حاولت صحيفتا "بيلد" الألمانية (الأكثر انتشارًا في ألمانيا) و"جويش كرونيكل" البريطانية، استنادً إلى وثائق تعود لـ"حماس"، إقناع القراء والرأي العام الدولي بأنّ الحركة هي المسؤولة عن تعطيل صفقة تبادل الأسرى.
لكنّ تدقيقًا في الوثائق قام به الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي رونين بيرغمان، ونشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت"، الإسرائيلية توصل إلى أن الوثائق التي كشفتها صحيفتا "بيلد" و"جويش كرونيكل" كانت مشوهةً، وتضمنت أكاذيب بهدف خدمة توجهات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي استغل تقرير الصحيفتين لتبرئة ساحته وإظهاره بمظهر الحريص على إعادة الأسرى لا البقاء في منصبه السياسي كما تروّج معارضته، بالقول إن "حماس" هي التي تتحمل مسؤولية عدم التوصل لاتفاقٍ حتى الآن بشأن الأسرى وإنهاء الحرب على غزة.
فضح التلاعب
نقلت يديعوت أحرنوت عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها إن فحص الوثيقة المنشورة في بيلد أظهر أنها: "ليست وثيقةً صادرة عن رئيس حركة حماس يحيى السنوار على الإطلاق، أو مأخوذةً من جهاز الكمبيوتر الخاص به، بل هي اقتراحٌ من مستوى متوسط في حركة حماس". لكن الأهم من ذلك، حسب الصحيفة، أنّ: "الجزء الرئيسي الذي يُفتَرض أن صحيفة بيلد اقتبسته من نفس الوثيقة، والذي يقول إن حماس غير مهتمة بالتوصل إلى اتفاق، ليس له أصلٌ في الوثيقة".
وأضاف التقرير أن: "هذه الوثيقة كتبتها المخابرات العسكرية لكتائب عز الدين القسام (وليس السنوار)، لكنها وثيقة ذات أهمية صغيرة، وبالتأكيد ليست أوامر السنوار، رغم أنها تمثل وجهة نظر معتدلة".
الوثائق التي كشفتها صحيفتا بيلد الألمانية وجويش كرونيكل البريطانية كانت مشوهةً، وتضمنت أكاذيب بهدف خدمة توجهات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
كما نقل التقرير عن مصدرٍ رفيع المستوى على صلة بشبكة أسرى الحرب، ومطلعٌ على تفاصيل المفاوضات مع حماس بشأن صفقة إعادة المحتجزين من غزة، قوله إن: "هذه الوثيقة ملفقةٌ وجرى التلاعب في مصدرها ومحتوياتها، وتمثل جزءًا من حملة خبيثة وشريرة وشيطانية بشكل خاص من أجل الاعتبارات السياسية الضيقة والأنانية".
ويلمح المصدر الإسرائيلي الرفيع بهذا التعبير المستخدم في تصريحه إلى تسويق نتنياهو لمزاعم الصحيفتين بأن حماس غير مهتمة بالتوصل إلى اتفاق، وأن السنوار على وشك تهريب "الرهائن" إلى إيران!
وأكد المسؤول الإسرائيلي أن أهالي الأسرى لجؤوا إلى قسم "أسرى الحرب" في وزارة الداخلية للتحقق من هذا الأمر، وتم إبلاغهم بأن: "هذا الخوف قائم على صفر حقائق، ومحض أكاذيب".
كما نقل عن التحقيقات التي أجراها مجمع الاستخبارات وصفهم للتلاعب في الوثائق السرية بعملية: "التأثير على الأزرق، أي عملية تضليل يقوم بها المسؤولون الإسرائيليون بشكلٍ غير قانوني ضد الجمهور الإسرائيلي، باستخدام معلومات سرية كاذبة".
المصدر الإسرائيلي كشف أيضًا لـ"يديعوت أحرنوت" أن صحيفة "جويش كرونيكل" قدّمت سلسلةً من المنشورات الكاذبة الأخرى التي كتبها أحد مراسيلهم، وهو إيلون بيري، بهدف خدمة نتنياهو، مثل الزعم أنه لم يبق سوى "20 مختطفًا" على قيد الحياة، وهم مقيدو الأيدي بجانب السنوار، وليس هناك فرصة لإطلاق سراحهم. والزعم كذلك أن عملاء الموساد، الذين يرتدون ملابس خضراء، كانوا يختبئون خلف الأشجار حول المنزل الذي كان يقيم فيه رئيس حركة حماس السابق إسماعيل هنية الذي تم اغتياله في طهران.
