تحل اليوم 17 نيسان/أبريل مناسبة يوم الأسير الفلسطيني، وحلت في الـ11 من الشهر الجاري ذكرى استشهاد الرفيق إبراهيم الراعي "أبو المنتصر" في أقبية الشاباك، كما حلت صدفة ما قبل أيام معدودات بأن كتبت، وما أثقل وأوضع صيغة ضمير المتكلم في الكتابة، خاصة الصحفية والصحافية منها، لكن وبدون صوت الست أم كلثوم "للصبر حدود يا حبيبي"، الجملة غير الصدفية التالية. لا يمكن للموت أن يكون من بين الحاجات التي تلتقي مع الفطرة السليمة على ذات المائدة لذاته، إنما لتقديم بعض الإجابات أو الحلول للحياة في ذاتها. ليس من فائدة مرتقبة أن يتم الذهاب تأويليًا إلى أبعد مما تعنيه الجملة المعنية حرفيًا، إنما لبعض الإيضاح بشأن السياق/ات ِشأن في التعويل على ما يرجى أن يعول عليه.
مجددًا ودائمًا: لا يمكن للموت أن يكون من بين الحاجات التي تلتقي مع الفطرة السليمة على ذات المائدة لذاته، إنما لتقديم بعض الإجابات أو الحلول للحياة في ذاتها
يحصل في المضارع المستمر، وبتقنية لا تهم كثيرًا إلا بقدر ما تحققه، أن رفيقًا مناضلًا، بكل المعاني التي يمكن أن يقصد إليها، يناقش مع مجموعة محدودة ممن توفر له الاتصال والتواصل بهم ومعهم من محبسه لدى مخبري وسدنة تنظيم الدولة المصرية الحالي وكهنته، رفقة المجرم الشفاف المقاول عبد الفتاح السيسي، مسألة كلاسيكية جدًا في حالة الرفيق المعتقل. أي حالة ضحية الاعتقال السياسي التعسفي المسبوق بإخفاء قسري يبدو أن لا بد عنه في باب تكريس اليد العليا للإرهاب واحتكاره من طرف السلطة دائمًا، ومن باب عقيدة التوحش بعض الشيء، الأهم في تراكم السلطة على درب إعادة إنتاج واقعها.
اقرأ/ي أيضًا: الحاجة للوجه ذو الندبة
نقاش الرفيق المعني يتمحور حول كلاسيكية سؤال "ما العمل؟"، غير اللينيني بالضرورة. ما العمل في حالته التي تشهد إسدال ظلال كثيرة وتلفيقات انتقامية شاهقة ما بين نيابة وادعاء مفرغ من أي مضامين وأمن الدولة المباركي/الأمن الوطني بنسخة يناير الحالية الذي تخجل من أداءه حتى بنية الادعاء التافهة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في "كونتنيرات" معسكر عوفر "القضائية" ومرادفاتها في السلك العدلي الإسرائيلي.
بطبيعة طرح سؤال "ما العمل؟" إنسانيًا يأتي مسبوقًا بضرورة سؤال "ما الذي يمكن معرفته؟"، متبوعًا بسؤال ممكنات الأمل ومرتقباته، توخيًا وإجلالًا عقليًا لنسق المعلم النوراني إيمانويل كانت. لكن هل سيكون من الملائم توخي عظمة المأثور الشعبي "افضح الشرع بيسترك"؟ أحد التساؤلات القبلية المركزية في الحالة المعنية. أي هل يمكن للنشاط الإعلامي والجهد التضامني وإشهار القضية وملف صاحبها وهويته تحقيق أثر يخدم سبيل هذا المعتقل إلى "حريته"؟ أم سيزيد التسويف والعنجهية السلطوية أمام ملفه؟.
السجين/المعتقل هو رأس الحربة الأولى في الدفاع عن كرامته وحريته، لا نفسه بالضرورة على أهميتها أيضًا
هذا التساؤل بدوره أفضى إلى ما هو أكثر أولية. ما يعرفه كل من اختبر مصارحة الحياة داخل السجون ومعسكرات الاعتقال وجولات التحقيق، أو حتى محاولات الإذلال دون أي تحقيق من أصله، على تنويعاتها للمناسبة. لكن يبدو أن قلة متضائلة تقر بإدراكه. السجين/المعتقل هو رأس الحربة الأولى في الدفاع عن كرامته وحريته، لا نفسه بالضرورة على أهميتها أيضًا. إذ على الإنسان تحمل مسؤولية كل تمظهرات وجوده في الكوكب، وبشجاعة وألفة مهما أمكن. كيف ذلك؟! يتسع الفارق، لكن يضيق التأويل.
اقرأ/ي أيضًا: الميتافيزيقيا إن صارت علمًا
استغرب رفيقنا أن ورد اسم الرفيق المناضل الأيرلندي بوبي ساندز في باب النصح. بل ربما استغرب أيضًا إيقاع النصح ونغمته بالمجمل. لذلك وجب الإيضاح بشأن مثال عياني غير هين حول قوة ضرب المثل بخصوص كيف لا يكون الموت إلا محاولة تقديم إجابات نافعة للحياة. وعليه نُشر هذا الإيضاح، كما وصل إلى من يبدو أنه بحاجة حقيقية لتلقيه.
تقول الموسوعة المفيدة ويكيبيديا العربية عن روبرت غيرارد ساندز، أنه "كان عضوًا في الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت، والذي تُوفي بسبب إضرابه عن الطعام أثناء حبسه في سجن إتش إم ماز بعد الحكم عليه في قضية حيازة أسلحة نارية. كان زعيم الإضراب عن الطعام في عام 1981، الذي احتج فيه السجناء الجمهوريون الأيرلنديون على إلغاء وضع الفئة الخاصة. تُوفي ساندز في 5 أيار/مايو عام 1981 في مستشفى سجن ماز بعد 66 يومًا من الإضراب عن الطعام، بالغًا من العمر 27 عامًا. سجل تقرير اختصاصي علم الأمراض الأصلي أسباب الوفاة الناتجة عن إضراب الطعام بأنها «مجاعة اختيارية»، وعُدلت ببساطة لاحقًا إلى «مجاعة» بعد احتجاجات من أسر قتلى الإضراب. وهي، أي ويكيبيديا العربية، محقة فيما أوردته.
على الإنسان تحمل مسؤولية كل تمظهرات وجوده في الكوكب، وبشجاعة وألفة مهما أمكن
مجددًا ودائمًا: بمأ أن أ=أ، أي أن الكل مساوٍ لنفسه، كذلك "أ+ب"= أ، ما يحيل إلى أن الكل أكبر من أي جزء فيه بل يساوي حاصل كل أجزاءه في كل حالاته وحالاتها. وعليه يكون الموقف أمام التوحش الذي تراه السلطة ضروريًا فيها ولها توحشًا مضادًا بأدوات إنسانية تبتغي تفكيك التوحش الأولي لا التفوق عليه في ملعبه، بل تنكيس رايته في عقر معاقله. إذ يبقى لكل ظرف إنساني معطياته التي تجلب على الإنسان ما يمكن أن تجلبه على مجهوليته أو ترقبه ضمن التمهل في تعاطي إزعاج الحياة وتوخي اللذة المجسرة بين المعرفة والإرادة فيها.
اقرأ/ي أيضًا: