تعتبر مصر واحدة من أهم الدول تاريخًا، فقد عرفت إحدى أقدم الحضارات على وجه الأرض حيث بدأ البشر بالنزوح إلى ضفاف النيل وزراعة الأرض وتربية الماشية منذ نحو 10000 سنة، وتطور أهلها سريعًا فبدؤوا بالصناعات البسيطة، ما ساعد على تطور نسقها الاجتماعي المترابط، وتبادل التجارة مع جيرانها، حيث تعد مصر من أوائل الدول التي مارس شعبها التجارة، وخلال عصرها الفرعوني شهدت طفرةً في شتى المجالات.
تتالت الأحداث بدءًا بغزو الفرس، ثم قدوم الإسكندر الأكبر وتأسيس الدولة البطلمية، مرورًا بغزو الرومان التي ظلت مصر تحت سطوتهم 600 عام شهدت خلالها انتشار المسيحية، ومن ثم الفتح الإسلامي وصولًا لحكم العثمانيين وإعلان السلطنة، ثم المملكة، وانتهاءً بتحولها بعد ذلك إلى جمهورية وغير ذلك من الأحداث.
تعود تسمية إحدى الشوارع المهمة في مصر ومبنى الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو تقديرًا لجهود هذا الرجل الفرنسي الذي خصص حياته في التنقيب والمحافظة على آثار مصر
وفي دولة بهذا التاريخ والكم من التحولات بين العصور والثقافات، من المتوقع أن تحمل أسماء شوارعها وميادينها ومناطقها انعكاسًا للتاريخ الغني، ولكن الواقع أنه لم يبق إلا القليل من هذا الماضي. يحاول التاريخ من خلال هذه الأسماء أن يطل علينا في حاضرنا المتغير عساه يبقى خالدًا وعبرة. في هذا التقرير جولة حول أهم أسماء شوارع وأحياء مصر، المرتبطة بتاريخ عريق.
1. شارع ماسبيرو
جاستون كاميل شارل ماسبيرو، عالم فرنسي وهو أحد أبرز المؤسسين لعلم المصريات (Egyptology)، بدأ في دراسة المصريات بمفرده من خلال اطلاعه على الآثار المصرية المحفوظة في متحف اللوفر ونقوش المسلة المصرية بميدان كونكورد، أصرت الحكومة الفرنسية على إيفاده إلى مصر؛ نظرًا لإجادته اللغة العربية وقتها ليشغل منصب مدير مصلحة الآثار المصرية.
جاء جاستون ماسبيرو إلى مصر في 5 كانون الثاني/ يناير 1881، ونظرًا لشغف ماسبيرو الملحوظ بكل ما هو فرعوني، أصدر الخديوي عباس حلمي الثاني فرمانًا بتعيينه مديرًا لعموم المتاحف المصرية ومدير عموم الآثار التاريخية، وخلال فترة إدارته وجد أكثر من 4 آلاف نص بالهيروغليفية، كما واصل جاستون ماسبيرو عمليات الحفر بمعبدي إدفو وأبيدوس، واستكمل إزالة الرمال عن أبو الهول بالجيزة عام 1886، حتى توفي في 30 حزيران/ يونيو 1916، ومن هنا كانت تسمية الشارع بشارع ماسبيرو ومن ثم اتخذ مبنى الإذاعة والتلفزيون نفس الاسم لاحقًا، تكريمًا لأعماله ومساهماته في التنقيب والمحافظة على الآثار المصرية القديمة.
اقرأ/ي أيضًا: 6 من أجمل وأهم الأماكن السياحية في مصر
2. ميدان لاظوغلي
عندما يذكر اسم لاظوغلي وسط مجموعة من سكان مصر ربما تلاحظ بعض علامات القلق والتوتر التي ستغطي وجوههم للحظات لمجرد سماعهم هذا الاسم؛ حيث يرتبط عندهم بالتعذيب والاعتقال نظرًا لوجود مقر مباحث جهاز أمن الدولة، الأمن الوطني حاليًا، في لاظوغلي، حيث كان المقر الأكثر شهرة للجهاز، الذي طالما كان سببًا في ذعر مصر طوال 30 عامًا من حكم مبارك، وحتى الآن.
