16-سبتمبر-2024
الرئيس الكوري الشمالي في منشأة نووية

استعرضت كوريا الشمالية لأول مرة أجهزة الطرد المركزي في منشآتها النووية (رويترز)

تشهد شبه الجزيرة الكورية تصعيدًا غير مسبوق بسبب الخطوات التصعيدية التي قامت بها كوريا الشمالية مؤخرًا، والمتمثلة في إطلاق صواريخ باليستية وقصيرة المدى، والقيام لأول مرة بعرض صورٍ لأجهزة الطرد المركزي في منشأة من منشآتها النووية، وذلك بالتزامن مع زيارة الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى بيونغ يانغ، وتهديد كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية سيول وحليفتها الأميركية بدفع ثمن باهظ.

استعراض القدرات النووية

أثارت صورُ منشأةِ تخصيب اليورانيوم في كوريا الشمالية الكثير من الجدل، إذ اعتبر محللون تحدثوا لـ"رويترز" أنها تُظهر، على الأرجح، موقعًا غير معلن لصنع قنابل نووية خارج العاصمة بيونغ يانغ.

ولأول مرة، عرضت كوريا الشمالية، يوم الجمعة، صورًا لأجهزة الطرد المركزي التي تنتج الوقود لقنابلها النووية، وذلك خلال زيارة أجراها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لمنشأة لتخصيب اليورانيوم المذكورة.

ودعا كيم جونغ أون، خلال جولته تلك، إلى تخصيب مزيد من اليورانيوم بدرجة تسمح بصنع المزيد من الأسلحة لتعزيز الترسانة النووية لبلاده.

لأول مرة تعرض كوريا الشمالية صورًا من أجهزة الطرد المركزي في منشآتها النووية

وأظهرت الصور كيم وهو يتجول بين صفوف طويلة من أجهزة الطرد المركزي المعدنية، وهي الأجهزة التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم. وقال مراقبون ومحللون لشؤون كوريا الشمالية إن الموقع المعروف باسم كانجسون يشتبه في أنه مصنع سري لتخصيب اليورانيوم.

وبحسب جيفري لويس، وهو خبير في الحد من الانتشار النووي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، فإن 5 صور للمنشأة من الداخل، بما في ذلك القاعة "الكبيرة" والملحق الذي نشرته وسائل الإعلام الرسمية، تتطابق مع خصائص صور الأقمار الصناعية للموقع النووي.

وأضاف أن الشكل غير المألوف للملحق ومجموعة الأعمدة والعوارض غير العادية التي يتألف منها "تتطابق بشدة" مع الموقع الذي شيدته كوريا الشمالية هذا العام.

وتابع لويس: "من المرجح أن يكون كانجسون. إنه مصنع لتخصيب اليورانيوم". والسبب في التردد في تحديد الموقع هو أنّ لكوريا الشمالية عدة مواقع لتخصيب اليورانيوم.

ويرى محللون أنّ صور الأقمار الصناعية التجارية أظهرت أعمال بناء ـ خلال السنوات القليلة الماضية ـ في مركز يونجبيون الرئيسي للأبحاث العلمية النووية، وموقع كانجسون، مما يشير إلى احتمال التوسع في كلا الموقعين حسب "رويترز".

وتترافق هذه الخطوة الكورية الشمالية، بإظهار صور لمنشآتها النووية، مع سلسلة تجارب صاروخية أطلقت خلالها، الخميس الماضي، صواريخ قصيرة المدى للمرة الأولى منذ 73 يومًا، وشمل ذلك صواريخ باليستية. وقد أُطلقت الصواريخ بالقرب من مطار سونان في بيونغ يانغ، وقطعت مسافة 360 كيلومترًا شرقا قبل أن تهبط في بحر اليابان.

وبحسب هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية، فإنه في حال ما أطلقت الصواريخ باتجاه الجنوب، فستكون هذه المسافة كافية لاستهداف المدن الرئيسية في كوريا الجنوبية مثل سيول ودايجون، وكذلك المنشآت العسكرية الرئيسية في غيريونغ وغونسان. وأضافت: "بينما نراقب عن كثب أنشطة كوريا الشمالية المختلفة في ظل موقف دفاعي مشترك حازم بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، فإننا سنحافظ على قدراتنا الساحقة وجاهزيتنا للرد على أي استفزازات".

بدوره، دان الجيش الكوري الجنوبي تجارب بيونغ يانغ الصاروخية وعملية الإطلاق الأخيرة ووصفها بأنها "عمل استفزازي" يهدّد بشكل خطير السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، متعهدًا بالرد الصارم.

رسائل بيونغ يانغ

تريد كوريا الشمالية من خلال هذه الخطوات الأخيرة أن توجّه رسائل شديدة اللهجة لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية، خاصةً أنها هددت سيول وواشنطن، الأسبوع الماضي، بأنّهما ستدفعان ثمنًا باهظًا للتدريبات العسكرية المشتركة. ويذهب بعض المحللين الأكثر "تشاؤمًا" إلى أنّ بيونغ يانغ تستعد، من خلال الخطوات الأخيرة، لحربٍ وشيكة مع جارتها الجنوبية.

ولا يمكن فصل هذه الخطوات أيضًا، حسب المحللين، عن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، والتقارب بين موسكو وبيونغ يانغ الذي انعكس أول أمس الجمعة بزيارة الأمين العام لمجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، إلى بيونغ يانغ ولقائه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

وفي هذا الصدد، ربط الباحث في الشأن الكوري بجامعة تايبيه الوطنية، فيكتور وانغ، في حديث لصحيفة "العربي الجديد"، استئناف التجارب الصاروخية بالتقارب بين موسكو وبيونغ يانغ، وقال إنه: "بعيدًا عن أي رسائل محتملة لواشنطن، يبدو أن ما يشغل كوريا الشمالية هو الاستفادة من حاجة روسيا للأسلحة لمواصلة حربها على أوكرانيا.

وأضاف أن هناك مصلحة مشتركة في ظل العقوبات الدولية والأممية المفروضة على الطرفين. فمن جهة، تحتاج بيونغ يانغ إلى الدعم المادي وما يمكن أن تجنيه من بيع الأسلحة لروسيا، ومن جهة أخرى، تحتاج موسكو للسلاح، إذ تعتبر كوريا الشمالية الخيار الأفضل كونها دولة متحررة من عبء الالتزام بالقرارات الدولية".

وتعهد كيم جونغ أون، على هامش زيارة شويغو لبييونغ يونغ، بتعميق العلاقات مع روسيا الباحثة عن ذخيرة لمواصلة حربها في أوكرانيا.

على الطرف الآخر، يرى المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، أنه لا يمكن قراءة الدوافع التي تقف وراء زيادة وتيرة تجارب بيونغ يانغ الصاروخية بمعزل عن الانتخابات الأميركية.

وقال إن كوريا الشمالية دأبت على فعل ذلك في كل دورة انتخابية أميركية، إذ تريد أن تكون حاضرةً بقوة في المشهد الأهم في الولايات المتحدة، لتقول إنها لا تزال دولةً عصية قادرة على تطوير برنامجها النووي على الرغم من كل التهديدات والعقوبات، وإنه لا مجال إلا للرضوخ لمنطق القوة والتعامل معها باعتبارها دولة فاعلة ومؤثرة على الساحة الدولية.

هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، وفق رأيه، قد ترغب بيونغ يانغ في التأثير على توجهات الناخبين لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي كان أكثر انفتاحًا نحوها، وذلك من خلال مواصلة الأعمال الاستفزازية لتصوير إدارة جو بايدن بأنها إدارة فاشلة عاجزة عن كبح جماح التهديدات الصاروخية التي تشكلها بيونغ يانغ على حلفاء واشنطن في المنطقة.

من جهته، قال لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث ومقره هونغ كونغ، إن الأرجح هو أن كوريا الشمالية تركز على تحسين قدراتها الصاروخية، لأنّها تدرك أنّ المرحلة المقبلة صعبة للغاية في ظل تعزيز الولايات المتحدة وجودها في المنطقة وتشكيل جبهة موحدة من الحلفاء ضد الصين والتهديدات الكورية الشمالية، ضمن ما يعرف بالاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

وتابع: "بالتالي، ليس لدى بيونغ يانغ الوقت والترف لتوجيه الرسائل إلى الخارج، بل تريد التفرغ لإنهاء برامجها النووية وتطوير قدراتها الصاروخية بما يضمن أمنها وسيادتها، في أي مواجهة محتملة".

وأضاف لي، في حديثٍ لصحيفة "العربي الجديد"، أن كوريا الشمالية ليست في حاجة إلى إطلاق صواريخ قصيرة المدى للفت انتباه موسكو من أجل بيع وتصدير الأسلحة، وموضوع تجارب بيونغ يانغ الصاروخية مرتبط بصورة مباشرة ببرامج وجداول زمنية محددة لإطلاق التجارب، غير أن ما أخّر تجارب بيونغ يانغ الصاروخية الأخيرة، حسب قوله، هو الفيضانات التي اجتاحت البلاد خلال الأشهر الماضية ودمّرت مناطقها الشمالية.