04-سبتمبر-2024
أنفاق حماس

صممت الأنفاق في غزة لتلبي جميع متطلبات الحرب (نيويورك تايمز)

أمضى قادة "حماس" سنواتٍ في تطوير خطة حرب تحت الأرض، وتُظهِر السجلات من ساحة المعركة استعدادات الحركة، بما في ذلك الأبواب المتطورة للحماية من القنابل والجنود الإسرائيليين.

وقد حصلت مجلة "نيويورك تايمز" الأميركية على وثائق تبيّن استراتيجية "حماس" القتالية في معركة الأنفاق، وتضمنت الوثائق التي استولت عليها "إسرائيل" في الحرب الحالية على غزة، ما أسمته الصحيفة "دليل حماس للقتال تحت الأرض"، وهو دليل يتضمن تفاصيل دقيقة، حول كيفية التنقل في الظلام، والتحرك خلسةً تحت غزة، وإطلاق الأسلحة الآلية في الأماكن الضيقة لتحقيق أقصى قدر من الفتك بالأهداف.

وتكشف الوثائق أنّ قادة ساحة المعركة تلقوا تعليمات بتحديد الوقت، حتى الثانية، الذي يستغرقه مقاتلوهم للتحرك بين نقاط مختلفة تحت الأرض، وبحسب المصادر الإسرائيلية التي تحدثت لـ"نيويورك تايمز"، فإن عناصر من الجيش الإسرائيلي اكتشفوا وثيقة حرب الأنفاق في منطقة الزيتون بمدينة غزة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كما عُثر على رسالة من، يحيى السنوار، إلى قائد عسكري في الشهر نفسه جنوبي المدينة، ووفّر الوثائق للتايمز مسؤولون عسكريون إسرائيليون.

كان المسؤولون الإسرائيليون يعلمون قبل الحرب أن لدى حماس شبكة أنفاق واسعة النطاق، لكن ثبت أنها أكثر تطورًا واتساعا مما كانوا يعتقدون

وبحسب نيويورك تايمز، فإن العلامات الموجودة على الوثائق تتوافق مع مواد أخرى تابعة لـ"حماس" نشرتها أو فحصتها صحيفة التايمز، وقد وصف الجنود الإسرائيليون التفاصيل، مثل مداخل الأنفاق المموهة والأبواب المضادة للتفجير التي تم تركيبها أخيرًا وتتفق مع وثائق حماس.

وتصف الوثائق أيضًا استخدام أجهزة الكشف عن الغاز ونظارات الرؤية الليلية، وهي معدات عثرت عليها القوات الإسرائيلية داخل الأنفاق، وقال تامير هايمان، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، إن إستراتيجية "حماس" القتالية تعتمد على التكتيكات السرية، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلتهم قادرين على الصمود أمام الجيش الإسرائيلي حتى الآن.

دليل حماس للقتال تحت الأرض

يعود دليل "حماس" للقتال تحت الأرض لعام 2019، وهو يمثّل جزءًا من جهد دام سنوات من قبل "حماس"، وذلك قبل وقت طويل من هجومها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والحرب الحالية مع إسرائيل، لبناء عملية عسكرية تحت الأرض يمكنها الصمود في وجه الهجمات المطولة وإبطاء القوات البرية الإسرائيلية داخل الأنفاق المظلمة.

وبحسب الوثائق التي استعرضتها "نيويورك تايمز" فإنه قبل عامٍ واحد فقط من مهاجمة إسرائيل، وافق يحيى السنوار، زعيم "حماس" في قطاع غزة، على إنفاق 225 ألف دولار لتثبيت أبوابٍ مقاومة للانفجار لحماية شبكة أنفاق الحركة من الغارات الجوية والهجمات البرية.

وجاء في وثيقة الموافقة أن قادة ألوية "حماس" قاموا بمراجعة الأنفاق أسفل غزة، وحددوا الأماكن الحيوية تحت الأرض وعلى السطح التي تحتاج إلى تحصين.

وتساعد السجلات، إلى جانب المقابلات مع الخبراء والقادة الإسرائيليين، في تفسير السبب وراء معاناة "إسرائيل"، بعد مرور ما يقرب من عام على الحرب، لتحقيق هدفها المتمثل في تفكيك "حماس".

وقضى المسؤولون الإسرائيليون سنوات في البحث عن الأنفاق التي يمكن أن تستخدمها "حماس للتسلل إلى إسرائيل لشن هجوم، بغية تفكيكها. لكن مسؤولًا إسرائيليًا كبيرًا قال لـ"نيويورك تايمز": "إن تقييم أنفاق غزة لا يمثل أولويةً، لأن الحرب الشاملة هناك تبدو غير محتملة".

وفي الوقت نفسه، يدرك المسؤولون الآن أن "حماس" كانت تستعد لمثل هذه المواجهة، ويقول الخبراء إنه لولا الأنفاق لما كانت لـ"حماس" فرصة كبيرة في مواجهة الجيش الإسرائيلي.

ويحتوي دليل القتال تحت الأرض على تعليمات عن كيفية تمويه مداخل الأنفاق، وتحديد موقعها بالبوصلات أو نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، والدخول بسرعة والتحرك بكفاءة.

وجاء في الوثيقة المكتوبة باللغة العربية "أثناء تحركه في الظلام داخل النفق، يحتاج المقاتل إلى نظارات رؤية ليلية مزودة بالأشعة تحت الحمراء، ويجب ضبط الأسلحة على الوضع الآلي وإطلاق النار من الكتف"، وهذا النوع من إطلاق النار فعّال لأن النفق ضيق، لذا فإن الطلقات تستهدف مناطق القتل في الجزء العلوي من جسم الإنسان.

وكان المسؤولون الإسرائيليون يعلمون قبل الحرب أن لدى "حماس" شبكة أنفاق واسعة النطاق، ولكن ثبت أنها أكثر تطورًا واتساعًا مما كانوا يعتقدون، وفي وقت مبكر من الحرب، قدروا أنها تمتد على قرابة 250 ميلًا، والآن يعتقدون أن الأمر يصل إلى الضعف.

وحين قلّلت إسرائيل من شأن الأنفاق، استعدت "حماس" لمعارك تحت الأرض، وقامت في المقام الأول بنصب كمين للجنود الإسرائيليين بالقرب من مداخل الأنفاق، مع تجنب المواجهات المباشرة.

وقد سمحت هذه الاستراتيجية لـ"حماس" بشن هجمات كرّ وفرّ فوق الأرض، والاختباء من القوات الإسرائيلية، وتفجير المتفجرات باستخدام أجهزة التحكم عن بعد والكاميرات الخفية، وأدى ذلك إلى إبطاء مناورات الجيش الإسرائيلي، وفقًا لمسؤولين عسكريين إسرائيليين ومراجعة للصور ومقاطع الفيديو من ساحة المعركة.

هندسة الأنفاق وتكلفة تشييدها:

لدى "حماس" أنفاق أخرى عبارة عن مراكز قيادة وسيطرة متطورة أو شرايين تربط مصانع الأسلحة تحت الأرض بمنشآت التخزين، وتعمل بعض الأنفاق أيضًا كمراكز اتصال.

وكانت القوات الإسرائيلية قد عثرت في الشتاء الماضي على نظام اتصالات "نوكيا" تحت الأرض، وتوفر هذه الأنظمة نغمات الصوت والبيانات، ويمكن أن تكون بمنزلة لوحة مفاتيح لشبكة اتصالات تحت الأرض، لكن الميزات تتطلب أجهزة إضافية وليس من الواضح ماهية القدرات التي تمتلكها "حماس".

ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن "حماس" تحتجز أسرى إسرائيليين تحت الأرض، لذلك يجب التحقيق في كل نفق وتطهيره، على حد تعبيرهم.

وقالت، دافني ريتشموند باراك، خبيرة حرب الأنفاق في "جامعة رايخمان" في "إسرائيل"، إن الأنفاق تؤثر على وتيرة العمليات "فلا يمكنك التقدم ولا يمكنك تأمين التضاريس"، وأضافت "أنت تتعامل مع حربين؛ واحدة على السطح وأخرى تحته".

وقال أحد ضباط العمليات الخاصة الإسرائيلية إنه مع اقتراب الجنود من الأنفاق، تقوم "حماس" أحيانًا بتفجير الأسقف، ومن ثم يتسبب ذلك في انهيارات من شأنها أن تسد الطريق داخل الأنفاق.

ويمكن أن يستغرق تدمير عشرات الجنود لجزء من الأنفاق نحو 10 ساعات، وفقًا لضابط إسرائيلي كبير وخبير في حرب الأنفاق، وفي العام الماضي، اكتشف الجيش الإسرائيلي نفقًا بعمق 250 قدمًا، أي بارتفاع مبنى مكون من 25 طابقًا، وقال الجيش إن تدميره استغرق أشهرًا.

يقدر الجيش الإسرائيلي أن بناء نفق بدائي يبلغ طوله نصف ميل تقريبًا يكلف "حماس" نحو 300 ألف دولار

وقال مسؤول عسكري إسرائيلي إن تدمير شبكة الأنفاق بأكملها قد يستغرق سنوات، وبشأن تكلفة البناء يقدر الجيش الإسرائيلي أن بناء نفق بدائي يبلغ طوله نصف ميل تقريبًا يكلف "حماس" نحو 300 ألف دولار، وقالت ريتشموند باراك إن رسالة السنوار سلطت الضوء على التكلفة والتعقيد وراء هذا الجهد.

وكتب السنوار في الرسالة التي اطلعت عليها "نيويورك تايمز" أن "الكتائب ستُمنح الأموال بحسب الأهمية والضرورة"، ويمكن أن تشير الرسالة إلى المكان الذي تتوقع فيه المجموعة القتال الأشد، وأذِن السنوار بأكبر قدر من المال لأبواب الأنفاق المضادة للانفجار في شمال غزة وخانيونس. وفي الواقع، وقعت بعض أعنف المعارك خلال الحرب في تلك المناطق.

وتعمل الأبواب المضادة للانفجار على إغلاق أجزاء الأنفاق من بعضها بعضًا ومن الخارج، وذلك يحمي من التفجيرات والخروقات، كما أنها تعيق استخدام الجيش الإسرائيلي للطائرات من دون طيار لتفتيش الأنفاق ورسم خرائط لها، وقد واجه الجيش الإسرائيلي مرارًا وتكرارًا أبوابًا مضادة للانفجار أثناء قيامه بتمشيط الأنفاق، بحسب "نيويورك تايمز".