03-يونيو-2017

حيرة في أوساط غير المسلمين في رمضان (محمد الشاهد/أ.ف.ب)

ازدادت أهمية مواقع التواصل الاجتماعي وتضاعفت بعد ثورات الربيع العربي، فأصبح الوصول للمعلومة أسهل من ذي قبل، ولم  يعد من الممكن الغطاء على أفعال الجهاز الأمني القمعية أو المخالفة للدساتير والقوانين، فعلى الرغم من أن التعنت الأمني ضد المجاهرين بالإفطار في نهار رمضان في مصر، كان أكبر في عهد وزير داخلية نظام مبارك، اللواء حبيب العادلي، والذي قامت الثورة ضده، إلا أن أخبار الحملات الأمنية التي تستهدف القبض على المفطرين في نهار رمضان متواصلة في السنوات الماضية، وبالتالي ظهرت ضدها اعتراضات قوية من الفاعلين بمجال حقوق الإنسان في مصر والداعين نحو الحريات الشخصية.

في مصر من الضروري الالتزام بعدم المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان، والالتزام بالحجاب بالنسبة للنساء طوال أيام الشهر

يرى البعض في هذه الحملات انعكاسًا للانبطاح السياسي أمام دول الخليج، خاصة السعودية التي تجرّم المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان، وأن مثل هذه الحملات تمثل انتهاكًا صارخًا لحرية اختيار الآخرين وتدخلاً فجًا في حياتهم الشخصية.

اقرأ/ي أيضًا: الإفطار في نهار رمضان عربيًا.. قوانين وأعراف مختلفة

هل القانون المصري يجرّم الإفطار في نهار رمضان؟

تحدثنا مع المحامي الحقوقي مصطفى فؤاد، المدير التنفيذي لمركز هليوبوليس للتنمية السياسية وأبحاث حقوق الإنسان، والذي أوضح أن تلك الحملات كانت مكثّفة بشكل أكبر ما قبل ثورة يناير، فكان يُلقى القبض على مئات الأشخاص في يوم واحد، وكانت هناك غرامة فورية تبلغ قيمتها 50 جنيهًا مصريًا أشبه لتلك الغرامات التي يدفعها المخالفون للوائح المرورية.

وبالرجوع إلى القانون المصري، أوضح فؤاد أنه لا يوجد قانون ينص صراحةً على معاقبة المفطر في رمضان، ولكن يعاقَب المفطرون تحت بند "مخالفة الآداب العامة"، فالعقاب ليس على الإفطار نفسه وإنما على فعل المجاهرة الذي يُفسر كمخالفة للآداب العامة، وهذه الآداب تشمل كل فعل مخالف للأعراف المجتمعية أو كل فعل على غير هوى الجهات الأمنية، وفي أغلب الحالات يتم الإفراج عن الأشخاص عند عرضهم على النيابة، فالعقاب هنا مجرد تأديب وردع لعدم المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان.

وفي هذا الصدد، قال اللواء أبو بكر عبدالكريم، المساعد السابق لوزير الداخلية للعلاقات العامة وحقوق الإنسان، في عام 2015، إن "القاعدة القانونية تقول لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وهناك نص قرآني يجيز للمسلم أن يفطر في نهار رمضان، فكيف للقانون أن يجرّم ذلك؟".

اقرأ/ي أيضًا: الإفطار على الشواطئ.. نزعة جزائرية جديدة

ماذا يفعل أصحاب العقائد الأخرى في رمضان إذن؟

يمثل شهر رمضان، أيامًا مقدّسة للمسلمين في العالم أجمع، له ما له من الأعراف والتقاليد المتبعة داخل كل مجتمع، يأتي على رأس تلك الأعراف في مصر، الالتزام بأفعال الأغلبية من المسلمين حيث الصيام في ساعات النهار، وعدم المجاهرة بالإفطار حتى إن كنت غير مسلم، والالتزام بالزي الشرعي والحجاب بالنسبة للنساء طوال أيام الشهر.

تربّى الأطفال في مصر على احتقار المفطر في نهار رمضان، وتجلى ذلك واضحًا في الأغاني الفولكلورية التي طالما تغنى بها الأطفال مثل "يا فاطر رمضان يا خاسر دينك، القطة السودا تقطع مصارينك!" وفي الناحية الأخرى المدح في الصائم "يا صايم رمضان يا مصالح ربك، القطة البيضا تبوسك من خدك!".