يرجع اسم ميدان لاظوغلي إلى محمد لاظوغلي، الذي يتوسط تمثاله الميدان، وهو وزير مالية مصر في عهد محمد علي باشا الكبير، كما عين بعدها كأول رئيس وزراء واستمر بمنصبه لمدة 15 عامًا كان خلالها من أكثر الرجال إخلاصًا لمحمد علي، والملفت في الأمر أن اسم "لاظوغلي" كان له تاريخ من السلطوية والقتل من قبل حتى أن يرتبط بأمن الدولة؛ حيث كان محمد لاظوغلي هو العقل المدبر خلف مذبحة القلعة الشهيرة التي تخلص فيها محمد علي باشا من أعدائه المماليك.
ويذكر أنه عندما قرر محمد علي باشا صناعة تماثيل لعدد من الشخصيات، لم تكن لمحمد لاظوغلي صورة واحدة ما جعله يبحث عن شخص يشبهه، ووقع الاختيار بالفعل على رجل مصري، ألبسوه ملابس رئيس الوزراء، لينحت التمثال الفرنسي جاك مار عام 1872، ووضع التمثال في ذلك الميدان.
3. حي سموحة
يرجع سبب تسمية حي سموحة بهذا الاسم إلى جوزيف سموحة، وهو يهودي عراقي جاء مصر ليتاجر في الأقمشة، ونفذ عدة مشروعات ناجحة ليتحول إلى الخواجة سموحة، واحد من كبار رجال الاقتصاد في مصر حينها، راودته فكرة إنشاء مدينة متميزة بالهدوء والرقي، وبالفعل بدأ جوزيف سموحة مشروعه عام 1924 بمنطقة بحيرة الحضرة (والتي كانت تعرف وقتها بملاحة رجب باشا جد السفير حسن رجب)، حيث قام بتجفيفها وتقسيمها لشوارع وميادين، كما أسس ناديًا للفروسية والرياضة لجذب المشترين إلى مدينته الجديدة، مدينة سموحة، وبالفعل نجح في ذلك لتنضم مدينة سموحة إلى غيرها من مشاريعه الناجحة، بعد خلق مدينة راقية من مستنقعات ملاحة رجب باشا.
يعتبر حي سموحة حاليًا من أكثر مناطق الإسكندرية جذبًا للسكان بالرغم من أنه لا يطل على البحر المتوسط، نظرًا لما فيه من مميزات. فحي سموحة يتوسط مدينة الإسكندرية، ويقع أيضًا على مدخل المحافظة الجنوبي، فضلاً عن إطلالته على محطة قطار سيدي جابر إحدى المحطتين الرئيسيتين بالإسكندرية واقترابه الشديد من مطار النزهة الدولي، كما يضم عددًا كبيرًا من المدارس والمستشفيات والمصالح الحكومية.
يعتبر حي سموحة حاليًا من أكثر مناطق الإسكندرية جذبًا للسكان نظرًا لما فيه من مميزات
اقرأ/ي أيضًا: الإسكندرية "مدينة الرب".. في سوق نخاسة رأس المال
4. مركز الخانكة
تعد مدينة الخانكة من أقدم المدن المصرية التي لها تاريخ طويل، وعلى الرغم من ارتباط مصطلح "خانكة" لدى المصريين بالمختلين عقليًا؛ وذلك لأن أول ما قد يبادر إلى ذهن من يسمع هذه الكلمة هو مستشفى الأمراض النفسية والعقلية الشهيرة في مدينة الخانكة بمحافظة القليوبية، إلا أن هذا المصطلح في الحقيقة له معنى غير ذلك، فأصل كلمة "الخانكة" يعود إلى مصطلح "خانقاه" وهي كلمة فارسية معربة عن "خانگاه"، وتعني المكان الذي ينقطع فيه المتصوف للعبادة، وتجمع بين تصميم المسجد والمدرسة بالإضافة للغرف التي يختلي بها المتصوف للعبادة.
وتعود تسمية مدينة الخانكة بهذا الاسم إلى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، حيث اعتاد السلطان أن يخرج للصيد شمال مدينة القاهرة بنحو خمسة عشر كيلومترات، منطقة سرياقوس حالياً، وفي إحدى الرحلات أصيب بألم عظيم في جوفه كاد أن يجهز عليه ولما عجز عن تحمل الألم نذر نذرًا لله بأنه سيقوم ببناء "خانقاه" للصوفية وعابري السبيل في هذا المكان تقربًا لله إن أتم الله شفاءه، وبالفعل عندما تعافى السلطان من مرضه خرج بنفسه على رأس موكب كبير من المهندسين والبنائين ليوفي بنذره عام 725هجرية/ 1324م وقام بتأسيس المدينة وبناء الخانقاه، لما تم البناء خرج ومعه الأمراء والقضاة ليقيم الموائد داخل الخانقاه كما فرق 60 ألف درهم فضة، مما دفع الناس للإقامة حول المكان وبناء البيوت والدكاكين حتى صارت بلدة كبيرة.
5. حي زيزينيا
حي زيزينيا واحد من الأحياء الراقية في الإسكندرية بمصر؛ حيث يضم الحي العديد من القصور التي اشتهر بها، كما يوجد به مقر الإقامة الدائم لمحافظة الإسكندرية أو ما يعرف باستراحة المحافظ، كما كان زيزينيا هو عنوان واحد من أروع أعمال السيناريست أسامة أنور عكاشة، ويقع حي "زيزينيا" في منطقة الرمل بين منطقتي جليم وجاناكليس.
يرجع اسم حي زيزينيا إلى الكونت استيفان زيزينيا، يوناني الأصل، استقر بالإسكندرية في عهد محمد علي، عمل الكونت زيزينيا قنصلًا عامًا لدولة بلجيكا في مصر، كما كان واحدًا من أكبر تجار القطن بالإسكندرية سنة 1872، ولأن لكل قادمٍ دهشة، كانت دهشة زيزينيا هي مدينة الإسكندرية، العاصمة الثانية لمصر، والتي بات مغرمًا بها، خاصةً منطقة مرتفعة برمل الإسكندرية، حتى قام بشراء قطعة أرض عام 1854 من عائلة تدعى "أبو شال"، وبنى قصرًا كبيرًا، ومن ثم عرفها الناس وأقاموا بها فسميت المنطقة بحي زيزينيا نسبةً إليه.
6. منطقة كوتسيكا
منطقة كوتسيكا أو كما أسماها المصريون "كوزيكا"؛ لتسهيل النطق واحدة من مناطق حي طرة التاريخي الثلاث، ومن أشهر معالمها منطقة شق التعبان المكان الثالث عالميًا في صناعة الرخام الذي يصدر إلى جميع أنحاء العالم، كما ازدهرت الخدمات بالمنطقة مؤخرًا فبدأ الاتجاه لفتح الشركات وبعض البنوك بها، ويرجع اسم المنطقة إلى الخواجة تيوخاري كوتسيكا، يوناني الأصل، وأول من أنشأ مصنعًا للكحوليات والسبيرتو في مصر عام 1893 في المنطقة التي تحمل اسمه اليوم في طره وكما أطلق الاسم على محطة مترو بالقرب من المعادي.
كوتسيكا أو "ملك السبيرتو" كما لقب حينها، كان أغنى أغنياء الجالية اليونانية في مصر؛ حيث قدرت ثروته بأربعة ملايين ونصف جنيه مصري في بداية القرن العشرين، كما شارك في إنشاء الإسعاف المصري حيث تبرع بأول سيارة إسعاف عام 1916، بالإضافة للمستشفى اليوناني الذي أنشأه تيوخاري كوتسيكا بالكامل على نفقته الخاصة، والذي يعد من أكبر مستشفيات مصر.
اقرأ/ي أيضًا: في مصر.. أسماء قرى أغرب من "ميت البز"
7. حي توريل
حي توريل أرقى أحياء مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، وهو أحد الأحياء العريقة بالمنصورة، حيث يمتاز الحي بحفاظه على رونقه العريق إلا أنه يلاقي بعض الإهمال حتى بدت بقايا الفيلات والعمارات القديمة كالعجائز بين العمارات الجديدة، يبعد حي توريل 200 متر عن مبنى ديوان محافظة الدقهلية، ويضم مجموعة من المرافق الهامة مثل استراحة المحافظ والسكرتير العام، بالإضافة لمبنى الأمن الوطني بالمنطقة، فضلاً عن بقايا بعض المباني المعمارية التراثية والأثرية بالمنصورة.
يعود اسم حي توريل إلى الخواجه إيلي توريل، كاتب المحكمة المختلطة في ذلك الوقت، الذي عمل على تقسيم منطقة توريل بعد أن كانت أرضًا حديثة التبوير في نهاية الأربعينيات، تتبع ضاحية قولنجيل الزراعية ثم جرى ضمها إلى مدينة المنصورة وتحولت إلى أرض بناء مقسمة صالحة لبناء فيلات أو عمارات بشرط ترك ممرات أو حدائق صغيرة بجوار كل عمارة وهذا ملحوظ فيما تبقي من عمارات قديمة للآن.
تعاني حديثقة حيوان حي توريل بالمنصورة من الإهمال وتدهور حالها
إيلي توريل ذو أصول يهودية وأسس الحي بنظام الأسهم ليتملكه مجموعة من الأجانب أغلبهم يهود كانوا يهتمون بالذوق المعماري ويتسابقون في التميز البنائي ويهتمون بحدائقهم، كما أنشأ الخواجة توريل حديقة حيوان المنصورة عام 1949 على مساحة 3 أفدنة حيث تبرع بأرض الحديقة للدولة.
8. ميدان سيمون بوليفار
يعتبر سيمون بوليفار واحدًا من أشهر القادة في فنزويلا، والذي قام بتحريرها من جحيم الاحتلال الإسباني، وكان من أبرز الرموز التي نادت بالحرية والتخلص من الاحتلال في أمريكا اللاتينية، حيث شارك في العديد من حركات التحرر ضد الاحتلال الإسباني حتى استطاع الإطاحة بالحاكم الإسباني، وبعدها أنشأ ما يعرف بالمجلس الوطني في فنزويلا، عارض بعدها العديد من المحاولات للعودة إلى الحكم الإسباني، حتى استطاع تحرير كولومبيا أيضًا وأسس دولة "كولومبيا الكبرى" ونصب بعدها رئيسًا للبلاد.
ميدان سيمون بوليفار واحد من أشهر الميادين الموجودة في منطقة وسط القاهرة ويقع تحديدًا في منطقة جاردن سيتي، بالمسافة التي تفصل بين ميدان التحرير وكورنيش النيل، حيث يبدأ من جهة فندق سميراميس وفندق شبرد، وسمي الميدان باسم سيمون بوليفار تكريمًا لشخصيته ونضاله، ويتوسط الميدان تمثاله الذي صنعه النحات الفنزويلي كارملو تباكو، من النحاس الخالص، وافتتح الميدان عام 1979، ويصور التمثال بوليفار واقفًا معتزًا بنفسه متكئًا على سيفه، لكن لصوصًا سلبوه سيفه النحاسي في آذار/ مارس من عام 2013.
اقرأ/ي أيضًا: