بقرار البرلمان الصومالي حرمان شركة موانئ دبي العالمية من العمل في البلاد، بذريعة انتهاكها لسيادة الصومال، تفقد دولة الإمارات العربية السيطرة على موانئ البحر الأحمر شيئًا فشيئًا. ورغم المحاولات الإماراتية الحثيثة لاحتواء هذه الموانئ ابتداءً بالسودان وإريتريا وجيبوتي، إلا أن الصفعة الصومالية كانت مدوّية، وربما تغري بالمزيد.
تلقت الإمارات صفعة مدوية بقرار البرلمان الصومالي حرمان شركة موانئ دبي من العمل في البلاد، واتهامها بـ"الاعتداء على سيادة الصومال"
وصادق نواب مجلس الشعب الصومالي، قبل أيام قليلة، على مشروع قانون حول حرمة سيادة الدول ووحدة أراضيها، وينص القرار على منع شركة موانئ دبي العالمية من العمل في البلاد، متضمنًا مشروع اتهام لشركة موانئ دبي، بـ"الاعتداء الصارخ على سيادة الصومال ووحدته". ويأتي القرار وسط مساع حامية لحلف الرياض - أبوظبي لاحتواء موانئ البحر الأحمر، ليدخل في عداد الخسائر السياسية والاقتصادية للإمارات.
اقرأ/ي أيضًا: دولة الانتهاكات.. تقرير أممي يفضح تورط الإمارات في أنشطة عسكرية غير مشروعة
وبالرغم من إعلان شركة موانئ دبي العالمية، مطلع أذار/مارس الجاري، إبرام اتفاقية مع حكومة "دولة أرض الصومال" (صوماليلاند) التي أعلنت انفصالها عن البلد الأم من جانب واحد، وحكومة إثيوبيا، حول تشغيل ميناء مدينة بربرة، التي كانت عاصمة "أرض الصومال" قبل نقلها إلى مدينة "هيرغيسا"، إلا أن تدخل البرلمان الصومالي في هذا التوقيت، أثار عاصفة من الاستفهمات إزاء خطوة البرلمان المباغتة، وما يمكن أن تجره من معارك على سواحل أخرى.
لم تكن معركة خسارة الميناء الصومالي، الأولى، فقد دارت معركة سابقة وصامته للسيطرة على ميناء بورتسودان من قبل موانئ دبي، إلا أنها باءت بالفشل هي الأخرى، حيث سبق لشركة موانئ دبي في العام الماضي أن تقدمت مع أكثر من 20 شركة، بعطاءات لإدارة ميناء بورتسودان، وطلبت من هيئة الموانئ البحرية السودانية تسليمها إدارة الميناء بالكامل، إلا أن الهيئة رفضت ذلك واقترحت عليها مناصفة الإدارة مع الشركة الفلبينية التي تدير الميناء منذ عام 2013.
لكن موانئ دبي رفضت العرض حينها، وتقدمت له مجددًا في مفاوضات سرية، ليأتي رفض عمال الموانئ السودانية خصخصة ميناء بورتسودان، بمثابة إغلاق نهائي لذلك الباب.
أثيوبيا التي تفتقد لموانئ تطل بها على العالم ليست بعيدة عن هذه المناوشات، فثمة من يعتقد ذلك، فهي تستخدم ميناء جيبوتي بالضرورة كمنفذ إستراتيجي، ولا يخفى التنافس بين جيبوتي والصومال للاستئثار بامتيازات عقود العمل، ولربما توجه موانئ دبي للحصول على الميناء الصومالي، كان سببًا في إلغاء السلطات الجيبوتية اتفاقية قائمة مع موانئ دبي احتجاجًا على خلق منافسٍ لها، ما جعل الإمارات تخسر مرتين، وبيد غطرستها لا بيد غيرها.
لم تكن خسارة الميناء الصومالي الأولى بالنسبة لشركة موانئ دبي الإماراتية، فقد سبق وفشلت أيضًا محاولتها لإدارة ميناء بورتسودان
الباحث الخبير في شؤون القرن الأفريقي، عمار السجاد، يعتقد أن خطوة البرلمان الصومالي ليست بعيدة عن تداعيات أزمة الخليج المتمثلة في حصار قطر. وقال سجاد بوضوح لـ"ألترا صوت"، إن الحكومة الصومالية غير متواطئة مع حصار قطر، مُشيرًا إلى أنّ شركة موانئ دبي، تدخل موانئ المنطقة "من مبدأ الاستحواذ والتجميد"، على حد تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا: سواكن السودانية.. محطة جديدة لحروب الإمارات لاستعمار موانئ البحر الأحمر
يتوغل عمار السجاد في تشريح الأزمة من منظور اقتصادي وسياسي، معتبرًا "قيام موانئ قريبة وأحواض جافة غرب موانئ دبي، يخصم منها، خاصة أنها قد دخلت في تطوير ضخم في مقدراتها لاستيعاب الحركة التجارية". ورجّح عمار السجاد كفة البرلمان في مواجهة المكونات الصومالية، واصفًا البرلمان بأنه "قوي جدًا، وكلمته نافذة، والحكومات الصومالية تهابه".
وأوضح أن البرلمان الصومالي يمثل ألوان طيف واسعة، وهو بمثابة محاصصة قبلية: أربعة قبائل كبيرة، ونصفه للقبائل الصغيرة، عوضًا عن أنه يتكون من حوالي 270 عضوًا. أما بالنسبة لجيبوتي، فوفقًا لعمار السجاد، فهي تعتمد في اقتصادها على موقعها واستئجار أرضها للقواعد العسكرية، بجانب أنها دولة بلا موارد، والآن وبعد موجة "الحرب على الإرهاب"، أصبحت الولايات المتحدة تدعم جيبوتي، مقابل وجود قاعدة أمريكية هامة هناك.
ويُمكن القول أيضًا إن الأزمة بين شركة موانئ دبي والحكومة الصومالية، سببها الرئيسي هو أنّ الإمارات دخلت إلى الصومال من مدخلٍ خاطئ، يمثل بالفعل تهديدًا للوحدة الصومالية، يتمثل في التعاون مع حكومة صوماليلاند الانفصالية، التي لا تعترف بها الجامعة العربية، ولا يعترف بها أصلًا سوى إثيوبيا، الدولة الأكثر استفادة من تقسيم الصومال.
على ذلك النحو يغزل الناشط السياسي وائل علي رؤاه، فبحديثه لـ"ألترا صوت"، أعرب عن اعتقاده بأنّ الإمارات ربما لو دخلت من جهة الحكومة الصومالية الشرعية، لما ووجهت بالرفض والممانعة بهذا الشكل.
لكن ثمة مشكلة في ذلك، وهو أن إمارات ابن زايد "تزدري حكومة مقديشو"، بحسب علي رؤاه، كونها تتمتع بعلاقة صحية مع تركيا، التي يقول عنها إنها "المستثمر الإقليمي الأكبر في مقديشو".
ولفت وائل أيضًا إلى أنّ تحرك النواب الصوماليين جاء استجابة لاحتقان شعبي ضد السلوك الإماراتي غير المراعي لحساسية مسألة الوحدة الصومالية، والتي تعتبر عن الصوماليين "خط أحمر".
دخلت الإمارات إلى الصومال من مدخل خاطئ يمثل تهديدًا فعليًا لقضية الوحدة، وذلك بتعاونها مع حكومة صوماليلاند الانفصالية
وكان طبيعيًا أيضًا أن يقف البرلمان الصومالي لشركة موانئ دبي بالاعتراض، إذ إنّ الإمارات لكي تمرر اتفاقها الذي تعطل بفعل القرار البرلماني الصومالي، اتفقت مع حكومة أديس أبابا على إعطائها 19% من عائدات ميناء بربرة!
اقرأ/ي أيضًا: