كان الكاتب الكبير يشرب قهوته الصّباحية ممزوجةً بمرارة الغضب! معتزلًا خلق الله لكنّه كان يبدو كمن يكلّم قبيلة كاملة. فقد كان يستعمل يديه وكتفيه وملامحه، والشّرر يتطاير من عينيه.
ظهور كتّاب جدد بهذا العدد، وفي هذا المفصل بالذات، دليل على أن هناك نبضًا مبشّرًا
مررت بالقرب منه، في مقهى "ميلك بار" بالجزائر العاصمة، فنادى عليّ وليته لم يفعل. قال من غير أن يسألني عمّا أشرب: ألا يزعجك الوضع؟ ألا تغار على الكتابة؟ فهمت قصده، فقد سبق لي أن قرأت له منشورًا يستحقّ عليه صفعة لو كان الضّرب أمرًا أخلاقيًا، لكنني سألته: ما يزعجك؟ قال: ما معنى أن يكتظ فيسبوك بعشرات المراهقين، الذين يظهرون فجأة روائيين سيشاركون في معرض الكتاب؟
اقرأ/ي أيضًا: أشهر 10 من جامعي الكتب في العالم
قلت: ضيّعت معي الواجب، ولم تطلب لي مشروبًا كما يقتضي المقام. وها أنت تريد أن تورّطني في معركة أكون فيها إلى جانبك، بينما مكاني الطبيعي فيها أن أكون ضدّ رؤيتك. هل تدري أنني كدت أفقد الأمل في هذه البلاد لولا ظهور هذه النخبة الجديدة من الكتّاب الجدد؟ بغضّ النظر عن مستواهم الإبداعي، الذي يفترض أن يناقش في سياق خاص؟ أين كلّيات الأدب، التي لم تعد تخلو منها ولاية من الولايات؟
إن ظهور كتّاب جدد بهذا العدد، وفي هذا المفصل بالذات، دليل على أن هناك نبضًا مبشّرًا، رغم جملة الإجهاضات المعتمدة من طرف السلطة والمجتمع معًا.
هل تتقبّل أن ينزعج إمام من إقبال مصلّين جدد على مسجده؟ قال: لا. قلت: أو ينزعجَ مدرّب رياضي من إقبال ممارسين جدد للرياضة؟ قال: لا. قلت: أو ينزعجَ صاحب حانة من إقبال شاربين جدد؟ قال: لا. قلت: فلماذا ينزعج كاتب مكرّس من إقبال فتية جدد على الكتابة؟ ألا يفترض به أن ينتشي، ويفتح لهم ذراعيه، ويقرأ نصوصهم، فيزكّي الموهوب، ويساعد الأقل موهبة على أن يرتقي بموهبته، ويصارح غير الموهوب بأنه يستطيع أن يكون مبدعًا في مجال آخر؟
أليس رائعًا ومثيرًا للتفاؤل، أن تجد عشرات من الكتّاب الفتيان يوقعون كتبهم في معرض الكتاب؟ وقد ولد معظمهم بعد مرحلة الإرهاب، وتشكّل وعيهم داخل الزمن البوتفليقي، الذي ظهر أنه زمن مضادّ لكل أشكال الوعي؟ ما معنى ألا نكتب هذا الجيل في نصوصنا، ولا نسمح له بأن يكتب نفسه؟ ما الفرق بينك، أيها المثقف، بهذه الرّوح الإقصائية، وبين الرئيس بوتفليقة، الذي بات عمر جلوسه على الكرسي من عمر هذا الجيل؟
لماذا ينزعج كاتب مكرّس من إقبال فتية جدد على الكتابة؟ ألا يفترض به أن ينتشي؟
إذا كان هناك معطى علينا أن ندينه، في ظاهرة الكتّاب الجدد، فهو أن سحب الدّعم الحكومي للكتاب والنشر تزامن مع ظهورهم، بعد أن غرف المئات من سابقيهم منه، من غير أن يقدّم معظمهم كتبًا جديرة بأن يحفظها التاريخ! ولو كان وزير الثقافة منسجمًا مع دور وزير الثقافة، لوضع خطة واعية ومدروسة لاستيعاب هذه الأسماء الجديدة، ووضعها على السكّة، لا أن يقول إن زمن الدعم قد انتهى.
اقرأ/ي أيضًا: حيَّ على القراءة
هل تدري أن هذا الجيل يملك صفاتٍ رائعةً منها أنه غير مبالٍ بأحد؟ ليس وقاحة منه، فهو في غاية التربية والأخلاق، بل لأنه ذكي ويعلم مسبقًا أن الشهرة والفرص يؤخذان غلابًا، فلم يعتمد على أحد أو ينتظر تزكية من أحد. وإن كل من ستراه منهم في معرض الكتاب قد طبع كتابه على حسابه! هل تدري ما معنى أن يبيع فتى نقّاله، بكل ما يعنيه الهاتف الذكي للفتى الجديد، من أجل أن ينشر كتابًا أفرغ فيه إحساسه بالفراغ؟ ألم يكن جديرًا بك أن تندّد بغياب الدعم له، عوض أن تندّد بظهوره أصلًا؟
قال: لكنّ السّاحة الأدبية ستتميّع بهذا، فهم غير مكوّنين ولا يرغبون في ذلك! قلت: ظهر المئات من أمثالهم في السبعينات ثم في الثمانينات ثم في التسعينات، ولم يبقَ منهم في النهاية إلا الموهوب، باستثناء بعض الوجوه، التي تعمل بشعار "كاتب رغم أنفك"، فما الدّاعي إلى القلق إذا لم يكن الحسد والغيرة والخوف على الامتيازات؟
عزيزي الكاتب المكرّس، من أراد أن يحمي حضوره، فعليه بالإبداع والإضافة والتجاوز والمكابدة، لا بالإقصاء والتهميش والتشويش والتشويه، فلا أحد يستطيع أن يقف في وجه الأنهار.
اقرأ/ي أيضًا: