تكمن أهميّة كتاب "مدخل في الحياة السياسيّة السوريّة: من تأسيس الكيان إلى الثورة" (المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، 2018) للباحث السوريّ شمس الدين الكيلاني، في كونه يستعيد تقاليد الديمقراطيّة لدى السوريين، التي تؤكّد أهليّة الشعب السوريّ في العبور إلى الديمقراطيّة وممارستها. كما يتناول نفوذ الحياة الدستوريّة في التاريخ السوريّ عبر 232 صفحة من القطع الصغير، موزّعة على أحد عشر فصلًا.
يُشير شمس الدين الكيلاني إلى أنّ انتعاش الحياة السياسيّة العامّة في سوريا جاءت بعد دخول الأمير فيصل إلى دمشق سنة 1918
في الفصل الأوّل من الكتاب "النواة المؤسِّسة للكيان – العهد الفيصلي"، يُشير شمس الدين الكيلاني إلى أنّ انتعاش الحياة السياسيّة العامّة في سوريا جاءت بعد دخول الأمير فيصل إلى دمشق في الثالث من تشرين الأوّل/أكتوبر سنة 1918. ومكن اعتبار ذلك التاريخ تاريخًا لتكوين الدولة السوريّة الحديثة. واتّسمت تلك الفترة في تاريخ الدولة السوريّة بالحريّة العامّة التي خلقت فضاءً سياسيًّا مكّن الأحزاب السياسيّة من الانتشار وممارسة نشاطاتها، بالإضافة إلى الجمعيّات وهيئات المجتمع المدنيّ والأهليّ. الأمر الذي أدى أيضًا إلى إشراك الشعب السوريّ في اختيار شكل دولته، حيث أصرّ على أن تكون حكومتها ملكيّة، مدنيّة، نيابيّة، تحفظ حقوق الأقليّات، وتُدار مقاطعاتها على شكل اللامركزيّة الواسعة، على أن يكون الأمير فيصل ملكًا لهذه الدولة، وذلك بحسب ما جاء في وثيقتيّ المؤتمر السوريّ العام.
اقرأ/ي أيضًا: بحثًا عن جذور الجهاد في الغرب
يؤكّد شمس الدين الكيلاني في الفصل الثاني "الحياة السياسيّة السوريّة في ظلّ الاحتلال الفرنسيّ – صعود الدولة الوطنيّة"، أنّ وحدة سوريا وشكلها الحاليّ جاء نتيجة نضال السوريين الذي فرض ذلك، داعمًا في الوقت نفسه أيضًا الرابطة الوطنيّة السوريّة. ويُشير هنا إلى أنّ ذلك النضال كان يتلاقى مع الرغبة الفرنسيّة في إنشاء دولة ديمقراطيّة من خلال المساهمة في تأسيس مؤسّساتها، كالبرلمان وتمكين الحريّات الصحافيّة والمؤسّسات القضائيّة. الأمر الذي ساهم بشكلٍ كبير في توفير مناخ سياسيّ أسّس لظهور الأحزاب والكتل السياسيّة الوطنيّة بتنوعاتها المختلفة.
تبرز أهميّة الفصل الثالث "الكتلة الوطنيّة والفوز بالاستقلال الوطنيّ والديمقراطيّة وتهديد العسكر" في كونه يقدّم شرحًا للأسباب التي أدّت إلى تمزّق الكتلة الوطنيّة، والمتمثّلة في التجاذبات المحليّة والوطنيّة والإقليميّة آنذاك، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنّ الزعامة السياسيّة والقيادة الوطنيّة التي شهدت استقرارًا في مجالها السياسيّ لما يقارب العقدين من زمن؛ عزّزَ من صلابة الرابطة الوطنيّة السوريّة نظرًا إلى أنّ الحياة الدستوريّة الديمقراطيّة ساهمت في منح تلك الرابطة القوّة والثبات.
يفرد المؤلّف شمس الدين الكيلاني في الفصلين الرابع "عهد ديمقراطي يُفضي إلى الجمهوريّة العربيّة المتّحدة وجمود الحياة السياسيّة"، والخامس "مرحلة ليبراليّة على عجل (1961-1963)"؛ مساحة للحديث عن قيام الجمهوريّة العربيّة المتّحدة، قبل أن ينتقل إلى عرض الآثار التي خلّفها الانفصال الذي حصل سنة 1961، ولعلّ أبرزها كان غياب النظام السياسيّ الذي كان متوفّرًا في عهد الكتلة الوطنيّة، مما أدّى – وعلى الرغم من عودة الحياة البرلمانيّة، والحريّات العامّة، وعودة الأحزاب إلى ممارسة نشاطها – إلى ظهور اختلافات واسعة وتناحر في ما بينها. ومنها الانقسام الذي حصل آنذاك بين متمسّكٍ بالكيان السوريّ، وآخر بالوحدة. الأمر الذي ساهم في تعزيز فرص العسكر بالسيطرة على السلطة، حيث قامت خلال عامين فقط ثلاث محاولات انقلابيّة.
خصّص الباحث شمس الدين الكيلاني الفصل السادس من كتابه "حركة 8 آذار/مارس والتحول نحو التسلطية" للحديث عن أحداثٍ مفصليّة في التاريخ السوريّ، والتي نتج عنها الشكل الحاليّ للدولة السوريّة؛ منها، انقلاب جناح صلاح جديد في حزب البعث على جناح الرئيس أمين الحافظ في 23 شباط/فبراير، وهزيمة حزيران/يونيو 1967، ناهيك أيضًا عن ازدواجيّة السلطة بين كلٍّ من حافظ الأسد وصلاح جديد.
يتحدّث شمس الدين الكيلاني في الفصل السابع "الأسد - الحركة التصحيحية: مجتمع تحت المراقبة والعقاب والرعب"، عن كيفيّة بناء البعث لصرحه التسلّطي على الشعب، وتوطيد الدولة الأمنيّة التي عملت على نشر الرعب والذعر بين المواطنين السوريين. ناهيك عن الصراعات التي بلغت ذروتها آنذاك بين حافظ الأسد وصلاح جديد، والتي انتهت بقيام الأسد بسجن جديد والتخلّص من بقيّة ركائز عهد جديد والتفرّد بالسلطة.
انفجرت الثورة السورية لأسباب داخليّة، مُطالبةً بالحريّة والكرامة والعدالة لشعبٍ يُعامل كما لو أنّه مجموعة من العبيد
في الفصل الثامن "الأسد الابن بين إجهاض ربيع دمشق وانفجار الثورة"، يتحدّث شمس الدين الكيلاني عن الوعود السخيّة التي أطلقها الأسد في خطابه الأوّل، وتفاعل المثقّفين والأكاديميين معه تحليلًا وتنظيرًا، منتقلًا أيضًا إلى الحديث عن عودة الأسد إلى سياسة الأب القائد في إخماد ربيع دمشق، واتّخاذه العنف سبيلًا للقضاء على الثورة، التي يقول المؤلّف في الفصل التاسع "ثورة الكرامة والحرية" إنّها انفجرت لأسباب اجتماعيّة وسياسيّة داخليّة بحتة، مُطالبة بالحريّة والكرامة والعدالة لشعبٍ يُعامل كما لو أنّه مجموعة من العبيد لدى عائلة الأسد ونظامها.
اقرأ/ي أيضًا: العنف والسياسة.. مقاربات نقدية
ينتقل شمس الدين الكيلاني في الفصل العاشر "المجلس الوطني السوري"، إلى الحديث عن تجربة هذا المجلس باعتباره كان أوّل كيان جامع لأطياف المعارضة السوريّة على اختلاف توجّهاتها. موحّدًا إياها تحت غاية وأهداف واضحة. غير أنّ آلية عمل المجلس المؤسسة على قاعدة التوافق والتوازن والمحاصصة بين مكوناته المختلفة عطلت، بحسب شمس الدين الكيلاني، دينامية انطلاقه وطبعت أداءه بالرتابة. بينما يخصّص الفصل الحادي عشر والأخير "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، للحديث أيضًا عن تجربة الائتلاف السياسيّة وقياداته ومواقفه من العمليّة السياسيّة في سوريا وأخيرًا تراجع دوره.
اقرأ/ي أيضًا: