الترا صوت - فريق الترجمة
ربما يكون أول وأصعب درسٍ يتعلّمه كل أب وأم يهبطان من سماء النظريات التربوية المثالية، إلى أرض فوضويات واقع التربية، هو إدراكهم، وسريعًا على الأرجح، أن الواقع يختلف في كثيرٍ من تفاصيله عما قرأوه وتسلّحوا به من كتبٍ ونظريات.
وجد بحث أن ثقة الفتيات تنخفض بنسبة 30% بين عمري الثامنة والـ14، وثلاثة من أصل أربع فتيات يخشين الفشل
ولعل أفضل ما يمكن تلخيص ذلك به، هو تسليم جان جاك روسو بأنه "كان عندي ست نظريات لتربية الأطفال قبل أن أتزوّج، واليوم أملك ستة أطفال ولا أملك أي نظرية".
اقرأ/ي أيضًا: كيف أكون واثقة من نفسي أمام الناس؟
وفي تفاصيل تعليم الأطفال السلوكيات السوية والمفيدة لهم، تبرز سمةً داخلية لها خصوصيتها، هي الثقة بالنفس. وربما يستصعب الكثير من الأهالي بناء ثقة أطفالهم بذواتهم تحديدًا، لأنها تتقلّب كثيرًا مع النمو الجسدي والعقلي، ومواجهتهم واكتشافهم لتجارب جديدة مع تقدمهم في العمر.
ويظهر أنه في خضم هذه المعركة المستمرة التي تؤرّق بال الكثير من الآباء والأمهات الحريصين، تعاني الفتيات المراهقات بشكلٍ خاص بناءً على بعض الإحصائيات. وهنا تقدّم هذه المقالة المنقولة بتصرف عن "CNN" خلاصة تجربة كتاب يركّز تحديدًا على الإناث مع صياغة بعض النصائح التي تبيّن كيف يمكن لنا أن نساعدهم على بناء ثقتهنّ بأنفسهنّ.
كتبت الصحفية والمؤلّفة والمتحدّثة العامة كلير شيبمان، كتابًا بالتعاون مع الإعلامية كاتي كاي، بعنوان "شيفرة الثقة: علم وفن الثقة الذات.. ما على النساء معرفته". نال الكتاب حظًا واسعًا من الشهرة والتأثير بين النساء، وسرعان ما اعتلى قوائم الكتب الأفضل مبيعًا.
ما لاحظته الكاتبتان خلال جولتها لتسويق كتابهما، هو وجود سؤالٍ تردّد كثيرًا على لسان الأهالي، رجالًا ونساءً، الذين أهمّتهم مسألة تربية أطفالهم: "ماذا عن ابنتي؟ أنا أرى ذلك في ابنتي". كما تستذكر شيبمان: "ركّز الكتاب كثيرًا على الشابات والنساء. ماذا عساني أفعل مع بناتي لأنني أشعر أنها تفتقر إلى ذلك. هي تمرّ بهذه المشكلة".
من هنا، وبعد بعض البحوث، تولّدت فكرة كتاب "شيفرة الثقة للفتيات: الإقدام على المخاطرة والإخفاق.. ذاتك المذهلة المتسلّحة بالثقة". وفي هذا الكتاب، استخدمت الكاتبتان بعض القصص المصوّرة، والاختبارات السريعة، والقوائم، وقصصًا حقيقية من صلب حياة بعض الفتيات لجعل الموضوع أيسر وأقرب إلى قلوب جمهوره.
الأسئلة التي تكرّرت على ألسنة الناس خلال جولة الكاتبتين ليست بالأمر المستغرب، فقد توصّل مسحٌ شمل 1400 فتاة في الفئة العمرية ما بين ثماني إلى 18 سنة، إلى أن ثقة الفتيات تنخفض بنسبة 30% بين عمري الثامنة والـ14. كما وجد المسح أن ثلاثة من أصل أربع فتيات يخشين الفشل.
شيبمان نفسها تفاجأت بهذه الأرقام: "لقد تفاجأنا بهذه النسبة العالية، وخصوصًا إذا عرفت أنه حتى بلوغ الطفلة عمر الثامنة لا يوجد أي انخفاض في مستوى الثقة تقريبًا".
"ما الذي يمكن فعله لمواجهة هذه الظاهرة المقلقة؟"، هكذا سألت كاتبة المقال، شيبمان، فزوّدتها الأخيرة ببعض النصائح التي آتت ثمارها مع ابنتها البالغة من العمر 13 عامًا في ذاك الوقت:
1. خذ بيدها إلى خارج منطقة راحتها (Comfort Zone) وشجّعها على المخاطرة
كانت نصيحة شيبمان الأولى باختصار: "ساعد بناتك على الارتياح مع شعور عدم الارتياح". لكن كيف يكون ذلك؟
يمكن للأهل أن يتحدّثوا مع بناتهم عن كيف يمكن لهم مواجهة مخاطرةٍ ما والطرق التي تعينهم على ذلك. فحاول أن تكون صادقًا وقريبًا من ابنتك، إذ تنبّه شيبمان إلى أنه "ربما قد يتعارض ذلك مع حدسك، ولكن لا تقل لهم: لا يجب أن تخافي من هذا. أو: لا يوجد ما يخيف. أو: اكذبي الكذبة حتى تصدّقيها. فهذا ليس مما يُعين. المخاطرة أمر مخيفٌ حقًا".
في المقابل، شجّع ابنتك وقل لها: "بكل تأكيد، الخوف جزء من طبيعة الإنسان. وهذا موقفٌ مخيفٌ قليلًا، ولكن قولي لنفسك: سأقوم بذلك بالرغم من خوفي. سأقوم بذلك على أي حال".
2. حثّها على كتابة قائمةً بالمخاطر
إذا كتبت ابنتك قائمةً، كما تقترح شيبمان، بالمخاطر التي تجاوزتها فسيكون هذا تذكرةً حسنة بما تقدر عليه. الأمر ينطبق أيضًا على ما تخفق فيه: فالكتابة عما فشلت فيه، وكيف حاولت تحقيق ذلك؛ يساعد كثيرًا.
3. التفّ حول الفشل وقت السقوط
على الفتيات أن يعرفنّ أن الفشل أمرٌ حتمي في الحياة. لكن ما يساعد بعض الشيء، أن نعرف كيف نستطيع التخفيف عن أنفسنا. تقول كل من شيبمان وكاي: "جميعنا نحتاج إلى الاحتيال على الفشل".
تضمّ القائمة المقترحة 10 رسائل، منها: "غيّري القناة"، بمعنى أن تساعدي ابنتك على صرف نفسها إلى فعل أي شيءٍ آخر حتى يتحسّن حالها، مثل قراءة كتاب أو مشاهدة التلفاز أو غير ذلك. الفكرة ببساطة هي صرف انتباهها إلى شيءٍ آخر كي تتوقّف عن التفكير فيه باستمرار.
حاول أيضًا أن تساعد ابنتك على النظر إلى الموقف من زاويةٍ أوسع وأشمل، فلتركّز على الأشياء الأخرى التي حصلت، وادفعها إلى الحديث عما حصل من منظورٍ أوسع.
الفكاهة أيضًا يمكنها أن تكون مساعدة في مثل هذه المواقف. طبعًا قد يكون ذلك أمرًا غير وارد وأنت ترى ابنتك الصغيرة والدموع تنهمر من عينيها، بعد ما تعتبره أكبر سقطةٍ في حياتها. لكن حاول أن تساعدها على الإدراك بأن الأمور كان يمكن أن تكون أسوء بكثير، باستخدام من الفكاهة.
4. قدوةٌ في النجاح وفي الفشل أيضًا!
أحد الأمور التي تثير قد العجب، هو أن الآباء كانوا أقدر على ملاحظة غياب الثقة لدى بناتهنّ من الأمهات، بنسبةٍ وصلت إلى 26%. ويمكن تفسير ذلك بأن الأمهات لا يلحظنّ تغيرًا في سلوك بناتهن.
"المثالية أو القلق بشأن هذا أو ذاك، أو الخجل من رفع اليدين. هذه الأمور نلحظها نحن النساء"، كما تقول شيبمان، التي تضيف: "حتى لو لاحظنا أنها خطأ في داخلنا، فهي ليست أمرًا غريبًا لأننا مررنا بهذه المرحلة، وربما لا نزال نعاني من ذلك. ولكن أعتقد أن الآباء، الذين يعلّقون آمالًا أكبر على بناتهن، سيقولون: ماذا حصل لصغيرتي؟ كانت واثقةً بنفسها قبل عام، والآن تخاف من فعل أي شيء. إنهم يشعرون صدقًا بوقوع أمرٍ غريب".
الفكرة هنا هي مدى تأثير القدوة على أطفالنا. فلندعهم يروننا، خصوصًا الأمهات، ونحن نواجه إخفاقاتنا وصراعاتنا ونُقدم على المخاطرة. وقد فعلت شيبمان ذلك مع ابنتها التي سمحت لها برؤيتها وهي تستصعب كتابة فصلٍ جديدٍ من كتابها.
5. ذكّرها أنها غير ناقصة
مع كل هذا الحديث عن الثقة، لا بأس، بل من المهم، أن نذكّر بناتنا أننا لا نقصد أن فيهنّ عيبًا ما نحاول إصلاحه. فالفتيات ينزعنّ إلى سلوكياتٍ معيّنة لعددٍ من الأسباب، منها طبيعتهنّ البيولوجية، والتنشئة. كما أنهنّ يتمتّعن بذكاءٍ عاطفيٍّ أعلى.
وتشدّد شيبمان على ذلك: "هدفنا ليس تهجين الفتيات ليصبحنّ مثل الصبيان. من الرائع جدًا بنظري أن تفهم الفتيات منذ عمرٍ صغيرٍ أن العالم لا يسير مثل المدرسة".
على الفتيات أن يعرفنّ أن الفشل أمرٌ حتمي في الحياة. لكن ما يساعد بعض الشيء، أن نعرف كيف نستطيع التخفيف عن أنفسنا
حاول أيضًا مساعدة بناتك، ومنذ عمرٍ صغير، على معرفة المهارات القيّمة في مراحل الحياة القادمة، مثل القدرة على التعبير والدفاع عن أنفسهن وعدم القلق برأي الناس.
اقرأ/ي أيضًا:
7 خرافات شائعة عن تربية أبناء ناجحين
ما العلاقة بين حنان الأهل ونرجسية الأطفال؟