بل إن "يديعوت أحرنوت" نقلت عن الكاتب والصحفي الإسرائيلي أمير شوان أن الاسم الحقيقي للكاتب في هذه الصحيفة ليس ألون بيري، بل إيلي يفراح، ولم يكن كما تدعي سيرته الذاتية مقاتلًا في عملية عنتيبي (إنقاذ رهائن إسرائيليين تم اختطافهم من قبل فدائيين عام 1976)، ولا أستاذًا جامعيًا وضابطًا سرّيًا وصحفيًا منذ 25 عامًا؛ بل مجرد جندي عادي.
وبالنسبة لحالة صحيفة "بيلد"، يقول تقرير "يديعوت أحرنوت" إنه: "ينبغي عدم الاشتباه في أن نائب رئيس تحرير الصحيفة الأكثر انتشارًا في ألمانيا، والعضو الأكثر أهمية في المجموعة الإعلامية المؤثرة أكسل سبرينغر كان يعلم أنه كان جزءًا من خدعة شريرة، ولكن النتيجة قاسية: ليست وثيقة السنوار، ولا تعليماتٍ حول كيفية إدارة المفاوضات، وليس قرار حماس بعدم التوصل إلى اتفاق".
مضمون وثيقة حماس دون تلاعب
كُتبت وثيقة "حماس"، التي حصل عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، من طرف المخابرات العسكرية التابعة للجناح العسكري للحركة، وهي إحدى المنظمات الاستخباراتية الثلاث التابعة لحماس حسب تقرير "يديعوت أحرنوت".
وتم إعداد الوثيقة ضمن التوصيات حول كيفية التصرف مع الاقتراح الذي قدمه الوسطاء الثلاثة لحماس للتوصل إلى اتفاق في الثامن من نيسان/أبريل الماضي، ولكن قيادة حماس لم تقبل ما ورد فيها، بحسب مصادر الصحيفة الإسرائيلية التي أضافت أنه من: "المؤكد أن الآراء والتوصيات المقدمة هناك لا تعكس ترددًا في التوصل إلى اتفاق، بل على العكس تمامًا. وتصف كيف يمكن لحماس تعظيم الفائدة التي يمكن أن تجنيها من مثل هذه الصفقة، وكيف يمكنها التحرك نحوها، وما قد تحصل عليه إسرائيل وما قد لا تحصل عليه، وكذلك كيف سيكون من الممكن ممارسة الضغط على إسرائيل لقبول الصفقة".
وبحسب تقرير "يديعوت أحرنوت"، فقد جاء في مقدمة الوثيقة ما نصّه: "قبلنا الاقتراح الأخير للوسطاء، والذي يتكون من 3 أجزاء ويتناول (المبادئ الأساسية لاتفاق بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في غزة لتبادل الأسرى والعودة إلى الهدوء المستمر)، ونرى أن هناك العديد من العوامل التي يجب مراعاتها عند اتخاذ القرار، ودراسة آثارها السلبية والإيجابية.. من الضروري إظهار المرونة حتى لا تتحمل حماس مسؤولية الفشل في التوصل إلى اتفاق".
وممّا جاء في الوثيقة أيضًا: "نعتقد أنه يمكن تحسين بعض البنود الأساسية في الاتفاق، حتى لو استمرت المفاوضات لفترةٍ أطول". ويؤكّد تقرير الصحيفة الإسرائيلية أن وثيقة "حماس" تشمل، من ناحية أخرى: "إمكانية التخلّي عمّا كان لعدة أشهر حجر العثرة الرئيسي بين الجانبين".
وخلصت الصحيفة إلى التأكيد بأن هذه الوثائق التي تم التلاعب بها، مضيفةً أنها: "تثير أفكارًا جديةً حول ما تم نشره في وسائل الإعلام الإسرائيلية طوال هذه الحرب" على غزة.