المكالمة المسربة بين صالح وكهلان أبو شوارب، محافظ عمران السابق، التي بثتها قناة الجزيرة، حملت دلالات عميقة عن سلوك رأس السلطة لعقود في اليمن: علي عبد الله صالح. الملابسات حول المكالمة المسربة لم تكن واضحة تمامًا؛ لكن الراجح أنها كانت في حزيران/يونيو 2014، عقب ما سمي بأحداث الأربعاء، والتي تمثلت في تظاهرات ضد قرار رفع أسعار المشتقات النفطية تخللتها أعمال تخريب تم ايقافها سريعًا، تبعتها اتهامات من طرف هادي بوجود محاولة انقلابية خلف تلك التظاهرات.
فيما يبدو فإن "أبو شوارب" سعى لوساطة ما أو ربما كلف من صالح بحمل رسائل لقادة عسكريين؛ الأول عبدالرحمن الحليلي قائد اللواء الثالث مدرع، والثاني كان اللواء علي الجائفي قائد قوات الاحتياط، وكلاهما، القوتين والقائدين، محسوبان على قوات الحرس الجمهوري القوية بقيادة نجل صالح قبل أن تتم هيكلتها عقب ثورة الشباب وصعود هادي إلى سدة الحكم.
يلخص صالح تجربته في حكم اليمن لثلاثة وثلاثين عامًا، بمزيج من البلطجة والسوقية، والتسلط والإجرام
وقد كان تحرك الحليلي بموجب لقائه بالجعملاني قائد قوات الحماية الرئاسية المحسوب مناطقيًا وسياسيًا على الرئيس "هادي"، إلى منصة ميدان السبعين حيث تقام الاحتفالات الرسمية وإلى جوارها جامع صالح الضخم، ضمن بلاغات بوجود أسلحة ومعدات عسكرية كبيرة في تلك المنطقة التي تعتبر أهم معاقل صالح وقواته، وهو ما صح لاحقًا.
اقرأ/ي أيضًا: اليمن.. امتحانات الحرب
يعقب صالح في المكالمة بأن قائد قوات الاحتياط علي الجائفي وجه بتحرك 10 دبابات إلى ريمة حميد، ويطلب من محدثه نقل تهديده للجائفي قائلًا: "قل له يا جائفي لا تلعب بذيلك. والله سنحرقك وأنت عند امك. ايش معه هناك"، يرد أبو شوارب بالتخوف من وجود طرف ثالث، فيقاطعه صالح بعدم وجود طرف ثالث، مستدعيًا النعرة الطائفية بالقول "يشتوا يدقو(نا) بين(نا) البين" ويضيف: قل له أنتم أدوات مع صاحب ابين "ينتمي هادي إلى محافظة ابين الجنوبية"، ويردف يعني عملاء!
صالح بدا مستفزًا للغاية من تحرك الحليلي وهو يخاطب "أبو شوارب" بالقول: هو ذا عند المنصة. ما يفعل؟ عند امه؟ ليرد عليه "أبو شوارب" بأنه لا يوجد شيء، وأنه لن يفعل شيء، وقد ضمن ذلك. وأن هناك بلاغات خاطئة عن تحركات في معسكر "ريمة حميد" في سنحان "مسقط رأس صالح ومعقله.
بهذه العبارات يلخص صالح تجربته في حكم اليمن لثلاثة وثلاثين عامًا، مزيج من البلطجة والسوقية، والتسلط والإجرام، والاستحواذ على الدولة وجيشها حتى بعد خروجه من السلطة، والأهم: تشكيلة نتنة من الأمراض العنصرية.
كشفت المكالمة المسربة عن طبيعة صالح والمعسكر الذي يمثله، فكل يمني لا يشاركه انتماءه المذهبي هو عدو أصلًا
لقد ظل صالح وحلفاؤه يشهرون على مخالفيهم تُهم الطائفية والمناطقية، لمجرد الشكوى أو الاعتراض على الاستئثار بالسلطة والثروة وسياسات التهميش والإقصاء، وانظم إليهم في جوقة الدعاية هذه شركاؤهم المذهبيين من معارضيهم المفترضين! فصدق البعض أن الشعب مناطقي وطائفيّ لكن "الزعيم"وطني!
اقرأ/ي أيضًا: اليمن.. خمس سنوات في الطريق إلى الصوملة
خلال عقود كان داعي الطائفية، كلمة السر وعصا السحر التي أوصلت صالح إلى السلطة وابقته على رأسها لعقود، وهي بامتزاجها مع الإرث الطائفي للأئمة الزيديين الذي قامت عليه ثورة "سبتمبر 1962"، والذي راكم خبرة طويلة في الحكم بالطائفية الباطنية التي شكلت نظرية الحكم، عكست عدوانها على باقي فئات الشعب من غير المنتمين للطائفة الزيدية، وأصبحت مرضًا اجتماعيًا يصعب علاجه.
وبرغم ظهور المليشيات الطائفية الحوثية الا أن البعض انخرط أيضًا في جوقة الإنشاد الوطنية المزيفة، وكيلت التهم للرئيس هادي ومعسكره بالمناطقية والعمل على تقسيم اليمن، تتويجًا لاستهداف المتبقي من الفاعليات الوطنية خلال عقود من الزمن تحت نفس الشعار.
اليمن كبيرة، أرضًا وشعبًا وتاريخًا، هكذا يدعي الأغلبية هنا، لكنها صغيرة، أشبه بعشة قش رثة يقيل بها جنديّ همجي ومحتال كصالح الذي رآها وحكمها وقدمها كذلك، ومعه ومثله فعلت عصابة البلطجة الوطنية من "عيال السوق" ولا حرج، وها هي اليمن التي يتنطعون باسمها؛ قزمة، وضحلة، ومبتذلة كنكتة بايخة!
لقد كشفت المكالمة المسربة عن طبيعة صالح والمعسكر الذي يمثله، فكل يمني لا يشاركه انتماءه المذهبي هو عدو أصلًا، وما وصفه للجائفي القائد العسكري الذي أراد تنفيذ أوامر رئيسه "هادي" أو "صاحب ابين"، بالعميل، إلا لأنه يرى هادي عدوًا محضًا لكونه جنوبي ولا ينتمي للهضبة الشمالية، وأى قائد عسكري ينفذ أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة ويتجاهل أوامر ابن منطقته هو عميل وخائن.
اقرأ/ي أيضًا:
أطفال اليمن.. العنف سيد اللعبة