تحدث "ألترا صوت" مع عدد من أصحاب العقائد الدينية والأفكار المختلفة، لتوثيق شهادتهم ورأيهم الخاص عن شهر رمضان في مصر، تتفاوت أعمارهم بين العقد الثالث والرابع من العمر، وحفاظًا على سلامتهم لن نقوم بنشر الأسماء وسنكتفي بالأحرف الأولى.

يقول (أ.س) إن "أكثر ما يزعجني في رمضان هو احتلال المساحات العامة كلها للصائمين، وهو ما يحدث على مسارين متوازيين: الأول: اجتماعيًا حيث يواجه المفطر الذي يأكل أو يدخن في الشارع نظرات الاستهجان ويحاصر بأداء احتقار عام من المارة، كأنه يرتكب جريمة، وقد لا يتوقف الأمر على النظرات، بل يصل إلى جمل ونصائح سخيفة عن الاستتار من الابتلاء، شخصيًا لا آكل أو أشرب في الشارع تجنبًا لسخافات من هذا النوع.

المسار الثاني والأخطر، هو ما تقوم به السلطة التي تجبر المقاهي والمطاعم على الإغلاق في رمضان، وهو أمر يبدو شديد الغرابة أن تجبر السلطة المواطنين على الالتزام بشريعة دينية، فتحرم مواطنين آخرين من أبسط حقوقهم في الاختيار الحر لممارسة أو عدم ممارسة الشعائر الدينية، كأن الشرطة وكلاء الله في الأرض.

أعتقد أنه في الأعوام التي تلت الثورة، وحتى في عام حكم الإخوان لم يكن يتم التضييق على المطاعم والمقاهي إلى هذه الدرجة، خلال حكم السيسي اشتدت قبضة السلطة على المجال العام سياسيًا ودينيًا، إلى درجة أن تصبح السلطة الحالية أكثر إسلامية من سلطة الإخوان المسلمين أنفسهم!".

السلطة التي تجبر المقاهي والمطاعم على الإغلاق في رمضان، وهو أمر يبدو شديد الغرابة أن تجبر السلطة المواطنين على الالتزام بشريعة دينية، فتحرم مواطنين آخرين من أبسط حقوقهم في الاختيار الحر لممارسة أو عدم ممارسة الشعائر الدينية، كأن الشرطة وكلاء الله في الأرض.

تجبر السلطة في مصر المقاهي والمطاعم على الإغلاق في رمضان، وكأن الشرطة وكلاء الله في الأرض

ويضيف (م.م): "أحاول قدر الإمكان الحد من الخروج من المنزل في نهار رمضان، ولو اضطررت إلى النزول لظروف العمل أو مقابلة الأصدقاء، أضع في اعتباري الأكل والشراب بشكل جيد قبل النزول بحيث لا أحتاج إلى ذلك، أيضًا أحاول مقابلة الأصدقاء في أماكن تسمح لنا بمساحة الشراب وتناول الطعام، وهو الأمر الذي قل نسبيًا مقارنة بالسنين الماضية، وذلك بسبب غلق الشرطة المصرية للمطاعم والمقاهي الصغيرة لصالح المطاعم والمقاهي الكبرى وأصحاب العلامات التجارية المعروفة، فأصبح مجرد نزولي من المنزل في نهار رمضان يمثّل عبئًا اقتصاديًا على عاتقي، أحيانًا أشعر بالغضب من فكرة أنني ممنوع بشكل أو بآخر من مجاهرتي بإفطاري، وأشعر بالغضب من إحساس السارق، فما الذي يدفعني لمحاولة سرقة لقمة على غفلة من الجميع أو تدخين سيجارة؟ إلا أنني تراجعت عن سياسة التصادم مع المجتمع منذ سنتين، قبل ذلك كان من الممكن أن أشتبك في تلك المعارك الوهمية إلا أنني أشعر بالاستنزاف وعدم جدوى الصدام، الحياة في هذا البلد أصبحت مستحيلة، فما بالك عندما تجتمع كل المكروهات في شهر واحد؟ عشرات الأشخاص الذين أعرفهم ويفعلون كل ما هو حرام، يتّبعون سياسات الوعظ والتحريم خلال هذا الشهر، انظر لهم نظرات التحقير لأني أعلم جيدًا كذبهم ونفاقهم، لم أعد أحتمل هذا الكم من النفاق والتدين الزائف".

ويحاول (أ.ن)، حسب كلامه، قضاء أغلب النهار في المنزل أو مكان العمل أيضًا، وبالتالي يمكنه الأكل أو الشرب دون أن يتعرض لمضايقات، ويقول "المشكلة الحقيقية التي تواجهني هي كوني مغتربًا، أعيش وحيدًا في القاهرة، وأعتمد على المطاعم في أكلي، وأغلب تلك المطاعم تكون مغلقة في نهار رمضان، أحاول عدم التدخين أثناء سيري في الشارع إلا بالأماكن التي تتقبل ذلك مثل الأماكن الشعبية المزدحمة أو منطقة رمسيس، باعتبار أن أغلب روادها من المسافرين وسواق الميكروباصات.

وعلى ذكر السفر، إذا تعرض لي أحدهم بمضايقات، أحيانًا أستشهد ببطاقتي الشخصية لكون محل سكني ليس بمحافظة القاهرة وبكوني على سفر، في أحد المرات كنت بالقطار، أي أن هناك حجة شرعية للإفطار لكل من على القطار، وبدأت في الأكل والشرب، ثم انهالت عليّ التعليقات من الركاب، فما كان مني إلا الغضب والصراخ بوجههم والاستشهاد بالحديث القائل أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى فرائضه.

أعتقد أن الصيام لم يعد مسألة دينية بحتة، إنما اكتسب قوة العرف المجتمعي مثل الحجاب، فبالأقاليم والأرياف خصوصًا أكثر من العاصمة، لابد للفتاة أن تتحجب حتى وإن كانت عاهرة، تتعرى أمامك مقابل 50 جنيهًا! ليس للأمر علاقة بالاحتشام أو قناعة الفتاة بالعفة، أو أن هذا الزي يعبر عن أخلاقها الحقيقية، كل الأمر أن الفتاة تعيش في المساحة المشتركة بيننا ويجب أن نفرض عليها شروطنا وقواعدنا، كذلك الصيام أصبح له كودًا مجتمعيًا خاصًا به، ولا يمكن لأحد كسر القاعدة المجتمعية التي اتفق عليها الجميع ضمنيًا بالامتناع عن الأكل والشراب، وهذا الأمر لا علاقة له بتدينك من عدمه أو كونك مسلمًا أو غير مسلم أو صائمًا أم غير صائم، الأمر مرتبط أولاً وأخيرًا بالالتزام بالقانون العرفي الذي وضعه المجتمع".

يعتقد الكثيرون أن الصيام لا علاقة له بالتدين من عدمه بل مرتبط أولاً وأخيرًا بالقانون العرفي الذي وضعه المجتمع

وبسؤال (م.س) عن كيفية قضاء يومه خلال رمضان، وهل يرى فروقًا واضحة بين رمضان الحالي وفيما سبق منذ سنين؟، يقول لـ"الترا صوت": "أخرج من منزلي واضعًا زجاجة المياه داخل الحقيبة، وأشرب منها عند الشعور بالعطش، إلا أنني لا أستطيع فعل ذلك في المواصلات العامة أو الطرق المكشوفة، إذا شعرت بالجوع أذهب للمطاعم القليلة التي تعمل في نهار رمضان، وأكون مضطرًا لدفع أموال إضافية، لأن في الأيام العادية من الممكن أن آكل من أي مكان رخيص نسبيًا أو الجلوس على أي مقهى صغير، إلا أن تلك الأماكن لا تعمل في نهار رمضان، فلا أملك اختيارًا غير المطاعم ذات الطابع البرجوازي، والتي من الممكن أن تتعامل بداخلها بطريقة غير لائقة، كون العاملين بها يرفضون وجودك من الأساس كونك مخالفًا لأعرافهم.

لم أتعرض لمضايقات صريحة، كوني آخذ الاحتياطات الواجبة لتجنب المشاكل، أحيانًا أنسى وأتمشى بالشارع وبيدي زجاجة مياه، فينظر لي الناس نظرات تحمل في طياتها من القرف والاستحقار، فأبادلهم نفس النظرات، وأحيانًا أشعر بالخوف، غير أن الخوف الحقيقي الذي ينتابني عندما أمر بالقرب أو بمحاذاة كمين أو تجمع لأفراد من الشرطة المصرية، تنتابني مشاعر القلق وإمكانية إلقائهم القبض عليّ، فالشرطة تلقي القبض على الأشخاص الذين شكلهم على غير هواهم، فما بالك إذا كنت مفطرًا؟.

وأضاف: "أعتقد أن رمضان كان أفضل بكثير في السنوات الماضية، خاصة من الناحية الاقتصادية، فمنذ عام واحد فقط كنت أعيش براتب يظاهي نصف راتبي الحالي، وكنت مرتاحًا نوعًا ما، وقدرتي الشرائية كانت أفضل من الآن، تلك الرقعة التي اتسعت من الفقر خلقت حالة جديدة من الضيق واضطهاد الناس لبعضهم البعض، شخصيًا أشعر بانعدام الأمان أثناء سيري بالشارع، كونك مختلفًا عن المجموع أصبح تهديدًا في حد ذاته، أصبح التحدي الأكبر الذي أواجهه في كل يوم، هو قدرتي على الإمساك بزمام أعصابي، وعدم الانجراف نحو مشاجرة من أجل بديهيات مثل الحصول على حريتي الشخصية".

لم نكتفِ باستعراض وجهات نظر أصحاب العقائد الأخرى من الرجال، ولكن تحدثنا مع النساء أيضًا، الذين سردوا مواقف مختلفة، وطرحوا مشاكل وأنواع أخرى من المضايقات التي يتعرضون لها خلال رمضان بسبب كونهن مفطرات أو بسبب طبيعة ملابسهن.

تقول (م.س) في هذا الصدد: "ينظرون لي في العمل نظرة استهجان بسبب أنني لا أصلي الصلوات المفروضة على المسلمين، فلا أستطيع أن أخبرهم أنين لا أصوم أيضًا حتى لا أزيد الطين بلة، خاصة أن مثل هذا الفعل قد يدفع مديري نحو طردي من العمل، فألجأ لأخذ وجبات خفيفة معي، أتناولها في دورة المياه".

وتحكي (ع.م) عن موقف تعرضت له في أتوبيس النقل العام أثناء ذهابها إلى العمل، تقول: "كان الأتوبيس مزدحمًا، فاستندت عن طريق الخطأ على رجل كان جالسًا، فنظر إليّ ووجدني غير محجبة ليستغفر ربه، ويقول اللهم إني صائم، ثم نظر إليّ بقرف، ونهض من مكانه متعصبًا قائلاً تفضلي بالجلوس، أنا صائم، استغفر الله".

وتقول (ر.ا) في شهادتها: "في رمضان الماضي، كنت لا أتناول الطعام وأدخّن السجائر في الشارع إلا قليلًا، وفي تلك الأوقات القليلة كنت أتعرض للمضايقات اللفظية ونظرات الاستهجان، كنت أتعرض للمعاكسات والمضايقات اللفظية منذ أن كنت طفلة، حتى قبل أن أقرر التخلص من الحجاب، وكانت ملابسي واسعة وطويلة تتوافق مع النظرة المجتمعية للفتاة المحتشمة، ولكني لم أسلم من المضايقات.

هذا العام قررت أن أتعامل بطبيعتي سواء في رمضان أو غير رمضان، اخترت أن أصاحب أصدقاء يشبهونني حتى لا أكون مضطرة للكذب وإيجاد إجابة مختلفة في كل مرة يسألني فيها أحدهم لماذا لا تصومين؟ أنزل من المنزل في النهار وأجلس على مقهى قريب من سكني، وبطبيعة الحال فكل الجالسين لا يصومون، وبالتالي لن يضايقني أحد.

ارتديت منذ أيام ملابس قصيرة نسبيًا، وعندما نظرت في المرأة، وجدت نفسي أغيّر ملابسي بأخرى أكثر طولاً، أحاول التعامل بطبيعتي وتجاهل شهر رمضان بكل قيوده التي لا أعلم لماذا تُفرض عليّ إجباريًا، غير أنني لا أزال أتجنب المشاكل والمشادات في أثناء تواجدي بالشارع".

اقرأ/ي أيضًا:

رمضان.. موسم دين المظاهر والنفاق

موائد رمضان في لبنان.. العز للتراث والدعوة مفتوحة