستراتيجيات والأدوات اللازمة لتحقيق التحضر الآمن والعادل، بعيدًا عن مفهوم "مدن المطار ومدن الملاهي" الذي يردده المنتقدون.

ناقش السيمنار النقد الموجه إلى مدن الخليج، المتمثل في اتهامها بالهشاشة والبلاستيكية وتحريف الهوية

ركز الباحث على تحليل ما وراء المنطق التقليدي في تشكيل المدينة الخليجية، منتقدًا القراءات النمطية، كفكرة "المدينة العربية" أو "المدينة الإسلامية" أو "المدينة النفطية". واستعرض مسارات التنمية في المدن الخليجية ضمن سياق عالمي أوسع، مبينًا تحديات مثل: ما بعد الكربون، والاقتصاد المعرفي والإبداعي، والاستدامة، وتحويل المدن إلى ماركات عالمية من خلال جذب الأنشطة الدولية الكبرى. واستشهد برواية "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف، التي تصف كيف تحولت مستقرات بدوية ساحلية إلى مدن ضخمة وقوية، لكن بلا جذور تاريخية عميقة. لكن عبد الرءوف أكّد أن المدن الخليجية أثبتت قدرتها على التفوق عبر مشاريع ضخمة، وبنى تحتية دائمة، وبرامج حضرية عالمية، وشدد على أن الانتقال إلى نماذج أكثر استدامة أصبح ممكنًا بفضل الديناميكيات الحديثة في الخليج.

وقد تناول السيمنار المبادئ الأساسية لتطور المدن الخليجية المعاصرة، مشيرًا إلى تسارع التنمية الحضرية في الخليج وتأثيرها في ممارسات التخطيط المستدام، واستعرض دراسات حالة لمشاريع خليجية مختارة، مثل مشروع مدينة جميرا في دبي وسوق واقف في الدوحة، موضحًا قدرة هذه المدن على بناء سرديات حضرية جديدة تتجاوز الانتقادات التقليدية.

كما ناقش السيمنار النقد الموجه إلى مدن الخليج، المتمثل في اتهامها بالهشاشة والبلاستيكية وتحريف الهوية، وأكد أن التحول النوعي الذي شهدته في العقد الأخير يستحق إعادة النظر في هذا النقد. واختُتِم السيمنار بطرح تساؤلات عن مدى إمكانية مقاربة المدن الخليجية بصورة عادلة، فالوقت قد حان لرصد التطورات التنموية التي شهدتها هذه المدن بموضوعية، وتسليط الضوء على سردياتها المعاصرة برؤية نقدية جديدة، بعيدًا عن السرديات النمطية القديمة.

وقد عقّب الدكتور حسن مدن، الباحث والكاتب البحريني، مشيدًا بمحاولة عبد الرءوف في تبديد الصورة النمطية عن منطقة الخليج، والتي تصور الخليج مدنًا وشعوبًا بلا تاريخ قبل ظهور النفط. ويرى مدن أن المدينة في الخليج لم تبدأ من النفط، بل نشأ العديد منها بصورة تقليدية لا تقل عراقة عن غيرها من المدن العربية؛ فظهور النفط أدى إلى تغيير طبيعة المدينة، وليس إلى نشوئها. وعند الحديث عن مستقبل الدول الخليجية، أشار مدن إلى المصائر التنموية غير الواضحة التي تفرضها الطبيعة الريعية للدول.

وقد أعقب السيمنار نقاش مستفيض شارك فيه نخبة من باحثي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا، تناول مفاهيم الهوية والاستدامة في المدن الخليجية، وآفاق التحول نحو مستقبل أكثر إشراقًا لهذه المدن.