أنا آية خطاب. ألعب كرة القدم بشغف منذ كنت طفلة، والآن ألعب ضمن صفوف المنتخب الفلسطينيّ لكرة القدم للسيدات. ورغم حماسي الشديد لمتابعة مباريات كأس العالم للسيدات في استراليا ومشاهدة زميلاتي لاعبات كرة القدم من حول العالم يصنعن المجد، إلا أنّ قلبي مثقلٌ الآن - كما باقي الفلسطينيين/ات - بفعل العنف والقمع اليومي الذي يمارسه نظام الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي ضدنا كشعب عربي فلسطيني، والانتهاكات المستمرة ضد الرياضة والرياضيين الفلسطينيين ما يحرمني من فرص مماثلة. قلبي مثقلٌ أيضًا بمعرفتي أنّ شركات عالمية مثل "بوما" تختار التواطؤ في هذا القمع وترعى جرائم الاحتلال الإسرائيليّ بحق شعبي وزملائي الرياضيين.
أن نلعب كرة القدم تحت سطوة نظام الاضطهاد الإسرائيليّ يعني تعرضنا للمعاملة المهينة على الحواجز ونقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية بشكل شبه يوميّ، ويعني أن تتعرض أنديتنا الحبيبة لاقتحامات جنود الاحتلال المدججين بالسلاح في أي وقت، وأن تتوقف مبارياتنا فجأة لأن جنود الاحتلال قرروا إمطار الملعب ومقاعد الجمهور بالقنابل الغازية المسيلة للدموع. وأيضًا يعني أن نرى الأراضي المخصصة لملاعب كرة القدم والاستادات يأكلها التوسع الاستيطاني أمام أعيننا أو تدمرها القذائف الإسرائيلية، ويعني أيضًا حرماننا على مدار سنوات من عقد بطولة كأس فلسطين بسبب الحواجز التي تعزل الضفة الغربية المحتلة عن قطاع غزة المحاصر.
أن نلعب كرة القدم تحت سطوة نظام الاضطهاد الإسرائيليّ يعني تعرضنا للمعاملة المهينة على الحواجز ونقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية بشكل شبه يوميّ، ويعني أن تتعرض أنديتنا الحبيبة لاقتحامات جنود الاحتلال المدججين بالسلاح في أي وقت
نضطر، كرياضيين فلسطينيين، ليس فقط لمواجهة كل هذا بل لأن نواجه، نحن ومؤيدو نضالنا حول العالم، نفاق وعنصرية أجسام دوليّة متنفذة مثل الـ"فيفا". فمثلًا، وبحجة "فصل الرياضة عن السياسة"، حرم الـ"فيفا" إندونيسيا من حقها في استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال تحت 20 سنة عقابًا على المواقف الشعبية والرسمية التي رفضت استقبال فريق العدوّ الإسرائيليّ. لكنّ ما اتضح منذ العام الماضي، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا تحديدًا، أنّ بعض القضايا السياسية الملائمة لمصالح الغرب يمكن خلطها بالسياسة، حتى وصل النفاق الغربيّ إلى حد تشجيع الرياضيين/ات والفرق الرياضية على مقاطعة الفرق الروسية والأفراد الروس وعلى طرد روسيا من محافل الرياضة العالمية.
وعلى خطى ذات الغطرسة الاستعمارية ألغت "بوما" - المستمرة في رعاية نظام الاستعمار الاستيطاني الذي يمارس الجرائم بحقنا منذ 75 عامًا - عقد رعايتها لاتحاد كرة السلة الروسيّ، ومن ثم أنهت كل نشاطها في روسيا، بعد أسابيع فقط من بدء الحرب الروسية في أوكرانيا.
كوني رياضية فلسطينية يعني تأكدي من زيف ادعاءات فصل الرياضة عن السياسة. لا أعلم ما الذي يخطر ببالكم عند سماع هذه الجملة، لكنني أعلم أنّ صورة واحدة فقط تقفز إلى رأسي. صورة زميلنا محمد القطري، لاعب فريق مخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين.
في يوم 2014/08/08، كان يفترض أن نلعب ضد فريق محمد، لكنّ رصاصة جنديّ إسرائيليّ قتلته وحرمته من لعب كرة القدم إلى الأبد. سيظلّ محمد دليلي الأزلي على زيف هذا الادعاء، وعلى حجم تورّط كل الشركات العالمية المتواطئة مع جرائم العدوّ الإسرائيليّ.
لم يكن زميلي محمد للأسف آخر شهيد لكرة القدم الفلسطينية! فالقائمة طويلة وبكل ألم أقول إنها ما زالت تطول. آخر شهيد كرة قدم فلسطينيّ كان عمر القطين (25 عامًا) وهو أبٌ لطفلين. استشهد عمر وهو يدافع عن جيرانه وقريته ترمسعيا التي كانت تتعرض لهجوم ميليشيات المستوطنين الفاشيين بحماية من جيش العدوّ. وبالتأكيد، لم يسلم الأطفال، لاعبو كرة القدم الواعدين، من رصاص الجنود الإسرائيليين. وأذكر هنا الشهيد سعيد عودة (16 عام) والشهيد ثائر يازوري (16 عام) والشهيد زيد غنيم (14 عام) وغيرهم الكثيرين.
اعلموا جيدًا أنه لم يكن لهذا الألم أن يستمر لولا تواطؤ العديد من الشركات مثل شركة "بوما" مع جرائم العدوّ بحق شعبنا ورياضينا بل وتربّحها من تلك الجرائم. فرعاية "بوما" للاتحاد الإسرائيلي تعطيه شرعية دولية، وتطمئن نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي وحكومته الأكثر يمينية وتطرفًا وعنصرية وأصولية على الإطلاق بأنه يمكنها الاستمرار في ممارسة العنف والسلب والقمع والقتل ضد الفلسطينيين مع ضمان إفلاتها من العقاب. وقد طالب أكثر من 200 نادٍ رياضيّ فلسطينيّ عام 2018 "بوما" بإنهاء رعايتها لاتحاد كرة القدم الإسرائيليّ، الذي يضم فرق مستعمرات إسرائيلية مقامة على أراضٍ فلسطينية منهوبة.
أمّا عن الأمل، فإننا نستقيه من صمود شعبنا ومقاومته أولًا، ومن مئات الآلاف من النشطاء وأصحاب الضمائر الحية في منطقتنا العربية وحول العالم الذي اختاروا وسائل التضامن الفعالة مع قضيتنا مثل المقاطعة. فمثلًا، طالب أكثر من مئة ألف شخص من حول العالم "بوما" بإنهاء رعايتها لاتحاد كرة القدم الإسرائيليّ، إلى جانب عشرات الفرق التي أنهت عقودها مع الشركة احتجاجًا على استمرارها في رعاية نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي.
تقول "بوما" إنّ لدى الرياضة "القدرة على تغييرنا وتمكيننا". فعلًا، غيّرت ممارسة الرياضة حياتي، ويعطيني الركض خلف الكرة في الملعب شعورًا بالحرية. لكنني أطمح لأكثر من مجرد الشعور بالحرية. أطمح، كباقي الفلسطينيين، للحرية الكاملة والحقيقية ولحياة كريمة، دون اضطهاد.
علينا جميعًا تحميل "بوما" مسؤولية إساءتها لمبادئ الرياضة واللعب النظيف ودفعها لتطبيق ميثاقها الأخلاقيّ الذي تتغنى به. انطلاقًا من ذلك، أناشد زميلاتي لاعبات كرة القدم في الفرق المشاركة في بطولة كأس العالم للنساء، تحديدًا زميلاتي في المنتخب المغربي لكرة القدم للسيدات، بالضغط على اتحاداتهنّ لإنهاء العقود مع شركة "بوما" حتى تتوقف عن رعاية الظلم والاضطهاد بحقي وحق زملائي الرياضيين وشعبنا الفلسطينيّ الصامد على أرضه.